الخميس 8 ذو القعدة 1445 هـ || الموافق 16 ماي 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 7851

ما حكم إبقاء المشتري بعض ماله لدى البائع لكون البائع ليس لديه فكة "صرف"؟

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س88: ذهبت للسوق واشتريت بسبعمائة ريال وأعطيت البائع ورقة فئة ألف ريال يمني فأعطاني مائتين وقال لي بكرة أعطيك المائة المتبقية فليس عندي فكة، فقلت له طيب، فقال لي شخص هذا لا يجوز لأنه ربا نسيئة، وشخص آخر يقول: إن الباقي أصبح مجرد أمانة عند البائع، فأرجو إفادتي مع من الحق؟


ج88: نعم الباقي ربا نسيئة ولا يجوز، لأنك أعطيته ألف ريال " فئة ألف" مقابل شيئين هما: بضاعة بسبعمائة ريال، فهذه بيعة سليمة ولا محظور فيها، وباقي المبلغ الذي هو ثلاثمائة ريال جزء من صرف نقد بنقد فهو عقد جديد لا دخل له بالبضاعة لأنك.

ولإيضاح ذلك اكثر أقول، انت قمت بصفقتين:

الأولى: صرف الألف فهو مقصود خلافاً للمالكية الذين قالوا إن الصرف ليس مقصوداً، فالمشتري قصد الصرف مع الدفع لأجل يأخذ البائع مبلغه، ويرد الباقي للذي طلب الصرف وهو المشتري، فمبلغ الألف فيه صرف، حيث أعطاك مائتين نقداً، ومائة نسيئة، وهذا هو الربا.

الثانية: دفع قيمة البضاعة "700 ريال" بعد صرف فئة الألف.

فكلا الأمرين وهما: قيمة البضاعة وطلب الصرف عقدان لا محالة.

ولذا أكرر وأقول : البائع أعطاك مائتين نقداً وأجل المائة، وهذا عين ربا النسيئة لأنه يُشترط في النقد اتحاد المجلس والتقابض والمثلية يعني في مجلس واحد يداً بيد ومثلاً بمثل وسواء بسواء لاتحاد الجنس "وهو الريال اليمني" في الأوراق النقدية للحديث المتفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل ولا تُشِفّوا ([1])  بعضها على بعض ولا تبيعوا الوَرِق ([2])  بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبًا ([3]) بناجز ([4])"([5]).

وفي الصحيحين أيضاً والحديث متفق عليه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهبُ بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والورق بالورقِ رباً، إلا هاء وهاء، والبُرُّ بالبرِّ رباً، إلا هاءَ وهاءَ، والشَّعِيرُ بالشعيرِ رباً، إلا هاءَ وهاءَ".

ومعنى: "هاء وهاء" أي: إلا يداً بيد، كما جاء في الحديث الآخر، يعني مقابضة في مجلس واحد، والأصل فيه: هاك وهات كما قال الشاعر:

وجدتُ الناسَ نائلُهم قروضٌ*** كنقد السوق خذْ مني وهاتِ

ومن فروع هذه المسألة لو أنك أعطيت صاحب السوق أو محل الصرافة أو صرفت لدى شخص ورقة نقدية "فئة ألف" ليصرفها لك فأعطاك تسعمائة أو أقل أو أكثر، وقال لك الباقي فيما بعد فهذا ربا الصرف "النسيئة" وهو غير جائز كسابقه.

أما الذي يقول بأنه تحول إلى أمانة فهذا غير صحيح لأنه عندما دفع "ورقة الألف" لم ينو بها أمانة أو بجزء منها أمانة بل دفعها الصرف والشراء، فعجز البائع عن دفع الباقي فأجله إلى أجل، بل لو نوى أو قال الباقي أمانة لما خرج من مسمى الربا لأنه لم يقبض في المجلس شيئاً فكيف يحتال على النص الشرعي ويقول هو أمانة؟! وقد قلت في مجلس سابق " لا تقل أمانة" لماذا؟ لأن الأمانة لا يجوز فيها البدلية بل يلزم ارجاع الشيء نفسه وهذا متعذر على البائع لأنك لم تضع عنده شيئاً بعينه كي يبقى أمانه لحين تأخذها بعينها، أما الحسابات البنكية وحسابات الشركات المصرفية فإنك تعقد معهم عقداً في بداية فتح الحساب على أنها مبالغ مودعة مقروضة لحين طلبها فلا يلزم دفعها نفسها، بل الدفع بالمثلية والبدل من الجنس النقدي نفسه سواء في الحساب الجاري أو التوفير أو حسابات المقاصة.

وقد أفتى شيخنا عبد الله الحبرين وكذا اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز بأن الباقي تحول إلى أمانة وليس بربا صرف موافقة للبهوتي وبعض الحنابلة، ومثلهم القاضي سليمان الماجد معللاً ذلك بقوله بأن الصرف وقع تابعاً وأنه يُغتفر في التابع ما لا يُغتفر في غيره، ومثلهم شيخنا المحدث عبد المحسن العباد لكنه اعتبره باعتبار آخر حيث جعل الباقي في الذمة ويحتاج وفاء ونفى كونه صرفاً، وهذا قول بعيد - والله أعلم - لأن المشتري والبائع لم يقصدا الأمانة ابتداء كما تقدم، والذين يقولون بأنه ليس بصرف، نقول لهم ولماذا بقي للمشتري شئ عند البائع؟! لو لم يرد المشتري الصرف كي يدفع قيمة البضاعة لما بقي له شئ ولكانت الألف مقابل الشراء كاملاً، إنما الجائز في هذا الباب لو أعطيت البائع فئة ألف ريال، و ذهب البائع لإحضار الباقي من داخل محله، أو من محل مجاور وأنت منتظر له أو أنت أخذت الألف وذهبت لتصرفها، فهاتان صورتان جائزتان لأن مجلس التقابض لم ينفض ولأنك لم تترك المجلس ولم تستلم البضاعة ولم تسلمه مبلغه وإنما ذهبت تصرف ثم سلمته حقه واستلمت بضاعتك وباقي المبلغ الذي لك.

وقد قال بما أفتيت به في مسألة الباب في عصرنا الحاضر الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي وغيرهما ([6]).

لكن قد يقول قائل: ما الحل لأن هذه المعضلة تتكرر مع عموم المشتريين والبائعين في عصرنا الحاضر؟

والجواب: هناك عدة حلول - إذا قال لك هذا جزء من المال والباقي في وقت آخر أو قال لك ما عندي فكة ونحو ذلك، فاتبع حلاً من هذه الحلول التالية:

إما أن تقول: له اصرفها عند المحلات المجاورة وأنا أنتظرك لأنك ما زلت أنت وهو في مجلس البيع والتقابض وإنما خرج لحاجة الصرف.

وإما خذ منه ورقة الألف واصرفها عند أي شخص أو في محل مجاور.

وإما خذ منه الألف ثم اعطها له، وقل له اعطني البضاعة وخذ هذه الألف رهناً لحين أعطيك مبلغك.

وإما خذ منه الألف ثم اعطها له وقل له اقطع مبلغك " 700 ريال" واعطني ما لديك، واترك الباقي عندك في حسابي لحين سحبه، إذا كان لديك فعلاً حساب عنده وهذا شرط ضروري، لأن وجود حساب لك عنده في مقام القبض كالشخص الذي لديه حساب في بنك وأنت اشتريت منه دولارات فذهبت للبنك وأودعت في حسابه قيمة الدولارات واستلمت الدولارات المشتراة.

هذه حلول شرعية ممكنة، لكن ليس من الحالات الجائزة ما أجازه بعض المشايخ من قولهم: خذ منه الألف ثم اعطها له وقل له اقطع مبلغك واعطني ما لديك، واترك الباقي عندك قرضاً أو أمانة، لأن هذه الصورة تدل على أنك لم تقبض بعد الصرف فكيف تعطيه قرضاً أو تأتمنه على شئ لم تستلمه؟! ومعنى ذلك أن هذه الصورة ربا لأنك صرفت ولم تستلم مبلغك وإنما استلمت بعضه نقداً والبعض الآخر نسيئة فاحتلت على النسيئة بقولك للبائع هو عندك قرض أو أمانة، فهذه الصورة تدخل في قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهبُ بالذهب ربا إلا هاء وهاء" متفق عليه، وبالله التوفيق.

 

([1])  تزيدوا.

([2])  الفضة.

([3])  مؤجلًا.

([4])  حاضر.

([5])  أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب البيوع, باب بيع الفضة بالفضة(2/761 رقم2068)], ومسلم في صحيحه [كتاب المساقاة, باب الربا(3/1208 رقم1584)] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري.

([6])  جاء في لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين رقم (72 ) : السؤال : فضيلة الشيخ ذكرت في شريط: الأسلوب الأمثل في الدعوة: أنك إذا اشتريت مثلاً من صاحب بقالة بقيمة أربعين ريالاً فأعطيته خمسين وبقي لك عشرة ريال فقلت: إنه ربا نسيئة، ما هو الدليل على ذلك لأن كثيراً من الناس وقع في ذلك؟

الجواب : هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيع وصرف، الخمسين ريالاً الآن صارت عوضاً لصرف وبضاعة فأما البضاعة فمعروف أنه ليس بينها وبين الدراهم ربا، وأما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقد بنقد، فلا يجوز أن تفارقه حتى تأخذ منه ما بقي من الخمسين، وحل هذه المشكلة سهل بدلاً من أن يقول: هذه الخمسين ويبقى عندك لي عشرة ريالات يذهب إلى جاره ويصرف الخمسين ويعطيه أربعين"اهـ




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام