السبت 11 شوال 1445 هـ || الموافق 20 أبريل 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5896

سداد القرض مع زيادة، وشرح قاعدة: "كل قرض جر منفعة فهو ربا"

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س95: أرجو شرح قول الفقهاء: "كل قرض جر منفعة فهو ربا"؟ وهل يعني إذا اقترضت من شخص ألف ريال وسددته أكثر مما دفع لي من باب اكرامه أكون قد وقعت في الربا؟


ج95: قول الفقهاء المشار إليه: "كل قرض جر منفعة فهو ربا" يُعتبر قاعدة من القواعد الفقهية، وأصل هذه القاعدة حديث ضعيف لكن صح موقوفاً، ومعناه صحيح، وقد اتفق العلماء على العمل به.

وهو مخرج في مصنف الإمام عبد الرزاق الصنعاني ومصنف ابن أبي شيبة، وفي السنن الصغير للبيهقي وفي مظان أخرى من كتب الأحاديث والآثار.

والمقصود من هذه القاعدة: النفع المشروط، كأن تطلب قرضاً مالياً من شخص فيوافق مشترطاً عليك أن تقدم له خدمة أو تبيع له أرضاً أو تؤجر له مسكناً أو تنفعه بأي شيء مقابل أن يقرضك.

ومن الربا أيضاً إذا أعطيته شيئاً هدية أو غيرها أو نفعته بخدمة لأجل أنه أقرضك سواء قبل سداد القرض أو وقت سداده، فهذا كله ربا.

أما إذا أقرضك ثم بعد القرض أو عند السداد زدت له في القرض إكراماً منك كما في السؤال ولم يكن مشروطاً ولا لأجل أنه أقرضك تشجيعاً له كي يقرضك في المستقبل فهذا ليس ربا البتة لكونك لم تكرمه لوجود شرط ولا لأجل تشجيع يكون سبباً لطمعه في منفعة القرض، والدليل على الزيادة عند السداد ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ([1]) فأغلظ ([2]) فهمَّ به أصحابه ([3])  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا ([4]) " ثم قال: "أعطوه سِنًّا مثل سِنِّه"ِ قالوا يا رسول الله إلا أمثل ([5])  من سِنِّهِ, فقال: "أعطوه فإن من خيركم أحسنكم قضاء" ([6]).

وأخرج مسلم وغيره عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بَكْرًا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة, فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْره، فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا ([7])، فقال: "أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء"([8]).

قال ابن قدامة في المغني (6 / 436): "قال ابن المنذر أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك, أن أخذ الزيادة على ذلك ربا"اهـ

وقال ابن عبد البر في الكافي (ص 359): "وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا, ولو كانت قبضة من علف, وذلك حرام إن كان بشرط" اهـ

وقد وردت مجموعة من الأمثلة الفقهية الأثرية في هذا الباب منها:

الأول: أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح عن ابن سيرين قال: "أقرض رجل رجلاً خمسمائة درهم واشترط عليه ظهر فرسه، فقال ابن مسعود: ما أصاب من ظهر فرسه فهو ربا"([9]).

الثاني: أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أيضاً بإسناد حسن عن كلثوم بن الأقمر الوادعي عن زر بن حبيش قال: قال أبي: "إذا أقرضت قرضاً وجاء صاحب القرض يحمله ومعه هدية فخذ منه قرضه ورد عليه هديته"([10]).

قلت: وهذا الأثر حسن الاسناد، ولا يضر قول ابن المديني في كلثوم أنه مجهول، فقد روى عنه جمع من الثقات وروى عن جماعة من الصحابة، ويحمل الأثر على أنه لم يعط الهدية وقت السداد إلا لأجل القرض والتشجيع له، فمن ظهرت له هذه العلة وأخذ الهدية فهي ربا، وإذا لم تظهر له هذه العلة بالقرائن فأخذها فليس بربا، والأحوط ألا يأخذها من باب التورع فإنه قد لا يميز بين هدية الإكرام المحض والهدية لأجل القرض. الثالث: أخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بإسناده صحيح على شرط مسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كراع ([11])، ولا عارية ركوب دابة" ([12]).

قلت: وقد سبق شرح ذلك في الأثر قبله، وبالله التوفيق.

 

([1])  يطلب منه قضاء الدين.

([2])  بالتشديد في المطالبة.

([3])  أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكن لم يفعلوا أدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم.

([4])  صولة الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع.

([5])  لم نجد إلا أفضل.

([6])  أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الوكالة, باب الوكالة في قضاء الديون(2/809 رقم 2183) ], ومسلم في صحيحه [كتاب المساقاة, باب من استلف شيئا فقضى خيرا منه و( خيركم أحسنكم قضاء)(3/1225 رقم 1601)] كلاهما من حديث أبي هريرة.

([7])  الرَّباعي من الإبل: الذي أتت عليه ست سنين، يقال: هو رَبَاع، والأنثى: رَبَاعية، و: "خيارًا" بمعنى: مختار، ويقال ناقة خيار بمعنى: مختارة.

([8])  أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب المساقاة, باب من استلف شيئا فقضى خيرا منه و( خيركم أحسنكم قضاء )(3/1224 رقم 1600)] من حديث أبي رافع.

([9])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [ من كره كل قرض جر منفعة (4/228 رقم 20692)].

([10])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [ في الرجل يكون له على الرجل الدين فيهدي له (4/326 رقم 20671)].

([11])  الكراع: الساق العاري من اللَّحم.

([12])  أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه [ باب الرجل يهدي لمن أسلفه (8/143 رقم 14650)].




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام