الضابط ناصر القردعي ودعوى المهداوية من خلال بيانه الأول
تابع مسألة: ادعاء المهدية افتراء بلا برهان
الحلقة (8)
ما زال الحديث حول مسألة المهداوية التي ادعاها الضابط ناصر القردعي من خلال بيانه الأول الذي صدر بتاريخ 22 - 11 - 1428 هـ، الموافق 02 - 12 - 2007 م.
حيث ادعى في هذا البيان أنه المهدي وأنه فضل الله ورحمته على المسلمين دون أن يذكر في بيانه أي دليل على مهداويته المزعومة، وهو الذي يقول بأنه مهدي منتظر بأدلة قاطعة من القرآن كما نطق بذلك في أكثر من بيان كما سيأتي معنا من خلال هذه السلسلة بإذن الله، وقال: إنه يحتج بالقرآن، فأين الدليل في القرآن على مهديتك يا ناصر؟!!! ولماذا لم تذكر أدلة هذا الادعاء ؟، وطبعاً لا جواب لدى ناصر في هذه المسألة، لأن فاقد الشئ لا يعطيه، وهذا حال الأدعياء على مر العصور.
سأسلط الضوء في هذه الحلقة والتي تليها حول المهدي وزمانه لأكشف الحقيقة للجمهور، فأقول وبالله التوفيق:
عصر المهدي مرحلة مستقبلية، توضحها الأدلة المتكاثرة في السنة، وقد سردتها في محاضرات" أشراط الساعة وآخر الزمان" وقلت: إنها مرحلة تبدأ بظهور الخليفة المهدي محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي وتمتد حتى نزول عيسى عليه السلام الذي ينزل ويقتل المسيح الدجال، ثم يعيش ما شاء الله، ثم يموت ويصلى عليه المهدي، وتكون خلافة المهدي سبع سنين كما صحت بذلك الأدلة التي سيأتي ذكرها في الحلقة رقم (9) من هذه الدراسة.
لذا لا مهداوية في عصرنا الحاضر، الذي ظهر فيه أدعياء كثيرون، وكلٌ يدعي أنه المهدي منذ مئات السنين إلى يومنا هذا كما أسلفت في الحلقتين رقم (4، 5) من هذه الدراسة، وكلهم دجالون لا تنطبق فيهم صفات المهدي التي جاء ذكرها في السنة الصحيحة، وقد تبعهم وصدقهم عوام لا يدركون حقيقة هؤلاء الأدعياء.
وأول شيء يبدأ به أدعياء المهداوية هو: الطعن في العلماء الربانيين لكون العلماء أعلم الناس بصفات المهدي، وهم أول من ينكر دعوة هؤلاء الأدعياء، وأول من يبايع المهدي الحق، ثم الناس تبع لعلمائهم في مبايعة المهدي، وما أكثر من ادعى انه المهدي في عصرنا الحاضر.
عصر المهدي غير هذا العصر، بل عصره عصر مستقبلي بعد سلام مع عدونا وملاحم متعددة نقوم بها نحن المسلمين وأعداؤنا ضد عدو آخر لنا،
وقد اقتربت ارهاصات هذه الملاحم، ومن أوقع هذه الملاحم التي لم تقع حتى الآن ما أخرجه الإمام أبوداود في سننه والحديث صحيح عن ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ ، وَتَسْلَمُونَ ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ ، وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ ، فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ".
وثبت عند أبي داود وغيره من حديث ذي مِخْمَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ : " تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ وَيَقُولُ أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ ".
وقوله: " ِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ" وهي الأرضٍ الفسِيحة ذات نبَات منتشِر على مساحةٍ كبيرة، وفيها مرتفعات غير شاهِقة الارتِفاع.
وظاهر ما تقدم أنها حرب بيننا ومن معنا ممن سالمناهم من الكفار ضد عدو آخر، وهذه غير الملحمة الكبرى، بل هي ملحمة من مجموعة ملاحم ويبقى بيننا وبين أهل الكفر سلام وعهود، وأما الكبرى التي تكون بيننا كمسلمين ضد عدونا فهي المذكورة في الأحاديث التالية وتكون في الغوطة.
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ ".
ويؤكد ذلك حديث آخر أن الملحمة الكبرى المشار إليها سابقاً " بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ "ستكون في الغوطة الشرقية بدمشق لما ثبت من حديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فُسطاطُ المسلِمين يوم المَلْحمَةِ الكُبرى بأرضٍ يُقال لها: الغُوطَة، فيها مَدينةٌ يُقال لها : دِمشق، خير منازلِ المسلِمين يومَئِذٍ" أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما.
وقد قال الإمام النووي في المنهاج: "وَ(الْأَعْمَاق وَدَابِق) مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ بِقُرْبِ حَلَب"اهـ.
قلت: وحلب قريب من دمشق، وفي تحديد الموقع ما بين حلب ودمشق خلاف، لكن الحديث المتقدم يخصص الغوطة، وهي قريبة من دمشق بنص الحديث المتقدم.
ولا يمنع من تكرار الملاحم حول حلب والغوطة، وهذا ظاهر من أدلة أخرى، والله أعلم، ثم الأحاديث المتقدمة تؤكد أنها ستكون ملاحم متعددة، ومنها الملحمة الكبرى وكلها قبل ظهور المهدي وقبل مبايعته، وهي كلها لم تتم، ومعنى ذلك أنه لا مهداوية في هذا العصر، فلا تصدقوا الأدعياء، فليس هذا العصر عصره.
ثم المهدي إذا ظهر سيفتح الله على يديه الأمصار ويحكم البلاد العربية كلها ويصلحه الله في ليلة، ويتعدى الفتح حتى يصل بلاد الغرب، ولا تكون للغرب قوة تستطيع أن تقاومه وتقاوم جيشه يومئذ.
وتعتبر مرحلة المهدي على منهاج النبوة، فلا يدعي المهدي الحق أنه يوحى إليه من السماء ولا يغير ولا يبدل شرع الله بأحكام يوحيها له الشيطان كما فعل ناصر القردعي الملقب نفسه باليماني، وقد سبق القردعي بمثل دعواه " ميرزا غلام أحمد" حيث قال إنه المهدي، وانتهى أمره بادعاء النبوة قبل موته ثم أهلكه الله.
مرحلة الخليفة المهدي ستكون المرحلة الخامسة في الحكم، وستكون شرعية بمثل ما كانت عليه في زمن النبوة، ويؤكد ذلك ما ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة.
فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت".
هكذا قسَّم النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم مراحل الحكم في حياة المسلمين إلى خمسة مراحل :
المرحلة الأولى: وهي مرحلة النبوة، وقد انقضت بموت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، وهي خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
المرحلة الثالثة: مرحلة الملك العضوض، بمعنى: حكم فيه تعسف وظلم يصيب الرعية، وقد انقضت هذه الفترة وهي فترة الدولة الأموية ودولة بني العباس ومن مضى بسيرهم ويستثنى من ذلك فترة حكم الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، وعمر بن عبد العزيز على المشهور.
وقد بينا هذه المرحلة وما دار حولها من شبهات في الحلقة رقم (20) والتي كانت بعنوان مراحل الحكم في حياة المسلمين، والخلافة الراشدة
وذلك من خلال بحثنا: "دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية".
المرحلة الرابعة: مرحلة الملك الجبري، ونحن نعيش اليوم هذه المرحلة في بلاد المسلمين سواء كان الحكم ديمقراطياً أو سلطانياً أو ملكياً أو أميرياً، فهو جبري قسري في أحكامه وأنظمته.
المرحلة الخامسة: مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، وهذه هي مرحلة " الخلافة الراشدة" يوم أن يجتمع المسلمون على حاكم واحد، يحكم فيهم بالنظام الإسلامي وفقاً لأدلة الكتاب والسنة وسيراً على المنهج النبوي الذي سار عليه الخلفاء الراشدون الأربعة، وهي مرحلة مستقبلية، تكون في زمن الخليفة المهدي كما هو ظاهر الأدلة، وهذا زمن غير زمننا اليوم.
وسنعرف بإذن الله من خلال الحلقة القادمة رقم (9) صفات وحقيقة الخليفة المهدي بموجب ما ثبت من الأدلة الصحيحة.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.