الثمرُ الدَّاني في مُختصر تَرجَمة الشَّيخ العَلاَّمة الدُكتور صادق البيضاني
بقلم: حسن يوسف - أحدُ طُلابه
في هذه الإطلالةِ الخاطفَة أحاولُ جاهدًا أن أسرُدَ ما تيسَّر سَردُه من سيرةٍ حسنةٍ لشيخنا العلاَّمة الدكتور صادق البيضاني - حفظه الله - والتي تفوحُ مسكًا وعنبرا، والهدفُ من ذكرِ سيرةِ هذا الشيخ المِفضال والعالم المُتفنن التعريف به حَسَبَ معرفتي به شَخصِيا بغَض النَّظر عمن ترجم لهُ قَبلي، وذلكَ لَعَلَّ الكثيرَ رُبما لم يسمع باسمه ولو سمعَ بعضُهم به لا يعرُفهُ عن قرب، ولا يعرفُ عن ترجمتهِ شيئا ولا عَن علمهِ ودعوته ومُؤلفاتِهِ ومخرجاتهِ العلمية.
الشيءُ الآخَرُ: الهدفُ من ذكرِ سيرتهِ حفظهُ الله حتَّى يَعرفَ الناسُ الفرقَ بين العلماءِ الرَّبانيينَ بحقٍ وأنصافُ المتعالمينَ الذين مُلئت بهم شبكاتُ ومنصات التواصل الاجتماعيِّ لا كثرهمُ الله.
لا أريدُ في الحقيقة أن أبالغ كثيرًا في إطراءِ شيخنا الهُمام صادق بن محمد البيضاني - حفظه الله - أو اُكثر في مديحِه.. وفي الوقت ذاته لا أريدُ أيضًا أن أجحفهُ حقهُ من المكانةِ العلميةِ الكبيرةِ التي يُذهلك بها، ومن طلبَ العلمَ عندهُ وحضَرَ لهُ سيُخبرُكَ عنهُ من سعة علمهِ وقوة حفظهِ ورجاحة عقلهِ وعن أدبهِ وخلقه الجَمِّ.
فالشيخُ - حفظهُ الله - مِمَّن برزَ وفاق كثيرًا من أقرانهِ في علومٍ شَتى شرعِيةٍ ودُنيويةٍ.. فلا يُمكنُ أن يكون هُناك فنٌ من الفنونِ العِلميةِ الشَّرعيةِ إلاَّ وكانَ للشيخِ فيهِ باعٌ كبير.
فهو من مواليد 1974م. يعني الآن عَلَى مشارفِ الخمسينَ عامًا أطالَ اللهُ عُمرهُ على طَاعتهِ ومعَ هذا فقد تَجاوَزَت مؤلفاتهُ - حفظه الله - الستينَ مُؤلفًا في كثيرٍ منَ المَوضُوعاتِ العِلمِيَّةِ والدَعوية والفِكرِية وتَزكِيةِ النفسِ وفي إدارةِ الوقتِ وفي الوَاقعِ التجارِيِّ وفي مَسائلِ الزُّهدِ وغيرها منَ المَوضُوعاتِ التي كَتَبَ فيها - حفظه الله -.
حتَّى أنهُ وهوَ في العِشريناتِ من عُمرهِ كتب كتابًا أسماهُ "شمسُ الضُّحى في حُكمِ الأخذِ مِنَ اللِّحَى" وَنظمَ في المواريثِ في صِغَرِهِ وقد لاقا رواجًا كبيرًا في وَقتهمَا.
هذا غيرَ الشُرُوحاتِ والمُتونِ العِلميةِ التي شَرَحَهَا منذُ صغرِ سنهِ لطُلاَّبِ العلمِ في عدةِ مساجد مُتفرِّقة وحَلقاتٍ عِلميةٍ ودَوراتِ مُكثفةٍ، وقد زارَ دولًا ومُدنًا عدة وأخذَ عن عُلمائهَا.
وَقد شرحَ كُتبًا كثيرةً في عِدةِ عُلومٍ وفُنون، منها في كُتب العَقيدةِ ومُصطلَحِ الحَديثِ والفقهِ والأُصولِ والقواعدِ الفِقهيَّة والمَواريث والنَّحو والصَّرف وغيرهَا من الفُنونِ العِلمية النَّفِيسَة.
وكُلُّها مُسجلةٌ عبرَ الأشرطةِ في تِلكَ الفَترةِ الزَّمنية، ولو رَجعتَ إلى مَوقعهِ سَتجدُ كثيرًا منهَا مُسجَّلاً.. هذا من الناحية العلمية الشرعية.
ناهيكَ عن الفَتَاوى التِّي تُبَثُّ يَوميًا عبرَ طُلاَّبهِ في الواتس.. والفَتَاوى التِّي تجِدُها في مَوقِعهِ.
أما بقيةُ العُلومِ الأخرَى التِّي تَفرَّدَ بِهَا عَن كَثيرٍ مِن أقرَانهِ فَأمرُهَا عجب، وحدِّث عَنها ولاَ حَرج.
فالشيخُ - حفظه الله - يَتمَتعُ بِذكاءٍ مُتوقد، فَقَد كانَ بعضُ العجمِ يُلقِّبُونهُ قبلَ رُبعِ قرنٍ بالكُمبيُوتر مِن قُوة حِفظهِ وذكائه.. وَلم يَكُن في تِلكَ الفَترة الكُمبيُوتر معروفًا بكثرة إلاَّ عندَ العَجَمِ لِهَذا كانُوا يُلَقبُونهُ بهَذا اللَّقّب.
فَهاكمُ بَعضَ العُلُوم والأُمورِ التِّي رُبَّما الكثيرُ مِنكُم لاَ يَعرُفها عن هذا الشيخ -حفظه الله -.
الأَمرُ الأّوَّلُ: الشيخ - حفظه الله - مِمن يَتكلَّمُ اللُّغةَ الإنجليزيةَ ولولاَ أنَّ الوقتَ سَيطولُ بنا لَذكرتُ لَكُم قِصةً عَجيبةً في هَذا المَقامِ وقد وَقفتُ عَليها بنفسي، فالشَّيخُ ممن أتقَنَ اللُّغةَ الإنجليزية نطقًا وكتابةً وقراءةً.
الأمرُ الثّاني: الذِّي لا َيعرفهُ الكثيرُ عنِ الشيخِ أنه - حفظه الله - لهُ محاضراتٍ عبرَ قناتهِ في اليُوتيوب في مَجالاتِ المُحاسبةِ المَالية والاقتِصادِ الجُزئي، فالشيخُ في هذا المَجالِ وهذا العِلمِ مُتمكِّنٌ جدًا - من علم المُحاسَبة المَالي - وَما يتَعلقُ بعِلمِ الاقتصَادِ الجُزئي وِعلمِ الإدَارَة وَما يدورُ في فَلَكِها، ومَن أرادَ المَزيدَ فَليُراجِع قناتهُ علَى اليُوتيُوب، ولهُ كتابٌ بعُنوان "نظرةُ تأمُّلٍ في الوَاقعِ التِّجَاري المُعَاصر".
الأمرُ الثَّالثُ: الشيخُ - حفظه الله - في بابِ تَعبيرِ الرُّؤى يُعَدُّ آيةً من أيات الله فهوُ من أشهَرِ مُعبِّري الرُّؤَى في مُحَافظةِ الحُدَيدَة عِندَما كانَ مُتواجدًا فيهَا قبلَ عِشرينَ سنة بَل رُبمَا هُو الأوَّلُ في هَذا البَابِ، وَهُناكَ قصَصٌ – عجيبةٌ جداً -حَول هذا الأمرِ أعرفِها بنفسي مما يدُلُ أنه ملهم في هذا البابِ.
الأمرُ الرَّابعُ: الشيخُ - حفظه الله - بارعٌ ومتمكنٌ في باب الأنسابِ وأسمَاء القَبائلِ وَمَعرفةِ أنسَابهَا، بِمُجَرد أن تَذكرَ لهُ مِن أيِّ قَبيلةٍ أنتَ أو تذكُرَ لهُ لَقَبَ العَائلةِ مباشرةً يُخبرك عَنها وعن أصُولها وهَل هُم من أصلِ تلكَ البلَاد والقبيلةِ أم هُم نقائلُ إليها.
الأمرُ الخَامسُ: ممَّا يتميزُ به الشيخُ - حفظه الله - أنهُ في علمِ التاريخِ القَديم والحَديثِ والسِّير والتراجِم والملَاحمِ يكادُ يكون أعجُوبةً.. وقد ألفَّ كتابًا في التاريخِ اليمَني ولاَ أدري أطبع أم لاَ.. وكأنني سألتهُ عنهُ فقال لي لم يُطبع بعدُ.. وقد كان يُدرسنا مَرةً عن تاريخ نشأةِ الفُرق القَديمةِ وأقسَامهَا وأهدَافهَا وَنشأَتهَا وَما نتجَ عنهَا مِن أمراضٍ فِكريةٍ وعَقائِديةٍ وكَم فُتنَ بها من أقوامٍ ومِن دًول.
الأمرُ السَّادسُ: ممَّا يمتازُ به الشيخُ - حفظه الله - فهوُ في الجَوانبِ السِّياسيَّة مُطلعٌ عَليها اطلاعًا كَبيرًا وخصوصًا التاريخُ السياسي القَديم والحدِيث.. وليسَ ببعيدٍ عن الواقعِ وما يدُور حولهُ، ولهُ نظرةٌ قويةٌ في تحليلاَتِ الواقعِ سواءٌ الإقلِيميةِ منها أو الدُّولية، فهو ملمٌ أيضًا بثقافاتِ الغَرب بشكلٍ كبيرٍ يُذهلكَ.. ولهُ متابعاتُه في هَذا الشَّأن. والأُفق الوَاسع في حَلحَلَتِ الواقعِ الذي تعيشهُ الأمَّة الإسلاَميةُ اليومَ.
الأمرُ السَّابعُ: مما يمتازُ به الشيخُ - حفظه الله - فهوَ شاعرٌ لا يُشقُّ لهُ غبار فهو يقولُ الشعرَ الفصيحَ والنبطي وكلماتهُ الشعريةُ فيها عبرةٌ وعِظةٌ وقد حفظتُ بعضًا من أشعارهِ الجميلةِ، ولهُ ديوانٌ شعريٌّ في ذلكَ وقد نسيتُ اسمهُ الآن، حتى أنهُ نظم في علمِ المواريثِ وشَرحَهُ بنفسه بعنوان "النُّونيةُ المتحفة في عِلمِ المواريث" وأيضًا لهُ أرجوزةٌ في علمِ التَّجويد.
الأمرُ الثامنُ: الشيخُ - حفظه الله - في جوانبِ علُوم اللُّغة لاَ يُمارى ولاَ يُبارى.. فالشيخُ ممن يُدَرسُ علمَ البيانِ والبديعِ والمَعاني من علوم البلَاغةِ وعِلمِ العرُوضِ والصَّرفِ بِكُل طَلاقَة وسُهولةٍ ويُسرٍ، ناهيكَ عَن كُتب النَّحو المُختصَرةِ منها والمُطولَة، حتى أنَّه ألفَ كتابًا بعنوان "نزهةُ الطرف شرح بناء الأفعال في عِلم الصَّرف" يتضمنُ كافةَ مباحثِ الأفعالِ والأسماء الصَّرفية، ومما عرفتُ عنهُ أنهُ كان يعيبُ على المَراكز العِلمِية في اليَمنِ عدمُ تدريسهم تلكَ العُلوم.. هذا في ما قَد مضى أمَّا الآن فلاَ أدري هل تُدرَّس هذهِ العلوم أم لاَ.
الأمرُ التاسعُ: يُعدُّ الشيخُ - حفظه الله - في القضَايا الفِكرِية المُعادِية للإسلامِ من القومية العَربية والعَلمَانية واللِّيبرالِية والاشتِراكِيةِ والرأسِ مَالية وأُمورِ الإلحَادِ والأفكارِ المُستوردة قامةً فكريةً كَبيرةً في هَذا المَجالِ من الرُّدُود العلمية الفكرية المُفحِمة، وقد كتبَ مرةً كتابا بعنوان "الجوابُ المختارُ في الردِّ علَى السَّائلِ المُحتار" وللكتابِ قصةٌ يذكرُها الشيخُ - حفظه الله - في مطلعِ كتابهِ يردُ فيه علَى خُرافات وهرطقَات وضلَالَات الصُّوفية، فليرجع إليهِ فهو كتابٌ قيم ومُفيد في بابه.
أيضًا الشيخُ - حفظه الله - هو أولُ عالمٍ يمني يُفند خُزعبلاتِ وشُبهات مُحمد ناصر اليماني الذي أدَّعى المَهداوية، وكانت على هيئةِ سلسلةِ رُدودٍ متواصلةٍ في تلكَ الفترةِ عندَما بدأَ صيتُ هذا الخَبيثِ يَشتَهر.
إلى هُنا أكونُ قد وَصلتُ إلى شيءٍ من سيرةِ هذا الشيخ العَالمِ الذِّي أحببتُ أن أتحفكم بِها، وإلاَّ فما زالَ في جُعبتي الكثيرُ عن هذا الشِّيخِ البحر العَجيب في اطلاعهِ الواسع وما حباهُ الله من نعمٍ ومننٍ كثيرة واسعة.. أسألُ الله أن يباركَ لنا في عِلمهِ ودَعوتهِ ووقتِه وصِحَّتهِ.