حكم الصداقة بين الشباب والفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 680: هل الشريعة تجيز اختلاط الرجال بالنساء في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، وإقامة الصداقات بين الجنسين، من أجل الدعوة على هذه المواقع، وهل إرسال إعجاب الرجل بمقال المرأة والعكس واجتماعهم في مجموعة نقاش واحدة وتبادل الآراء والإعجاب والتعليقات فضلًا عن اتخاذ الرجل الخليلات، والمرأة الأخلاء- هل هذا من سمات الصالحين؟
ج 680: حقيقةً نحن في عصر الفتن والمغريات، وقد جاء في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا([1]) تَسْتَشْرِفُهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ([2])"([3])، وثبت في حديث آخر وهو في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا([4])، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا([5]) نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ([6])سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا([7])، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ"([8]).
وأما ما ذكرته من التواصل عبر الفيس بوك أو غيره من المواقع الاجتماعية عبر الإنترنت بين الرجال والنساء فهذا فيه تفصيل:
فإذا كان صاحب الصفحة من أهل العلم والورع، وأنزل له المشرف على صفحته في الإنترنت فتوى أو درساً أو مقالاً وما أشبه ذلك، فلا مانع شرعاً لأيّ شخصٍ، رجلاً كان أو امرأة من عمل إعجاب أو شكر لهذا الدرس وهذا المقال، بحيث يكون هناك تأدب بين المعلقين أو المعجبين؛ فلا تعلق فتاة فيقوم شاب آخر ويشكرها ويثني عليها، فيخرج بذلك عن الموضوع وهو الدرس أو الفتوى أو مقال الشيخ، ويقول: يعجبني تعليق وكلام هذه الفتاة كلما علقت على شيء، فيشعرها بشيء من الإعجاب بها، فيتم التواصل بينهما بعد ذلك، ويتطور حتى يكون عبر الإيميل الخاص وربما عبر الهاتف، فتحدث الفتن وما لا يرضاه الشرع.
وكذا لو كان الشاب هو الذي علق، فتقوم فتاةٌ بشكره، ويصير بعد ذلك تواصلٌ بينهما بما لا تحمد عقباه، فهذا من خطوات الشيطان.
والمسلم إذا رغب بالزواج من الفتاة فعليه أن يسأل عنها ويكلف قريباته للسؤال عن الفتاة، ثم عليه أن يأتي البيوت من أبوابها، أما أن تكون بداية العلاقة تعليقًا على مقال أو إعجابًا بمقالِ عالِمٍ ثم يتحول تعليقُ وشكرُ الشباب والفتيات إلى علاقة غير محمودة، فهذه من خطوات الشيطان التي لا ينبغي السماح بها، وليس الشباب والفتيات على وتيرة واحدة، بل يختلفون، فلا نسيءُ الظن بالجميع، ولكن ينبغي إغلاق هذا الباب دفعاً للفتنة.
كما أكرر أن التعليق الحسن على كلام أهل العلم وعمل الإعجاب من أي شخصٍ رجلًا كان أو امرأة لا حرج فيه.
أما ما يتعلق بالنقاش بين الشباب والفتيات حول قضايا أو مسائل بطريقة مختلطة وردود أفعال، فهذه -أيضاً- طريقة لا تنبغي، دفعاً للفتنة.
ولا بأس أن يكون النقاش بين الرجال على حدة، وبين النساء على حدة، ويوجد اليوم -بحمد الله- مجموعة طيبة من المنتديات والصفحات على الإنترنت غير مختلطة؛ لأن الاختلاط يؤدي إلى مفاسد عظيمة يقودها إبليس.
كما أنه لا يحل اتخاذُ الرجالِ بعضَ الخليلات للتواصل معهن، وكذا النساء أن يتخذن بعض الإخلاء من الرجال- فكل هذه من خطوات الشيطان التي تفتح على ابن آدم أبواباً من الفتن، وسبحان الله كم يصلنا من الاتصالات من بعض الشباب والفتيات بسبب هذا التواصل الذي كانت بدايته خيرًا ثم تحولت إلى عظائم وفتن يندى لها الجبين، ويتفطرُ لما آلت إليه القلبُ، فعلى المسلم العاقل أن يحذر خطوات الشيطان ومداخله.
قال الله تعالى: "وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ"([9]) أي: لا تتبعوا سبيله ومسلكه.
فهذه العلاقات عبر الإنترنت تحكمها الشريعة، وليس العقل ولا الحرية ولا الديموقراطية، بل ولا الإعلام المسلطُ علينا من أعداء الدين والملة، من علمانيين وعملاء للخارج، وليس لأي شخص أن يصاحب من شاء، ويتخذ خِلَّاً من شاء من الفتيات، ويزامل من شاء.
فالشريعة محكمة، ودعوتنا المباركة ليس من منهجها الاختلاط المؤدي إلى مفاسد عظيمة، وفي المسند بسند صحيح عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: "خط لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وشماله، وقال: هذه سبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ"([10]).
فالحذر الحذر من الفتن؛ فإن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين يقول: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى، إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ القَطْرِ([11])"([12]).
وذلك أننا في عصر كثر فيه الجهل، وقلّ فيه العلماء الربانيون المخلصون، الذين يغارون على دينه وحرماته، وظهر بعض الدعاة الذين يتقمصون العلم، حتى فتنوا الشباب والفتيات وأضروهم بالرخص والتنازل عن قضايا شرعية، فيفتي أحدهم وهو لا يملك أهلية الفتيا، فاحذروا من أمثال هؤلاء الدعاة، وابحثوا عن أصحاب الطريق السوي ومن اهتدى، والله المستعان.
[1] مأخوذ مِن الإشراف وهو: الانتصاب للشيء والتعرض له والتطلع إليه.
[2] أي فليعتزل فيه.
[3] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام (3/1318 رقم 3406)] ، ومسلم في "صحيحه" [كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب نزول الفتن كمواقع القطر (4/2211 رقم (2886)] كلاهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
[4] أي: كما يلصق الحصير بجنب النائم، وتؤثر فيه شدة التصاقها به.
[5] أي: دخلت فيه دخولا تاما وألزمها، وحلت منه محل الشراب.
[6] نقطة.
[7] مائلاً أو منكوسًا.
[8] أخرجه مسلم في "صحيحه" [كتاب الإيمان - باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا وإنه يأرز بين المسجدين، (1/128 رقم 144)] من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
[9] سورة البقرة: (168).
[10] تقدم تخريجه.
[11] أي: مثل سقوط المطر الكثير، الذي يعم الأنحاء والأماكن.
[12] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب أبواب فضائل المدينة - باب آطام المدينة (2/664 رقم 1779)]، ومسلم في "صحيحه" [كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب نزول الفتن كمواقع القطر رقم (2885)] من حديث أسامة.