الإثنين 5 رمضان 1444 هـ || الموافق 27 مارس 2023 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 221

حكم شراء السلعة بالتقسيط والتعامل بالسمسرة
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س 686: أحسن الله إليكم شيخنا وبارك الله فيكم: هنا جرت عملية بيع، فهل هي صحيحة؟ رجل أراد أن يبيع رجلًا سلعة، بحيث يتفق مع المشتري على بضاعة معينة معروفة الأوصاف دون عينها؛ كثلاجة مثلاً، فيتفقان على السعر بأقساط -مثلًا- خمسة ألف دينار كل شهر، حتى يتم تسديد المبلغ كاملاً، ولكن لا نعرف هل هي ملكه أو ملك غيره، أو أنه موكّل من طرف صاحب المحل أو ليس موكلًا، مع العلم أن المشتري يحتاج إلى هذه السلعة، وعملية التقسيط تخفف عنه أعباء غلاء المعيشة، مع علمنا بالخلاف الموجود في مسألة التقسيط بزيادة، وعندي طلب منكم شيخنا وهو: هل من الممكن أن أنشرَ جوابكم في المنتديات؟

ج 686: الأصل أن المشتري يأتي إلى مكان البيع فيشتري السلعة من المحل، ولا يسأل البائع هل أنت تملك أو لا؛ لأن الأصل أنه مالك للبضاعة، وقد يشتري المشتري السلعة من الموكل ببيعها حتى وإن كان خارج المحل.

أما الأول: فدل على أن المالك للسلعة هو الذي يحق له البيع؛ لأن من شروط بيع البضائع: الملكيةَ، لما ففي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"( [1]).

وعندهما أيضاً بلفظ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ"([2]).

وأما الثاني: فهو الموكّل، وله حق بيع السلعة، وقد اتفق الفقهاء على أن الوكالة نافذة وجائزة في استنابة جائز التصرف في حقوق الآخرين من قول أو فعل؛ فالقول كالعقد والفسخ في البيوع والأنكحة ونحوها، والفعل كالقبض والإقباض، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري وغيره من حديث عروة بن أبي الجعد البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ"([3]).

لكن لو فرضنا أن المشتري يعلم أن فلاناً يبيع السلع وهو لا يملكها، وإنما يملكها بعد أن يعقد معه صفقةَ البيع، فحينها نقول له: لا يجوز لك، سواء أباعها في محله أم كان سمساراً يدعي أنه يملك وهو غير صادق، فإنه إن اشترى منه فالبيع باطل؛ لكونه فقد الملكية أو الإنابة في البيع، أما لو كان سمساراً لا يدعي الملكية وإنما يوفر له أماكن بيع السلعة مقابل أجره وهو يشتري السلعة من المالك فهذا لا بأس به، بشرط ألا يكون السمسار يتلقى الركبان ونحوهم، لأن هذا منهيٌّ عنه، وإنما نتكلم عن السمسرة التي لا تعارض نصوص الشرع، مثل الساعي الذي تُكَلِّفه أن يبحث لك عن أماكن بيع السلعة الفلانية مقابل أجر لأنك تعطيه أتعابه، فهذا جائز، وقد بوب لها البخاري -رحمه الله- بابا في صحيحه في كتاب الإجارة فقال: باب أجر السمسرة، ثم ذكر حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتلَقَّى الرُّكْبانَ، ولا يبيع حاضر لباد، قلت يا ابن عباس: ما قوله "لا يبيع حاضر لباد" قال: لا يكون له سمسار([4])"([5]).

وقد قال بجواز السمسرة كثير من السلف كابن عباس، وابن سيرين، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والحسن، واعتمد هذا القول البخاري في صحيحه.

ومن صيغ السمسار -أيضاً- ما قاله ابن سيرين كما في صحيح البخاري: أن يقول مالك السلعة: "بعه بكذا، فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك، فلا بأس به"([6]).

وأما بيع التقسيط فكما ذكر السائل أنه يعلم الخلاف فيه، فنقول نعم، والراجح جوازه كما أفتى شيخنا ابن باز([7]) وابن عثيمين([8]) واللجنة الدائمة([9]) وغيرهم، والعمدة الدليل كما بسطنا ذلك في غير ما مجلس من مجالس الفتاوى، خلافا لشيخنا الألباني ومن نحا نحوه في أنه لا يجوز([10]) والراجح -والله أعلم- جوازه وقد فصلنا ذلك في أجزاء سابقة من كتابنا المنتقى من الفتاوى بما لا يحتاج إلى إعادة، فننصح السائل بالعودة إليه.

وأما قول السائل: هل من الممكن أن أنشر جوابكم في المنتديات؟

فنقول: لا مانع لدينا من نشره، فليس عندي شيء أخفيه، وما تعلمت العلم إلا لنشره وتبليغه، وكتب الله لك الأجر، وبالله التوفيق.


[1] أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب البيوع - باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك (2/ 751 رقم 2029)، ومسلم في "صحيحه" [كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض (3 / 1160 رقم 1526)].

[2] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب البيوع - باب ما ذكر في الأسواق (2/747 رقم 2017)] من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.

[3] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب المناقب - باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى الله عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر (3 / 1332، رقم 3443)].

[4] السمسار: هو المتولي البيع والشراء لغيره.

[5] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب الإجارة - باب أجر السمسرة (2 / 765 رقم 2154)]، ومسلم في "صحيحه" بنحوه [كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، (3/ 1157 رقم 1521)].

[6] انظر صحيح البخاري (2/ 794).

[7] كما في مجموع فتاوى ابن باز (19 / 12).

[8] وذلك في مواطن متفرقة في فتاويه كفتاويه في نور على الدرب، وكثير من المسائل التي تعرض عليه –رحمه الله-، وانظر رسالة في أحكام المداينة، القسم الأول من المداينة.

[9] كما في السؤال الثامن من الفتوى رقم (16402) (13/ 161).

[10] انظر السلسلة الصحيحة، وشيء من فقهها وفوائدها، للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني تحت شرحه لحديث رقم (1553) ج4/ ص72 من السلسلة، [ط. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض].




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام