الإثنين 20 شوال 1445 هـ || الموافق 29 أبريل 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5216

حكم عرض المرأة نفسها للزواج عبر القنوات أو المواقع
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س 687: أنا امرأة جاوزت الأربعين وما زلت عازبة، وتعقدت كل حياتي وصعُبَتْ بالرغم من أني مؤمنة بأن الأرزاق بيد الله، وأنا أتبع المنهج الصحيح قدر استطاعتي، ولا أزكي نفسي إلا أني ما تمنيت شيئًا ووجدته يُقضى بيسر، حياتي كلها عسيرة -وأحمد الله- لكنني دائمة البحث والانتظار عما يخرجني من شدة البلاء، فالشدة تواجهني في كل يوم، وزيادة العمر تزيد، بل وصارت لا تطاق؛ خصوصًا في مجتمع عامي، وبزواج الإخوة والأخوات تزيد العقدة والوحدة والتهميش، بل وزاد نمو الخوف في نفسي لدرجة (الهلوسة) فكأني أنتظر بلا جدوى، والعياذ بالله من اليأس، لكن واقعي هكذا وللأسف، فكرت في أمر يخلصني لأنه ليست لي تواصلات اجتماعية إلا من خلال الإنترنت، ففكرت في التسجيل في مواقع للزواج على الرغم من خطورة المغامرة، إلا أنه يبقى أن فيها -شكليّا- قانونًا إسلاميّا، بل وفيها أناس -على حسب بياناتهم- ملتزمون، والله حسيب الجميع.

فهل من في مثل ظروفي القاسية يجوز لها البحث عمن يناسبها عِلمًا وسِنَّاً وتوافقاً من خلال مواقع الزواج، أم تبقى للحسرة والألم والتهميش؟

 ما رأي العلماء في هذا الأمر، وأيُّهما أضرُّ على النفس؛ لأنه -كما سبق وأشرت- حتى المواقع تبقى فيها ما لا يُطَمْئِنُ القلبَ، ولا يطمئن فطرة المؤمن؟، لكن لا نعمم القاعدة، بارك الله فيكم.

ج 687: وأنت بارك الله فيك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يؤمن بقدر الله، خيره وشره، اللهم آمين.

أختي الفاضلة: يجب عليك أن تعلمي حق العلم - أنك ملك لله وحده لا شريك له، وللمالك - سبحانه - حق التصرف في حياتك كلها؛ لأن الله سبحانه يقول في كتابه الكريم: "لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"([1]).

وهذه الملكية تقتضي للمالك أن يتصرف فيها كيفما شاء؛ فيقدر على هذا الغنى، ويقدر على ذاك الفقر، ويقدر على هذا الزواج، ويؤخره عن الآخر وقد يمنعه، فمن كان مؤمناً حق الإيمان فليرض بقدر الله خيره وشره، ومن ادّعى أنه راض وهو يظهر التضجر فإن عنده ضعفاً في باب القضاء والقدر، وأنت - أختي الفاضلة - كررتِ مراراً أنك مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره، فأقول لك: حققي قولك من خلال فعلك، واصبري على امتحان الله لك؛ فإن المؤمن يصبر ويحتسب الأجر والعوض من الله، ويسأل الله أن يفرج همه وغمه، فإن من أظهر التضجر خُشي عليه أن يزاد له في الابتلاء؛ لكون فعله مخالفاً لقوله، قال الله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"([2])، فلله أن يبتلي مخلوقاته بما يشاء تعريضًا منه لثواب الصبر واستصلاحًا لهم، إذ هو غير متهم في فعل الخير والصلاح، لأن أفعاله وابتلاءه لخلقه كله حكمة.

واحمدي الله - أختي الكريمة - على النعم التي منحك الله إياها ومنعها عن غيرك؛ فقد منحك عقلًا تفكرين به، فسلمك من داء الجنون، ومنحك سمعاً تبصرين به فسلمك من الصمم، ومنحك لساناً تذكرين الله به فسلمك من داء البكم، ومنحك طاقة الحركة والفعل فسلمك من الشلل، وعندك صحة تتنعمين بها فسلمك من سوء الأسقام والأمراض، وهناك نعمة هي أعظم من هذه كلها وقد حُرِمها مليارات من البشر وأنت تملكينها وهي نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، فهل ما زلت تنتظرين شيئاً، نعم قولي: "رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ"([3])، قولي هذا القول وشبهه، وسلي ربَّ العباد أن يحققه لك، وأن يرزقك الزوج الصالح، ولكن بشرط أن تحققي الإيمان بالقضاء والقدر، فإن قمتِ بتحقيقه فانتظري حتى يجيبك ربكِ بما يراه خيراً لك في حياتك وعاقبة أمرك.

ولا تقولي: متى يُجيبني؛ فقد دعوت كثيراً فلم يستجب لي، "فإن الله لا يمل حتى تملوا"([4]).

وقد جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قيل: وكيف يعجل يا رسول الله؟، قال: يقول: قد دعوت الله فلم يستجبِ الله لي"([5]).

وعليكِ بالرضا فيما كتب الله لك، مع سؤاله من فضله؛ فقد ثبت عند الترمذي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"([6]).

وأنا أذكر أيام طلبي للعلم أن أحد المشايخ قام يذكرنا بعاقبة الصبر، وكان مما قال: إن رجلاً أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خَلَقَ، وفضّلني تفضيلا ".
فمر به رجل فقال له: ممَّ عافاك؟! أعمى وأبرص وأقرع ومشلول، فممَّ عافاك؟
فقال: ويحك يا رجل؛ جعل لي لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وبدناً على البلاء صابراً.

لذا فعليك بالدعاء "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"([7]).

كما أوصيك بكثرة الاستغفار، وقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقول: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، مع الاحتساب والرضا، وسؤالِ الله من فضله أن يرزقكِ الزوجَ الصالح.

أما أن تعرضي نفسك للزواج من خلال بعض مواقع الإنترنت، أو بعض القنوات الفضائية كما تفعل بعض الأخوات، فلا ننصحك بذلك، حتى وإن قيل لك: بأن المشرفين على الموقع طلاب علم، فهذه وسيلة غير مجدية في هذا الباب، وكم من الأخوات مَن تعرضن للمحن والكذب والخديعة، وكُنَّ ضحيةً في شباكِ مَن لا عهد له ولا ذمة؛ إما بمعصية، وإما بطلاق مبكر.

 فقلبك دليلك -بارك الله فيك-، وواقعك شاهد، وإذا نجحت حالات في هذه الوسائل فإنها نادرة، وأنت أقدس وأغلى من أن تعرضي نفسك على مثل هذه المواقع، وبالله التوفيق.


[1] سورة البقرة: (284).

[2] سورة البقرة: (155 – 156).

[3] سورة القصص: (24).

[4] هذا طرف من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب الصوم - باب صوم شعبان (3/ 695 رقم 1869)]، ومسلم في "صحيحه" [كتاب الصيام- باب صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير رمضان (2/809 رقم 782)] من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

[5] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب الدعوات- باب يستجاب للعبد ما لم يعجل (5/ 2335 رقم 5981)] ومسلم في "صحيحه" [كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل (4/ 2095 رقم 2735)]، كلاهما من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعًا.

[6] أخرجه أحمد في " المسند" (13/ 459 رقم 8096)، والترمذي في السنن [كتاب الزهد-باب الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس (4/551 رقم2305)] من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-.

[7] سورة النمل: (62).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام