حكم ذهاب الفتيات مجتمعات لزيارة المرضى في دور العجزة والمستشفيات
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 691: مجموعة طالبات في أحد المساجد أحببن زيارة دار للعجزة والأيتام، وتقديم هدايا لهن، علما أنهن سيزرن النساء من العجائز، وهذه الدار لا تبعد كثيرًا عنهن. فما حكم ذلك، وما حكم فعل الشيء نفسه في المستشفى -أحسن الله إليكم-؟
ج 691: زيارة الأخوات دار العجزة أو المستشفيات وذلك للتخفيف عن المريضات من النساء والقواعد أمرٌ شرعي، لا يقوم به إلا أهل القلوب الرحيمة التي تحس بغيرها، وهُنَّ مأجوراتٌ بذلك؛ لكون صنيعهن هذا من المواساة الشرعية.
وقد ثبت في الحديث عند الإمام أحمد في "مسنده" وغيره: "أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثلَ قومٍ قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً في كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهْنإ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كلِّه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم"([1]).
وثبت في المسند أيضاً عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: "إنا واللهِ قد صحبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير"([2]).
وما أجمل هذه المواساة عندما تكون بالابتسامةِ والنصيحة والهدية!، إنها لَتُشعرُ المريضَ بأُخوَّة الدين، وأن الدنيا لا زال فيها قوم صالحون.
وقد ثبت في الحديث الذي أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تهادوا تحابوا"([3])، فتقديم الهدية من علامات الحب في الله.
وقد جاء في زيارة المرضى نصوصٌ كثيرةٌ؛ منها ما أخرجه الترمذي وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أنْ طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا"([4]).
ولا يقول قائل: لعل مثل هذه الزيارات تشبّهٌ ببعض الجماعات التي تعمل ذلك، فأقول: هذه وسوسة شيطانية.
فهل إذا فعل العاصي عملاً صالحاً فيه دليل من الكتاب والسنة، فإنه لا يجوز للصالح أن يعمله؛ حتى لا يتشبه بالعاصي؟! هذه وسوسة، وفهم خاطئ للأدلة، فإنك إنما تعمله طاعة لله، وليس تشبهاً بالمخالف.
هل يعني هذا- أنه لو اجتمع قومٌ وزاروا عالماً أو مريضاً، ففعلهم هذا بدعة؟!
الجواب: لا، ثم من قال لكم: إن الزيارة لا بد أن تكون فردية؟ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق.
فتُشكر أولئك الطالبات على هذا الصنيع، وهنّ مأجورات، كثّرَ اللهُ من أمثالهن، وبالله التوفيق.
[1] أخرجه أحمد في "المسند" (20/ 361 رقم 13076)، والترمذي في " سننه" [كتاب صفة القيامة والرقائق والورع -باب منه، (4/ 265 رقم 2487)] من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
[2] أخرجه أحمد في " المسند"، مسند عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (1/ 532 رقم 504).
[3] أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" باب قبول الهدية (1/306 رقم 594) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[4] أخرجه الترمذي في "سننه" [كتاب البر والصلة - باب ما جاء في زيارة الإخوان رقم (2008)] ، وابن ماجه في "سننه" [كتاب ما جاء في الجنائز - باب ما جاء في ثواب من عاد مريضًا، رقم (1443)].