حكم صلاة النساء معًا في المسجد جماعة قبل جماعة الإمام بالناس
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 708: هل تجوز الجماعة عمومًا للنساء مع امرأة تقوم وسطهن لتؤمهن في المسجد قبل أو بعد صلاة الإمام جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم؟
ج 708: إذا حضرت النسوةُ لمسجدٍ به إمامٌ، وهو في العادة يصلي بهم -فيلزم أن يُصلَّيْنَ خلف الإمام، ولا يحل لهُنَّ أن يعملْنَ جماعةً قبل صلاة الإمام.
فعن محجن –رضي الله عنه- : أنه كان في مجلسٍ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأذن بالصلاة، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى، ثم رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحجن في مجلسه، فقال له -رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "ما منعك أن تصلي مع الناس، ألست برجل مسلم؟"، قال: بلى يا رسول الله، ولكني كنت قد صليت في أهلي، فقال له: "إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت"، والحديث صحيح أخرجه أحمد في المسند وغيره([1]).
ولكن حصل الخلاف في مسألةٍ وهي: إذا انقضى الإمام من صلاته، فهل يحل قيامُ جماعةٍ ثانية في المسجد الجامع، حتى قال الشافعي في الأم: ليس من فعل السلف قيام جماعة ثانية في المسجد الجامع. ([2])
ووافقه على هذا القول مالك وأبو حنيفة وجماعة من أهل العلم.
وقد أخرج عبد الرزاق والطبراني: أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود –رضي الله عنه- إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله ثم صلى بهما.([3]) ([4]).
وعلى ذلك إذا حضرت النسوة إلى المسجد الذي فيه إمام راتب، فعليهن بعد انتهاء الإمام من صلاة الجماعة أن يصلين فرادى، ولا يصلين جماعة، وهو القول الراجح، وبالله التوفيق.
[1] أخرجه النسائي في "السنن" [كتاب الإمامة - إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه (3/112 رقم857)]، وأحمد في "المسند" [حديث محجن الديلي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (26/319، 320 رقم 16394)]، ومالك في "الموطأ" [كتاب صلاة الجماعة، باب إعادة الصلاة مع الإمام (1/ 132 رقم 296)].
[2] قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في "الأم": "وإذا كان للمسجدِ إمامٌ راتبٌ، ففاتت رجلًا أو رجالًا فيه الصلاةُ صلوا فرادى، ولا أحبّ أن يصلوا فيه جماعةً؛ فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه، وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم.. وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة، وأن يرْغَب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة، فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قُضيَتْ دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة، وفيهما المكروه.
وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن؛ فأما مسجد بُنِيَ على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتبٌ، ولا يكون له إمام معلوم، ويصلى فيه المارة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إمامًا غيره، وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت، وأجزأتهم صلاتهم"اهـ [الأم، محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى سنة 204هـ، دار المعرفة - بيروت 1393هـ (1/194)].
[3] أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" [كتاب الصلاة - باب الرجل يؤم الرجلين والمرأة (2/ 409 رقم 3883)]، والطبراني في "الكبير" [باب العين، عبد الله بن مسعود (9/318 رقم 9380)].
[4] تنبيه: أما الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (18/7،8 رقم 11408)، وأبو داود في سننه [كتاب الصلاة - بَابٌ فِي الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّتَيْنِ (1/224 رقم 574)] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ "، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ" فإنما هذا في صلاة متنفل وراء مفترض، والبحث هنا في صلاة مفترض وراء مفترض قد فاتتهم الجماعة الأولى، وبالله التوفيق.