حكم إلقاء المرأة المحاضرات للرجال عن طريق اليوتيوب أو في الصالات
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 724: فضيلةَ الشيخ، هنا سؤال من امرأة تركية تقول فيه: هل يجوز أن تعمل المرأة محاضرة للرجال؛ سواء عن طريق اليوتيوب أو أن تقوم بإلقاء محاضرة والرجال يسمعونها ويرونها في صالة كبيرة –مثلًا-، وجزاكم الله خيرًا؟
ج 724: إن ظهور المرأة على شاشة اليوتيوب، أو أن تحاضر في صالة كبيرةٍ للرجال سواء كاشفة عن وجهها أم لا أمور لا ينبغي من عدة جهات:
الجهة الأولى: أنها ستوقع الناس في فتنة النظر إليها، وهذا محرم؛ لقول الله -عز وجل-: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"([1]).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتب على ابن آدم نصيبُه من الزنا، مدركٌ ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر..."([2]).
وأخرج أحمد في "مسنده" وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا علي، لا تتبعِ النظرةَ النظرةَ؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة"([3]).
فما بالكم بامرأةٍ تحاضر، فتكون مسلّطة للأنظار؛ فينظرون إليها نظرات كثيرة مختلفة؟ ألا يكونون قد وقعوا في زنا النظر، بهذه النظرات المحرمة؟!
الجهة الثانية: أن الله -عز وجل- لم يأذن للنساء أن يخاطبن الرجال إلا لحاجة، وعلى قدر الحاجة، لا أن تحدثهم طويلًا وتحاضرهم، قال الله تعالى: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا([4]) فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ([5])"([6]).
وذلك أن الآية نبهت واشترطت الحجاب، واليوتيوب أو الصالة ليس حجاباً، بل الكلّ يراها، فدل على حرمة ذلك.
الجهة الثالثة: كونها تحاضرهم في الصالة - وهي امرأة، فهذا نوع من الاختلاط، والاختلاط لا يجوز، لآية الحجاب السابقة، ولما أخرجه الشيخان عن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟، قال: "الحمو الموت"([7]).
الجهة الرابعة: أن هذا الفعل تشبه بالكفار، فهم من يجيز للمرأة أن تحاضر وتَعِظَ الرجال، وقد ثبت عند أبي داود بإسناد حسن من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"([8]).
لكن لو قيل: إن هذه المرأةَ كبيرةٌ في السن، وسألها شخص عن مسألة فقهية من وراء حجاب دون أن تختلط به، وسبب سؤاله لها هو أنه لا يوجد عالم في المنطقة أو المدينة سواها، فهذا لا بأس به، ولكن بشرط أن يأمن الفتنة، ووجود الحجاب للآية السابقة، كما كانت نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتين ويحدثن بالحديث إذا سئلنَ عنه([9]).
أما إقامة المحاضرات والخطب والندوات فهذه دعوة تشبه، وهي من دعوات العلمانيين ومن شابههم من الجهلة.
وأما قوله تعالى: "يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا"([10]).
فهذه نزلت في نساء النبي –صلى الله عليه وسلم-.
وقوله: "وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" أي: قولًا حسنًا معروفا في الخير، إن كان له حاجة لا بد منها، وسلمت المتكلمة من الفتنة والمحرمات كالأوجه المتقدمة.
ويدخل في ذلك المنعِ والنهيِ مشاهدةُ المذيعات على الشاشات للأخبار وغيرها، فليست هناك ضرورة من سماع الأخبار من نساء متبرجات، فهذا حرام، ولا يأذن به لأهله ولنفسه وأبنائه إلا شخصٌ صاحب هوى وجهل وغواية غفر الله لنا وله وللمسلمين، وأصلح الله حالنا وحالهم، وبإمكانكم مشاهدة هذه الأخبار من خلال الصحف، أو قنوات تأتي بالأخبار ليس فيها نساء.
وعلى ذلك فلا يحل للمرأة أن تكون خطيبة أو محاضِرة في مكان مختلط أو مكان فيه رجال، وبالله التوفيق.
[1] سورة النور: (30).
[2] أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب الاستئذان - باب زنا الجوارح دون الفرج (5/ 2304 رقم 5889)] ومسلم في "صحيحه" [كتاب القدر - باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (4/ 2046 رقم 2657)].
[3] أخرجه أحمد في "المسند" (38/ 74 رقم 22974)، وأبو داود في "السنن" [كتاب النكاح - باب مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ (2/ 212 رقم 2151)] وغيرهما من حديث بريدة الأسلمي –رضي الله عنه- مرفوعا.
[4] أي شيئاً يتمتع به، من الماعون وغيره.
[5] أي من وراء ستر بينكم وبينهنّ.
[6] سورة الأحزاب: (53).
[7] تقدم تخريجه.
[8] أخرجه أبو داود في "سننه" [كتاب اللباس - باب فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ (4/78 رقم 4033)]، وأحمد في "المسند" (9/123 رقم 5114).
[9] ومن الأمثلة على ذلك: ما أخرجه البخاري (1/ 91 رقم 228) ومسلم (1/239 رقم 289) عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة –رضي الله عنها- عن المني يصيب الثوب، فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء.
وأخرج البخاري في "صحيحه" (1/109 رقم 282) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- "أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ".
[10] سورة الأحزاب: (32).