الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 1195

مدة انتظار الزوج الغائب
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س 725: شيخنا الحبيب وفقك الله لكل خير، عندي سؤال أرجو منك الجواب عنه وهو: كم المدة التي تستطيع المرأة أن تنتظرها كي تتزوج بزوج آخر في حال غياب زوجها لمدة طويلة وهي لا تعرف أين غاب، ولا تعرف هل مات أو لم يمت، هل لها أن تتزوج بزوج آخر، وهي ليست مطلقة، وهل عيّنَ العلماءُ مدةً معلومةً -مثلا أربع سنوات أو لا؟ أرجو منك البيان بتفصيل، وبارك الله فيكم.

ج 725: وفيك بارك الله، نعم، لقد خاض العلماء كثيرًا في هذه المسألة؛ فالأحناف قالوا على المشهور: إنه لا يفرق بين المفقود وزوجته، وعلى الزوجة أن تنتظر وتتربص فلا تتزوج من غيره حتى يستبين أمرُ موته.

وقال كثير من الفقهاء: يفوض الأمر إلى القاضي، ويحكم بما يراه صالحاً.

وبعضهم قال: إنها تبقى قدرَ سنتين بعد الطهرِ من الحيضِ إن كانت من أهل الحيض، أو قدر سنتين بعد ثلاثة أشهر.

وبعضهم قال: عليها أن تنتظره أربع سنوات، ثم لها أن تتزوج، والحقيقة أن الكلام في هذه المسألة كثير، وكله صادرٌ عن اجتهاد.

والأقوى في هذا الباب أن نقول: إن المسألة قضائيةٌ، ويلزم العودة فيها للقاضي، وهو يتولى أمرها بموجب حكم شرعي صادر عن المحكمة الشرعية، فإذا حكم بمدة تنتظرها سنةً أو سنتينِ أو ثلاثاً، وبانتهائها يطلقها القاضي بالنيابة، أو يحكم بطلاقها فتكون حينها طالقاً ولها أن تتزوج وترث من زوجها الأول؛ باعتبار أنه في حكم المفقود، فإذا تزوجت بعد نفاد المدة القضائية وظهر زوجها الأول كان الحكم قضائياً نافذاً يحمي المرأة، ويكون القاضي وليها في القضية فتسلم الزوجة من أي أذى أو ضرر أو دعوى من الزوج الأول، طالما وهي اعتمدت على القاضي الشرعي، فلا يحق للزوج الأول أن يطالب بفسخ عقد الزوجة من زوجها الثاني ولا بماله الذي ورثته منه، كما حكم به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب([1]) وغيره، وبالله التوفيق.


[1] أخرج البيهقي في السنن [كتاب العدد - باب من قال بتخيير المفقود إذا قدم بينها وبين الصداق ومن أنكره (7/45رقم 15347)]واللفظ له، وعبد الرزاق في " المصنف" [كتاب الطلاق - باب التي لا تعلم مهلك زوجها (7/87، 88 رقم 12322)] وغيرهما، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى: أن رجلا من قومه من الأنصار خرج يصلى مع قومه العشاء، فسبته الجن ففُقد، فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فقصت عليه القصة، فسأل عنه عمر قومه فقالوا: نعم خرج يصلى العشاء ففُقد، فأمرها أن تربص أربع سنين، فلما مضت الأربع سنين أتته فأخبرته فسأل قومها، فقالوا نعم، فأمرها أن تتزوج فتزوجت، فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-، فقال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- : يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته. فقال له: إن لي عذرًا يا أمير المؤمنين. قال: وما عذرك؟ قال: خرجت أصلي العشاء، فسبتني الجن، فلبثت فيهم زمانًا طويلًا، فغزاهم جن مؤمنون [أو قال] مسلمون -شك سعيد- فقاتلوهم، فظهروا عليهم، فسبوا منهم سبايا، فسبوني فيما سبوا منهم، فقالوا: نراك رجلًا مسلمًا، ولا يحل لنا سبيك. فخيروني بين المقام وبين القفول إلى أهلي، فاخترت القفول إلى أهلي، فأقبلوا معي، أما بالليل فليس يحدثوني، وأما بالنهار فعصار ريح أتبعها، فقال له عمر -رضى الله عنه-: فما كان طعامك فيهم؟ قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما كان شرابك فيهم؟ قال: الجدف، [قال قتادة: والجدف ما لا يخمر من الشراب.] قال: فخيره عمر -رضى الله عنه- بين الصداق وبين امرأته.

وزاد ابن قدامة –رحمه الله- من رواية الأثرم، والجوزجاني: "فاختار الصداق، وقال: قد حبلتْ، لا حاجة لي فيها. [المغني لابن قدامة (8/132) مكتبة القاهرة، سنة 1388هـ - 1968م].




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام