دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (9)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
القسم الثالث من أقسام الأحاد "الغريب"
والغريب لغة بمعنى الفرد.
واصطلاحاً: ما رواه واحد في جميع طبقات الرواة، ولا مانع من الزيادة في بعض طبقات الرواة.
ويقال له حديث الفرد.
وينقسم من حيث القبول والرد: إلى صحيح وضعيف:
مثال الغريب الصحيح: حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً "السفر قطعة من العذاب"([1]).
ومثال الغريب الذي ليس بصحيح، وهو الغالب على الغريب كحديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار"([2]) .
قال أبو عيسى الترمذي في سننه: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، وحفص بن سليمان أبو عمر بَزَّازٌ كوفي يُضعف في الحديث.اهـ
وقد حذر العلماء من الغرائب:
قال مالك: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس.
وقال عبد الرزاق: كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر.
كما ينقسم الغريب ويقال له [ الفرد ] من حيث إسناده إلى: فرد مطلق وفرد نسبي.
فالفرد المطلق: ما ينفرد بروايته عن الصحابي واحد من التابعين كحديث النهي عن بيع الولاء([3]) فإنه تفرد به عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.
وقد يتفرد به راوٍ عن ذلك المتفرد كحديث شعب الإيمان([4]) فإنه تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة ، وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح.
وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم، وفي مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني أمثلة كثيرة لذلك.
وفي هذه الحالة يقول أهل الحديث فيه: تفرد به فلان عن فلان.
ومن ذلك أيضاً حديث: "إنما الأعمال بالنيات" فإنه حديث فرد تفرد به عمر -رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد.
والحديث متفق عليه من حديث عمر -رضي الله عنه- .
على أن حديث النية قد جاء عن أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكره الدارقطني وغيره.
ولكن النظر في التفرد من حيث أنه فرد صحيح عن عمر بن الخطاب ولم يصح عن غيره من الصحابة.
والفرد النسبي نوعان:
الأول: ما تفرد بروايته واحد ممن بعد التابعين ولو تعددت الطرق إليه.
ومثاله: حديث "لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه "([5]).
فقد رواه جماعة عن محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وذكره. فجميعاً انفردوا بروايتهم هذه عنه، ولا يعني هذا أن الحديث ليس له طرق أخرى، بل له طرق أخرى وشواهد كثيرة، وإنما الانفراد من حيث هذه الرواية دون غيرها.
ومن هذا النوع أيضاً: ما انفرد به الثقة خلافاً للأوثق أو الثقات، وكذا ما انفرد به الضعيف خلافاً للثقة، وما انفرد به الوضاع، كل هذا من سبيل الفرد النسبي.
الثاني: ما كان التفرد فيه من حيث الجهة خاصة كقولهم : تفرد به أهل مكة، أو تفرد به أهل اليمن ونحو ذلك.
وهو ضربان:
الأول: ما انفرد به شخص عن أهل بلد أخرى.
مثاله: حديث جابر في قصة الشجوج: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده"([6]).
قال الدارقطني في سننه: " قال أبو بكر ابن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهل الجزيرة. لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي.أهـ
الثاني: ما انفرد به أهل بلد عن شخص كحديث : "القضاة ثلاثة"([7]). تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر: إن أهل الاصطلاح قد غايروا بين الفرد والغريب من حيث كثرة الاستعمال وقلته.
فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق.
والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون، فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان([8]).أهـ.
ولا يسوغ الحكم بالتفرد إلا بعد الاعتبار.
والاعتبار: هو تتبع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء لذلك الحديث الذي يُظن أنه فرد لِيُعلم هل له رواية متابع أو هل له شاهد أم لا؟.
ومظنةُ معرفة الطرق التي يحصل بها المتابعات والشواهد وينتفي بها التفرد هو كتب الأصول الحديثية كالجوامع والمسانيد والأجزاء، وسيأتي الكلام عن الاعتبار في فصل مستقل إن شاء الله.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________
([1]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([2]) أخرجه الترمذي في سننه ( كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن 5/ 171 رقم 2905).
([3]) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء ، وعن هبته " متفق عليه.
([4]) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه.
([5]) الحديث حسن لغيره، وقد أخرجه أحمد وغيره، وخَرَّجَتْه بكافة طرقه وشواهده " الزوجة أم محمد البيضاني حفظها الله "في كتابها" حكم البسملة عند الوضوء".
([6]) أخرجه أبو داود في سننه ( كتاب الطهارة ، باب [ في ] المجروح يتيمم (1/ 93 رقم 336)، كما أخرجه غيره، والحديث حسن إن شاء الله.
([7]) أخرجه الأربعة في السنن، وهو حديث صحيح.
([8]) ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر (ص28،29).