السبت 17 شعبان 1446 هـ || الموافق 15 فبراير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    دورة تدريس علوم الحديث    ||    عدد المشاهدات: 8749

مصادر الحديث الصحيح
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (14)

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

 

يمكننا الوقوف على الحديث الصحيح من المصادر التي اشترط أصحابها الصحة، وهما على المشهور مصدران:
الأول: صحيح البخاري.
للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي مولاهم البخاري.
ولد في شوال سنة 194هـ ، وتوفي يوم السبت لغرة شوال سنة 256هـ ، فعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.
واسم كتابه كما سماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه".
وهو أول من جمع الحديث الصحيح المجرد.
الثاني: صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. ولد سنة 204هـ ، ومات في رجب سنة 261هـ وقد حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع، ولا رواية بمعنى، وهذا مشهور عن أبي علي النيسابوري والمغاربة.
لكن يجاب عن ذلك أن البخاري اشترط في صحيحه أن يكون الراوي قد عاصر شيخه ، وثبت لقاؤه به ، ولم يشترط مسلم اللقي بل المعاصرة فقط؛ لاحتمال أنه سمع منه، ولذا يُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم وهذا مذهب الجمهور، وليس في كلام أبي علي النيسابوري وبعض المغاربة تقديم صحيح مسلم من حيث الصحة على صحيح البخاري، بل من حيث الصناعة ليس غير.
فيُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم من حيث شرط الرجال كما يقدم صحيح مسلم على صحيح البخاري من حيث جمع الطرق وجودة السياق، وهذا أحسن ما يقال في هذا الباب.
وقد قال أحدهم:
تخاصمَ قومٌ في البخاري ومسلمٍ لـديَّ وقالوا أيُّ ذينِ تقـــدِّمُ
فقلتُ لقد فاق البخاري صحـةً كما فاقَ في حُسْنِ الصناعةِ مُسْلِمُ
وقد انبرى على قوة شرط البخاري أمران دلا على تقديمه في الجملة على صحيح مسلم :
الأول: قلة الرجال الذين انتقدوا على البخاري بخلاف ما انتُقِد على مسلم.
الثاني: قلة الأحاديث التي انتقدت على البخاري بخلاف مسلم.
والحاصل أن الأمة اتفقت على تلقي كتابيهما بالقبول، وأن كتاب البخاري أصح كتابٍ بعد كتاب الله، ويليه في الصحة كتاب مسلم.
كما يمكن الوقوف على أحاديث صحيحة من مصادر أخرى لم يشترط أصحابها الصحة ومن ذلك: كتب السنن كسنن الترمذي([1]) وأبي داود([2])، والنسائي([3])، وابن ماجه([4]) والدارمي([5]).والمسانيد كمسند أحمد بن حنبل([6]).
وأبي داود الطيالسي([7])، والمعاجم كمعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير([8])، والمستدركات كمستدرك الحاكم([9])، والمستخرجات كمستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم([10])، والأجزاء ككتاب جزء الفاتحة للإمام البخاري ، والزهد لابن المبارك([11])، وغيرها من كتب الأحاديث المسندة، وذلك بعد النظر في رجالها وصحة اتصال سندها وسلامتها من الشذوذ والعلة.
فإن هذه المصادر لا تخلو من وجود الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة ، إذ لم يشترط أصحابها الصحة.
كما يمكن الوقوف على الحديث الصحيح من خلال البحث في الكتب الموصوفة بالصحة ككتاب صحيح ابن خزيمة([12])، وصحيح ابن حبان([13])، ولا تدل شهرتهما بالصحيح على صحة ما فيهما ، فقد اشتملا على الصحيح والضعيف.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____________
([1]) الترمذي هو: الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي بضم السين خلافاً لمن قال بفتحها نسبة إلى بني سليم قبيلة معروفة، والترمذي: نسبة إلى ترمذ مدينة قديمة على طرف نهر بلخ، وقد تُوفي بترمذ أو ببوغ، وهي قرية من قرى ترمذ على ستة فراسخ منها سنة تسع وقيل: سنة خمس وسبعين ومائتين، وكتابه مشهور بـ (السنن أو الجامع الصحيح أو الجامع الكبير ) كلها مسميات لكتاب واحد.
([2]) أبو داود هو: الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث الأزدي نسبة إلى الأزد قبيلة باليمن، السجستاني: نسبة إلى سجستان وينسب إليها سجزي أيضاً على غير قياس مدينة بخراسان واسم كتابه (السنن)، تُوفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين، قيل: وهو أول من صنف في السنن وفيه نظر، وقد ذكرنا أوائل من صنف في السنن في المقدمة.
([3]) النسائي هو: الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان، وقيل: كورة من كور نيسابور والقياس نسوي، بخراسان، واسم كتابه (السنن) والمراد بها (الصغرى) فهي المعدودة من الأمهات وهي التي خرج الناس عليها الأطراف والرجال دون (الكبرى ) خلافاً لمن قال إنها المرادة، توفي بالرملة بمدينة فلسطين من أرض الشام ودفن بها ، وقيل : إنه توفي بمكة ودفن بها سنة ثلاث وثلاثمائة.
([4]) ابن ماجه هو: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ، المعروف بابن ماجه، وهو لقب أبيه لا جده ولا أنه اسم أمه خلافاً لمن زعم ذلك وهاؤه ساكنة وصلاً ووقفاً، لأنه اسم أعجمي، الربعي: نسبة إلى ( ربيعة ) مولاهم ( القزويني ) نسبة إلى قزوين مدينة مشهورة بعراق العجم، واسم كتابه (السنن )، توفي بقزوين سنة ثلاث أو خمس وسبعين ومائتين، وهي التي كملت بها الكتب الستة والسنن الأربعة بعد الصحيحين واعتنى بأطرافها ابن عساكر ثم المزي مع رجالها.
([5]) هو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن برهام الدارمي السمرقندي، المتوفى: سنة 255هـ، قال ابن حجر: وأما كتاب (السنن) المسمى: بمسند الدرامي، فإنه ليس دون (السنن) في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجة فإنه أمثل منه بكثير، إلا أن مسند الدرامي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة.
([6]) هو الإمام الحافظ الكبير أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال أبو عبدالله الشيباني، ولد ببغداد سنة 164هـ، ومات بها سنة 241هـ، رحل إلى الكوفة والبصرة وبغداد ومكة واليمن والشام والجزيرة وكتب عن علمائها ،أخذ الحديث عن عبدالرزاق الصنعاني هو ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه، كما أخذ عن بشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية ، وسفيان بن عيينة،وجرير بن عبد الحميد، ويحيى بن سعيد القطان،وأبي داود الطيالسي صاحب المسند وجماعة ، وحدث عنه الإمام البخاري ، ومسلم ، وأبو داود صاحب السنن ، والشافعي وخلق كثير.
([7]) هو الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم القرشي مولى آل الزبير الفارسي الأصل البصري الحافظ الثقة المتوفى: بالبصرة سنة ثلاث أو أربع ومائتين، قيل: وهو أول مسند صنف ورد بأن هذا صحيح لو كان هو الجامع له لتقدمه لكن الجامع له غيره وهو بعض حفاظ خراسان جمع فيه ما رواه (يونس بن حبيب) عنه خاصة، وله من الأحاديث التي لم تدخل هذا المسند قدره أو أكثر، وقد قيل: إنه كان يحفظ أربعين ألف حديث.
([8]) هو الإمام الحافظ الكبير أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني من طبرية الشام، ولد بها سنة 260هجرية، وتوفي بأصبهان سنة 360 هـ، وله المعاجم الثلاثة وغيرها من المؤلفات.
([9]) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحاكم الضبي الطهماني النيسابوري : المعروف: ( بابن البيع) بوزن قيم، المتوفى: بنيسابور سنة خمس وأربعمائة وهو المعروف (بالمستدرك على كتاب الصحيحين) مما لم يذكراه وهو على شرطهما أو شرط أحدهما أو لا على شرط واحد منهما ، وهو متساهل في التصحيح، واتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي أشد تحرياً منه، وقد لخص مستدركه هذا الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز التركماني الفارقي الأصل الذهبي رحم الله الجميع، واعتذر للحاكم عن تساهله بأنه توفي قبل أن يبيض كتابه.
([10]) أبو عوانة هو: الحافظ الكبير يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد النيسابوري ثم الأسفرايني المحدث الشافعي، المتوفى سنة 316 هـ، واسم مستخرجه (المستخرج على صحيح مسلم بن الحجاج) .
([11]) هو الإمام الحافظ الزاهد المجاهد أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي ، تركي الأب الخوارزمي ، نزيل بغداد ، ولد سنة 118 هـ، وتوفي بهيت سنة 181هـ، من تصانيفه، تفسير القرآن، الدقائق في الرقائق، رقاع الفتاوى، كتاب البر والصلة، كتاب التاريخ، كتاب الجهاد، كتاب الزهد، كتاب السنن في الفقه وغيرها.
([12]) ابن خزيمة هو الإمام الحافظ أبو عبد الله، و أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري الشافعي شيخ ابن حبان، وكتابه مشهور بـ (الصحيح)، توفي: سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ويعرف عند المحدثين بإمام الأئمة، وقد عدم أكثره كما قاله السخاوي، وقد قيل إن أصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان.
([13]) ابن حبان هو الإمام الحافظ الكبير أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ التميمي الدارمي البستي بضم الموحدة وإسكان السين وفوقية نسبة إلى بُست، بلد كبير من بلاد الغور بطرف خراسان ، توفي ببست سنة 354هـ ، وكتابه يسمى بـ ( التقاسيم والأنواع ).
وترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد والكشف منه عسر جداً، وقد رتبه الأمير: علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الإله الفارسي الحنفي الفقيه النحوي المتوفى: بالقاهرة وسماه: (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) كما أنه رتب (معجم الطبراني الكبير) على الأبواب أيضاً.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام