مسائل متفرقة لا يستغني عنها طلاب الحديث
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (15)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
أولاً: حكم العمل بالحديث الصحيح أو الحسن.
يجب العمل بالحديث الصحيح أو الحسن دون تفريق بين كونه متعلقاً بأصول الدين أو بفروعه، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، إذ خبر العدل الواحد (الآحاد) يفيد اليقين على المختار، وهو الذي رجحه ابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والمحدث أحمد شاكر وغيرهم، وقال ابن القيم: [هو]" قول مالك والشافعي وأحمد وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي" اهـ، ويزداد قوة إذا حُفَّ بالقرائن.
ثانياً: قول المحدثين: هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد، هو دون قولهم هذا حديث صحيح أو حسن.
لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، ولا يصح ؛ لوجود شذوذٍ في متنه، أو علة، أو اضطراب، أو قلبٍ، ونحوها من الأمور المسقطة للحديث عن درجة القبول.
فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد، فالظاهر ثبوت الحديث سنداً ومتناً؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر في هذا الباب، وكل هذا يعود للقرائن والطرائق التي يستخدمها الحافظ بما يوحي صحة الحديث.
ثالثاً : قول الترمذي في جامعه " السنن" بعد إخراجه الحديث هذا حديث " حسن صحيح".
فيه أقوال أشهرها:
الأول: أنه للتردد فقد يكون حسناً ، وقد يكون صحيحاً ، أو هو بينهما.
الثاني: أنه أعلى من الحسن ودون الصحيح ، بمعنى في درجة الجيد.
الثالث: حسنه قوم ، وصححه آخرون.
الرابع: له إسنادان أحدهما حسن ، والآخر صحيح.
لكن يجاب على هذا أن الترمذي قد يقول : حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وهذا قد يقع منه على السند الواحد ، فكيف يكون له إسنادان أحدهما حسن والآخر صحيح؟.
الخامس: المراد بالحسن المعنى اللغوي لمتنه ، وبالصحيح من حيث السند.
وهذا بعيد لكونه قد يطلق مثل ذلك على السند الضعيف.
وقد يكون حسناً لا ينافي الصحة فقد قال البخاري في حديث السكران المتفق عليه من حديث أنس : حسن ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وأمثلة ذلك عن الترمذي والبخاري وغيرهما كثيرة.
والأولى حتى تطمئن النفس أنه ينبغي للباحث أن يحكم على ما يرويه الترمذي بما يستحق بعد البحث الجاد في الروايات ، ويطرح ما قيل في ذلك من الآراء، ولا يقوي رأياً على آخر، إذ منه ما قد يكون صحيحاً في مواضع وضعيفاً في مواضع أخرى ، ولم يأت عن الترمذي تفسير لكلامه -رحمه الله- .
رابعاً: تقسيم البغوي أحاديث المصابيح([1]) التي جمعها إلى صحاح وحسان مريداً بالصحاح ما في الصحيحين، وبالحسان: ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي أو بعضهم، قال بعض المحدثين: هذا اصطلاح خاص لا يعرف عند من سبقه من أهل الحديث، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك المذكور الذي اصطلحه ؛ لأن هذه الكتب تشتمل على الحسن وغيره.
وقيل: قد التزم صاحب المصابيح بيانها ، فإنه قال بعد أن ذكر أنه يريد بـ الصحيح ما في كتب الشيخين وبـ الحسن ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما: "وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعا" اهـ.
هذا لفظه ولا إيراد عليه في اصطلاحه إذ لا مشاحة في الاصطلاح.
لكن بقي أن يُنبه أن هناك أحاديث كثيرة عند أهل السنن صحيحة، فكيف يقال: ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما حسن، فهذا مما يخالف ما ذكره البغوي في مقدمة كتاب المصابيح.
خامساً: سنن الترمذي -رحمه الله- أصل في معرفة الحسن وهو الذي أشهره ويوجد متفرقاً في كلام من قبله، كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، وتختلف النسخ منه في قوله حسن أو حسن صحيح، فينبغي الاعتناء بمقابلة أصلك يا طالب العلم بمجموعة أصول غيرك، وتعتمد ما اتفقت عليه، وقد نص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك.
كما أن من مظان الحديث الحسن سنن أبي داود.
سادساً: قول أبي داود: "ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح".
اختلف العلماء في قول أبي داود "وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح" على أقوال أشهرها:
الأول: أن المقصود بقوله صالح بمعنى صحيح ، وهذا قول ابن رشيد.
الثاني: بمعنى حسن ، وهذا قول ابن كثير والنووي وجماعة.
الثالث: أنه صالح للاعتبار دون الاحتجاج فيشمل الضعيف أيضاً، وهذا مال إليه السيوطي.
والذي تطمئن له النفس أنه ينبغي للباحث أن يحكم على ما يرويه أبو داود بما يستحق بعد البحث الجاد في الروايات ويطرح ما قيل في ذلك من الآراء ولا يقوي رأياً على آخر إذ منه ما قد يكون صحيحاً في مواضع وضعيفاً في مواضع أخرى ، ولم يأت عن أبي داود تفسير لكلامه -رحمه الله-.
سابعاً: الحديث المتفق عليه غير ما رواه الشيخان.
فقولهم "متفق عليه " بمعنى أخرجه الشيخان عن صحابي بعينه كأن يكون الحديث في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
وقولهم "رواه الشيخان" بمعنى هو في الصحيحين لكنه ورد في صحيح البخاري عن صحابي غير الصحابي الذي رواه عنه مسلم.
ثامناً : الروايات الواردة صحيحها وضعيفها ، إما أن تكون
رواية الأصاغر عن الأكابر وهو الأكثر، أو العكس، أو أقران، أو برواية السابق واللاحق، وكل ذلك مرده التاريخ.
وتوضيح ذلك كله في مسائل:
الأولى: رواية الأصاغر عن الأكابر معناها: رواية التلميذ عن شيخه الذي يكبر عنه سناً أو قدراً وتسمى رواية الأبناء عن الآباء.
الثانية: رواية الأكابر عن الأصاغر وهي عكس الأولى، ومعناها: رواية الكبير في السن أو العلم أو اللقي عمن دونه، وتسمى رواية الآباء عن الأبناء.
الثالثة: رواية الأقران، ويسمى بالمُدَبَّج: وهو رواية الراوي عن المساوي له في الأخذ عن الشيوخ أو في السن.
كرواية أبي هريرة عن عائشة إذ كلاهما أقران بالنسبة لأخذهم عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
الرابعة: رواية السابق واللاحق، وهو: اشتراك اثنين في الرواية عن شيخ ، وتقدم موت أحدهما بسنوات طويلة.
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب ، وقد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه " كتاب السابق واللاحق"
ومن أمثلته: أن محمد بن إسحاق الثقفي السراج النيسابوري روى عنه البخاري في تاريخه، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين ، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، وقيل سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة.
فالبخاري سابق في الرواية عن السراج، والخفاف لاحق.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____________
([1]) البغوي هو الإمام الجهبذ محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي صاحب معالم التنزيل وشرح السنة والتهذيب والمصابيح ويسمى بـ (مصباح السنة أو مصابيح السنة) ، وقد قسَّم الأحاديث في كتابه هذا إلى صحاح وحسان مريداً بالصحاح: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان: ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي، أو بعضهم وهو اصطلاح له ولم يعين فيه من أخرج كل حديث على انفراده ولا الصحابي الذي رواه، وعين ذلك الإمام ولي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي بكسر التاء نسبة إلى تبريز من أكبر مدن أذربيجان كذا ذكره (السمعاني)، وغيره بالكسر للتاء والمشهور فتحها في (مشكاة المصابيح) ، وتوفي البغوي بمدينة مرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمس مائة.