قواعد في التشريع الإسلامي
حكم التقليد
الحلقة (1)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
ينبغي لحملة العلم وطلابه ألا يُعارضوا الفتوى بمجرد سماع فتوى مضادة ، أو لكونِها معارضة لما تعوَّدوه ، أو استأنسوا به من الأقوال حتى يقفوا على أدلة ومُرَجِّحَات الطرف الآخر .
إذ المعارضة والمخالفة تعصباً للبعض دون النظر في أدلة الآخرين والبحث فيها ، سبيل الغاوين ، وطريقة المبطلين ، وإن لم يقصدها من ظاهره الصلاح والخير .
إلا أنه وقع في مهب التقليد الذي يعتبر وَسْمَاً لأهل الشرك والضلال .
قال تعالى : "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا ، أو لو كان أباءهم لا يعقلون شيئاً ، ولا يهتدون"(1).
فلا يمنع أن يُخَالِف التلميذ شيخه في فتواه متى ما وجدت عنده الأهلية ، وكانت فتواه مؤصلة علمياً ، ولا تخرج عن النطاق الشرعي ، وقصد بها الوصول إلى الحق .
فلا مُمَانعة في ذلك كما نصَّ عليه علماء الإسلام حفظةُ الشريعة السمحة.
قال الشيخ صديق بن حسن خان رحمه الله : والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء.
والأخذ باجتهاداتِهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف .. والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم .
ولَمْ يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة ، وأئمتها وسلفها فضلاً عن المجتهدين وآحاد أهل العلم.
بل الواجب على الكل اتِّباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة ، وإنما احتيج إلى تقليد الْمُجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لَمْ تُدَوَّنْ .
ولكن الآن بِحَمْدِ الله تعالى قدْ دوَّن أهل المعرفة بالسنن علمَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغنوا الناس عن غيره .
فلا حيَّا الله عبداً قلَّد ، ولَمْ يَتَّبِع ، ولم يعرف قدر السنة ، وجـمد على التقليد .
ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات ، وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم، لأن التقليد من صنيع الجاهل .
والمقلد ليس معدوداً في العلماء .. انظر في الكتب التي ألفت لرد التقليد كإعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جداً ذكرناها في كتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين .
والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفةفي أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضاً .. بل الاعتبار باختيار الحق والصواب ، وهو ترك التقليد لآراء الرجال وإيثار الحق على الخلق والتمسك بالسنة .
انتهى كلامه ملخصاً من أبجد العلوم (2/402).
قلت : يجوز التقليد للعوام إذا جهلوا مسألة ما، سألوا علماءهم الثقات الذين يفتون بأدلة الكتاب والسنة، فقلدوا ما أفتى به العالم الرباني ، وهذا هو المقصود من قوله تعلى : "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"([2]).
وكذلك طلبة العلم الصغار ممن لا يحسن التمييز بين المسائل، فله أن يقلد فتوى من يرى أن فتواه أقرب لأدلة الشرع المطهر، فإذا تمكن من التفريق وترجيح الأدلة الثابتة لزمه العمل بالراجح ولا يحل له التلقيد، وهذا هو مقصود الشيخ صديق بن حسن خان الهندي رحمه الله.
للكلام بقية استأنفه في حلقة قادمة بمشيئة الله، وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
________________
(1) سورة البقرة آية 170 .
[2] سورة النحل آية 43 .