قول الخوارج: “إن العلماء لا دور لهم في ما يحل بالمسلمين من أزمات ومذابح وانتشار منكرات”.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (15)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
والجواب على هذه الشبهة: أن هذه دعوى باطلة بدأت في صفوف العلمانيين واللبراليين والشيوعيين قديماً ثم انتقلت لصفوف التكفيريين ثم لصفوف بعض الحركيين وانتهت بتوغلها لدى بعض الجهلة من عوام المسلمين، فهؤلاء، وهم [العلمانيون واللبراليون والشيوعيون والتكفيريون وبعض الحركيين وغيرهم من أهل الأحزاب والفرق الضالة من شيعة وصوفية ونحوهم] هم الذين يطعنون في العلماء ويتهمونهم بأنهم علماء سلطة، وفقه حيض ونفاس وطهارة وصلاة، وأنهم لا يفقهون الواقع ولا السياسة، ولا علم لهم بما يدور في الساحة الإسلامية، وكأن هؤلاء الطاعنين قد أحاطوا بدروس ومحاضرات وفتاوى وندوات وخطب وبيانات وكتب العلماء، وكأنهم بعد الإحاطة لم يجدوا للعلماء مواقف مشرفة تجاه قضايا الإسلام والمسلمين، رغم أن تراث العلماء المعاصرين ومن قبلهم يزخر بالمواقف العظيمة والمتكررة تجاه ما يحل بالمسلمين من أزمات وما يعانونه من مذابح وآلام وجراحات، وكل هذه التهم لأجل إسقاط هيبة العلماء ومكانتهم لدى الأمة ليعيش الناس في وحل الجهل وغياهب الظلام ليسود الجهال مكانهم.
ولا أدري هل يريد هؤلاء الذين يتهمون العلماء بالسكوت عن مناصحة ولاة الأمر والسكوت عن التدخل في أزمات الأمة، هل يريدون العلماء أن يعطوهم خبراً كلما أنكروا منكراً أو ناصحوا ولاة الأمر أو ماذا يريدون؟!! فالعلماء يقومون بواجبهم الشرعي في مناصحة الأمة وحكامها، فإذا فرض الحكام الأمر المخالف شرعاً أو لم يتدخل الحاكم في حل قضايا الأمة، فماذا يمكن أن يفعل العلماء سوى بيان الحق وإنكار الباطل، إذ ليس بأيديهم قوة حتى يفرضوا على ولاة الأمر كل ما أمر الله به ورسوله.
وإليكم بعض النماذج التي تبطل هذه التهم والتلفيقات التي يروج لها أصحابها:
أولاً: قضية بورما.
1- سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي: “أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ: نريد كلمة توجيهية للمسلمين حول مذابح البوذيين لإخواننا المسلمين في بورما الآن، وهي امتداد للمذابح والتطهير العرقي لهم منذ عشرات السنين، علمًا أن هناك تكتماً إعلامياً عالمياً حيال هذه القضية؟ فأجاب بقوله: هذه المسألة ليست خاصة بالبورميين، الإسلام الآن يهان في كثير من بلاد المسلمين، الدول الكافرة تسلطت على المسلمين الآن، لا تريد أن تقوم لهم دولة، ولا تريد أن يكون للإسلام وجود مهما استطاعوا، تعلمون الآن ماذا يعملون مع المسلمين، يسمون هذا الديمقراطية، يريدون يفرضون علينا مذهبهم وحكمهم الكفري، يفرضون علينا الحكم الكفري وهو ما يسمونه بالديمقراطية والعلمانية، ولكن يأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يتم نوره، فعلينا بالدعاء وكثرة الإلحاح على الله سبحانه وتعالى لإخواننا المسلمين في كل مكان أن ينصرهم الله وأن ينقذهم من عدوهم، علينا بالدعاء ، لا نملك الآن غير الدعاء، وعلى من عنده مقدرة أكثر من هذا أن يبذل ما يقدر عليه” ([1]).
2- وسئل الشيخ سعد الشثري السؤال التالي: ما يحصل لإخواننا في بورما من إبادة جماعية وقتل مُمنهج، هناك مآسي للأسف الشديد تتم هناك، يطلب تعليق معاليكم حول هذه القضايا المؤسفة؟ فأجاب بقوله: ” نصرة المسلم لإخوانه المسلمين من الواجبات الشرعية، والواجب في هذا الباب على كل أحد حسب قدرته، فمن كان من عامة المسلمين ليس في يده شيء وجب عليه أن ينصرهم بدعاء رب العزة والجلال أن يحقن دماءهم، وأن يكفيهم شر أعداءهم، وأن يجعلهم متآلفين متعاونين يقوم بعضهم بحوائج بعضهم الآخر، وأصحاب البيان والكلمة من العلماء ومن يتبعهم سواء كان من أهل الإعلام أو من غيرهم وجب عليهم التعريف بقضايا هؤلاء الذين تُسفك دماؤهم وتُنتهك أعراضهم وتُؤخذ أموالهم، هذا من الواجبات الشرعية بحث الأمة على القيام بما يستطيعونه من أعمال، كذلك من كان له مشاركة في المواقع والانترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي عليه أن يتقرب لله عز وجل بإيصال هذا الصوت الذي يدعو إلى حقن الدماء إلى كل من قد يكون مؤثراً سواء من أصحاب الولايات الداخلية أو الخارجية أو المنظمات الدولية أو نحو ذلك لعل الله عز وجل أن ينفع بهذه الجهود، كذلك على أهل السياسة على اختلاف منازلهم ومراتبهم أن يتقربوا لله عز وجل وأن يسعوا لجعل الدم المسلم هناك يُحقن بحيث يسعون لإيجاد مصالحات في تلك البلدان تُحقن بها الدماء، ويأمن الناس في تلك البلدان على أعراضهم ودمائهم وأبنائهم، ويأمنون من كل سوء وشر، فالواجب على الجميع ليس خاصاً بأناس دون آخرين، اسأل الله جل وعلا أن يحقن دماءهم وأن يكفيهم شر أعدائهم وأن يألف بين قلوبهم، وأن يكون عوناً لهم ومسانداً ونصيراً”([2]).
3- كما صدر عن الهيئة العالمية للعلماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي البيان التالي حول القتل والتشريد الذي يتعرض له المسلمون في بورما، وقد جاء في البيان: “فانطلاقاً من قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة).
فإن الهيئة العالمية للعلماء المسلمين التابعة لرابطة العالم الإسلامي تستنكر استنكاراً شديداً ما يتعرض له المسلمون في بورما (الروهنجيين في أراكان) في هذه الأيام من قتل وتشريد واضطهاد وتهجير وتدمير للمنازل والممتلكات والمساجد.
وتهيب بحكومات المسلمين، ومؤسساتها الإسلامية لنصرة مسلمي بورما الذين يعانون من الاضطهاد منذ خمسة عشر عاماً.
إن الهيئة إذ تحذر من خطر استمرار اضطهاد الروهنجيين في بورما تعرب عن رفض علماء الأمة وشعوبها لسياسة التمييز البوذية التي أدت في حملات الاضطهاد الأخيرة إلى قتل عدد من العلماء والدعاة إلى جانب شن حملات اعتقال للأبرياء، مما أدى إلى هروب آلاف المسلمين إلى بنجلاديش .
وتذكر الهيئة بما أصدره المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والأربعين، التي عقدها في شهر رجب الماضي، فقد أعرب المجلس عن قلق المسلمين في العالم للمجازر الدامية في بورما، والتي قتل فيها عدد كبير من المسلمين، واستنكر سياسة التمييز والاضطهاد ضد المسلمين بسبب انتمائهم الديني، وطالب منظمة التعاون الإسلامي ببذل الجهود لوقف اضطهاد مسلمي بورما، ودعا منظمات حقوق الإنسان إلى القيام بواجبها في حمايتهم ونيلهم حقوق المواطنة والمساواة مع غيرهم من مواطني بورما .
وإذ تؤكد الهيئة على أهمية ما أصدره المجلس التأسيسي للرابطة، فإنها تحث المؤسسات الخيرية والإغاثية في العالم على عون المشردين من الروهنجيين المسلمين في بورما سواء في داخل بورما أو الذين لجأوا إلى بنجلاديش، وتطالب حكومة بنجلاديش بفتح الحدود لهم تحقيقاً للأخوة الإسلامية، وتهيب بالدول الإسلامية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي مد يد العون لبنجلاديش لتتمكن من إيواء المسلمين الفارين إليها من بورما”([3]).
ثانياً: موقف العلماء من قضية العراق وما قام به الاحتلال الأمريكي الصليبي في العراق.
1- صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن ما يتعرض له المسلمون في العراق البيان التالي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية تستنكر أشد الاستنكار ما يتعرض له الإخوة المسلمون في العراق وبصفة خاصة في مدينة الفلوجة من قتل وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات وهدم للمساجد على رؤوس المصلين على يد القوات المحتلة لهذا البلد المسلم، وتعتبر ما يتعرض له المسلمون في العراق من أشد أنواع الظلم والعدوان.
وإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إذ تستنكر هذا العمل الإجرامي الذي تجاوز كل الحدود لتدعو كل منصف في العالم من المسلمين وغيرهم إلى استنكار هذه الهجمة الشرسة والعمل بشتى الوسائل والسبل على إيقافها ومعاقبة المسئولين عنها.
كما تحث اللجنة الإخوة في العراق على الصبر والمصابرة وتوحيد الكلمة وإخلاص نيتهم لله عز وجل نصرة لدينه وإعلاء لكلمته وتطبيقا لشريعته وليثقوا بنصر الله عز وجل حيث وعد عباده بالنصر والتمكين ووعده صادق لا يخلف وان تأخر وقوعه يقول عز من قائل (يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ويقول (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ويقول عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
نسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يحفظ العراق وأهله وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.
الرئيس عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وعضوية كل من المشايخ: صالح بن فوزان الفوزان، وعبدالله بن عبدالرحمن الغديان، وعبدالله بن محمد المطلق، وعبدالله بن علي الركبان، وأحمد بن علي سير المباركي ([4]).
2- سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله السؤال التالي: “تعلمون حفظكم الله الخطر المحدق بإخواننا المسلمين في العراق، حيث تحزبت أحزاب الصليب وتجمعت قوى الكفر مستهدفة إخواننا في العراق تحت ذرائع مختلفة يساندها في ذلك أولياؤهم من المنافقين، فما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في العراق ؟ وفقكم الله لكل خير ونفع بكم المسلمين؟ فأجاب بقوله: “إن الواجب أولاً على المسلمين تصحيح الإسلام، وتحقيق ما يدينون به من التوحيد والإخلاص لربهم سبحانه وتعالى، والابتعاد عن الكفر والشرك والبدع والمعاصي والمحرمات حتى ينصرهم الله تعالى ويخذل من عاداهم ، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ).
وثانياً: عليهم أن يطلبوا النصر من الله وينصروا دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يتحقق لهم النصر الذي وعدهم ربهم في قوله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وقوله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، وقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ)، وقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
وثالثاً: العلم بأن الذنوب سبب للخذلان ولتسليط الاعداء على المؤمنين، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، وقال تعالى: ( َوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )، وفي الحديث القدسي (إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني)، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة).
ونقول رابعاً: لا شك أن الكفار بعضهم أولياء بعض، وأنهم يتكالبون على المسلمين ويحاولون القضاء على الإسلام الذي ظهر أهله الأولون واستولوا على أغلب بقاع الأرض فيجب على المسلمين في كل البلاد الإسلامية أن يقوموا لله مثنى وفرادى وأن يصدوا بقدر استطاعتهم هؤلاء الكفار ومن ساندهم من المنافقين حتى تنقطع أطماعهم ويرجعوا على أدبارهم.
ولا يجوز لمسلم أن يقوم معهم على المسلمين، ولا يمكنهم من الاحتلال والتملك لبقعة من بلاد الإسلام، فقد نفاهم الخلفاء الراشدون عن بلاد الإسلام ، ولم يتركوا لهم فيها مغز قنطار، فمن مكنهم أو شجعهم أو أعانهم على حرب المسلمين أو احتلال بلاد المسلمين كالعراق أو غيرها فقد أعان على هدم الإسلام وتقريب الكفار، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ([5]).
3- كما أصدر علماء ومشايخ الدعوة السلفية بالكويت بياناً حول هذه القضية جاء فيه تأكيد رفضهم: “إن الحرب ضد العراق «عدوانية وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة.
وأكد البيان رفضه الحرب العدوانية التي تقودها الولايات المتحدة على العراق متجاوزة بذلك ميثاق الأمم المتحدة ومتحدية إرادة المجتمع الدولي بجميع منظماته.
كما دعا البيان منظمة دول المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية إلى تفعيل قراراتها الرافضة للعدوان الأمريكي الذي سيكون كارثة يذهب ضحيته العراق شعباً وأرضاً، وبذل كل الجهد للحيلولة دون وقوعه.
ودعا البيان العالم الإسلامي حكومات وشعوباً إلى الوقوف صفاً واحداً لمواجهة الحملات العسكرية الصليبية الجديدة ومخططاتها الاستعمارية الرامية إلى السيطرة على العالم الإسلامي وترتيب أوضاعه بما يحقق مصالحها والتحكم في ثرواته وفرض الثقافة الغربية وقيمها على المجتمعات الإسلامية تحت شعار مكافحة التطرف والإرهاب لتصادر حق شعوبه كما في أرض فلسطين في الاستقلال ومقاومة الاحتلال ولتأمين وحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري على حساب أمن شعوب المنطقة وحقوقها المشروعة.
كما دعا البيان إلى ضرورة ووجوب مد يد المساعدة للشعب العراقي والوقوف معه في محنته وحرمة المشاركة في الاعتداء عليه بأي شكل من أشكال المشاركة.
وحذر البيان عامة المسلمين من الالتفات الى الفتاوى المشبوهة التي يوظفها الاستعمار في خدمته لتسويغ مثل هذه الحرب الصليبية الاستعمارية التي سيكون لها أكبر الأثر وأخطره على حاضر العالم الاسلامي ومستقبله” انتهى مختصراً ([6]).
رابعاً: قضية البوسنة والهرسك.
ناشد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز المسلمين وطالبهم بنصرة إخوانهم في البوسنة والهرسك، وذكَّر حكام المسلمين بالمواثيق الدولية التي تمنح شعب البوسنة حقها كما في لوائح منظمة الأمم المتحدة فقال رحمه الله ”فالله الله أيها الحكام المسلمون، انصروا إخوانكم ، وقفوا في صفهم، وادفعوا العدوان عنهم ، وطالبوا المجتمع الدولي باستعمال نفوذه في إيقاف الصرب عن عدوانهم، وإنزال أشد العقوبات بهم حتى يقفوا عند حدهم، ويلتزموا بالمواثيق الدولية التي التزم بها المسلمون في البوسنة والهرسك ([7]) اهـ.
كما ناشد علماء المسلمين في العالم أجمع حكامهم للتدخل ومنع الصرب من الاعتداءات على إخواننا بالبوسنة مع المطالبة بفرض أشد العقوبات بهم حتى يقفوا عند حدهم.
خامساً: نصيحة العلماء لولاة الأمر وتحذيرهم من غضب الله ومقته.
وقد ذكرت نماذج من ذلك في مقال لي من هذه الدراسة بعنوان: “قول التكفيريين: علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة“، ومن هذه النماذج:
نشرت مجلة راية الإسلام كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال ”لقد أصيب العالم الإسلامي عامة وسكان الجزيرة العربية خاصة بسيل من الصحف التي تُحصِّل بين طياتها أشكالاً كثيرة من الصور الخليعة، المثيرة للشهوات، الجالبة للفساد، الداعية للدعارة، الفاتنة للشباب والشابات، وكم حصل في ضمن ذلك من أنواع الفساد لكل من يطالع تلك الصور العارية وأشباهها، وكم شغف بها من الشباب من لا يحصى كثرة، وكم هلك بسمومها من شباب وفتيات استحسنوها ومالوا إليها وقلدوا أهلها، وكم في طيات تلك الصحف من مقالات إلحادية تنشر الأفكار المسمومة والقصائد الباطلة وتدعو إلى إنكار الأديان ومحاربة الإسلام…فالواجب على حكومتنا- وفقها الله- منع هذه الصحف منعاً باتاً لما فيها من الضرر الكبير على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ودينهم ودنياهم…فيا ولاة أمر المسلمين اتقوا الله في المسلمين وحاربوا هذه الصحف الهدامة”([8]).
ثانياً:
هذه رسالة خطية من المفتي العام جاء فيها “من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده، حفظكم الله: لا يخفى على سموكم أن الحكومة وفقها الله قد منعت الإعلان عن الدخان في الصحف وحذرت من التشجيع عليه وشددت في ذلك، وقد علمت هذه الأيام أن كثيراً من أهل البقالات وغيرهم يضعون لائحات تدعو إلى الدخان وتشجع عليه، كما علمت أن كثيراً من الصبيان وغيرهم يطوفون بالدخان على أبواب المسجد النبوي عند خروج الناس من الصلاة يدعون الناس إلى شراء الدخان ويشجعون على استعماله.
فأرجو من سموكم الكريم التأكيد على الجهات المختصة بمنع هذا وأمثاله والتشديد في ذلك، وفرض عقوبة على من يخالف الأوامر حماية للمسلمين من شر هذه الشجرة الخبيثة، وحفظا لدينهم وصحتهم وأموالهم”([9]).
ثالثاً:
قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: “فإذا عمل الحاكم بما يقتضي كفره أو فسقه , فلا يجوز أن يُدافع عنه ([10])“.
وقال رحمه الله: “ورب دعوة مظلوم تكون سببا لنكبة شعب, فالواجب على حكام المسلمين أن يتوبوا إلى الله من التعاون مع أمريكا وروسيا على ضرب الدعاة إلى الله , فإنهم لا يضرُّون إلا أنفسهم, ولا يضرون الدعاة إلى الله شيئا , فهل استطاعت أمريكا أن تدفع عن السادات شيئا ؟… واعلموا أن رعاياكم ليست عنكم راضية , لما ترى منكم من الإنحراف عن الدين , وإني والله ما أعلم شعبا راضيا عن حكامه وإن صفق لكم من صفق فإنه ما يصفق لكم إلا المصلحيون أو الهمج الرعاع أتباع كل ناعق ([11])“اهـ.
رابعاً:
قال ابن عثيمين رحمه الله: ”الواجبُ على ولاة الأمور أن يُزيلوا الأذى عن طريق المسلمين، أي أن يُزيلوا كلّ داعية إلى شرّ، أو إلى إلحاد، أو إلى مجون، أو إلى فسوق، بحيث يُمنع من نشر ما يُريد من أي شيء كان، من الشر والفساد، هذا هو الواجب، لكن لا شك أن ولاة الأمور الذين ولاهم الله على المسلمين في بعضهم تقصير، وفي بعضهم تهاون، يتهاونون بالأمر في أوله حتى ينمو ويزداد، وحينئذ يعجزون عن صده وكفّه، فالواجب أن يُقابل الشر من أول أمره بقطع دابره، حتى لا ينتشر، ولا يُضل الناسُ به”([12]).
خامساً:
تحذير العلماء من العمل في المؤسسات الربوية التي في الدولة، فقد سئل شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان -عضو اللجنة الدائمة للإفتاء- هذا السؤال: أعملُ في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة، فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة؟
فأجاب: “التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد، ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا، ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان – والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه”([13]) اهـ
سادسا:
لما اطلع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- على مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة رفض ما جاء فيها من بنود تتصادم مع الشريعة والفطرة والعقل السليم.
وقال سماحته: “وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية، وأحكام ضالة في سبيل تحقيق ذلك، منها: الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين، والدعوة إلى الإباحية باسم: الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين، وأن الدين عائق دون المساواة. إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر والضلال المبين، والكيد للإسلام وللمسلمين، بل للبشرية بأجمعها وسلخها من العفة، والحياء، والكرامة.
لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الفاجر، وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين ([14]).
وكل ما سبق من النماذج فهو عبارة عن غيض من فيض، ولو جمعنا كل فتاوى وندوات ومحاضرات ومقالات وبيانات علماء ودعاة أهل السنة والجماعة في السعودية واليمن ومصر ودول الشام والعراق وبلاد المغرب وغيرها من بلدان العالم الإسلامي لكانت مجلدات تزخر بمواقف علماء الأمة من قضايا المسلمين المختلفة كلما طرأت، بل يصعب جمعها كلها لكثرتها.
ورغم كل ذلك لا زالت التهم والطعون في علماء الأمة تتوالى، وهناك آذان صاغية تتلقفها، لا همَّ لها سوى تريد ما تسمع دون مراقبة الحي القيوم، وإلى الله وحده المشتكى.
فما أسهل التهم التي لا تحتاج إلى مزيد علم، والتي هي من الغيبة وظلم العلماء بغير حق شرعي.
ومما لا شك فيه: أن منها ما يكون بسبب سوء فهم، ومنها بسبب سوء تلقي، والبعض الآخر مما علق في أذهان العوام أتباع كل زاعق وناعق، ومنها ما هو بسبب المندسين في صفوف المسلمين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ”غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه، لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية” ([15]).
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
—– الحواشي—–
([1]) فتوى صوتية مسجلة بصوت الشيخ صالح الفوزان، تم تسجيلها بمكة بتاريخ 9-8-1433هـ.
([2]) فتوى بصوت الشيخ سعد الشثري، تم تسجيلها من خلال برنامج شرعي.
([3]) بيان صادر عن الرابطة بتاريخ 7/8/1433هــ.
([4]) تم نشر البيان في جريدة الجزيرة السعودية اليومية، العدد 11522، يوم الخميس، بتاريخ : 25/ 2 / 1425هـ.
([5]) فتوى مكتوبة بخط الشيخ الجبرين بتاريخ 10/1/1424هـ.
([6]) تم نشر البيان في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 12/3/2003م.
([7]) كلمة لابن باز بعنوان ” دعوة إلى المبادرة بإسعاف المسلمين في البوسنة والهرسك” كما في فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (8/224 وما بعدها).
([8]) المصدر السابق ، (4 /203).
([9]) المصدر السابق ، (6 /400).
([10]) المخرج من الفتنة للوادعي (ص136).
([11]) المصدر السابق (ص277-278).
([12]) شرح ” رياض الصالحين ” لابن عثيمين ( 3/211-212).
([13]) المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان (4/148)، والحديث صحيح لغيره ، أخرجه أحمد في مسنده رقم(3725) وغيره.
([14]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، والمقال كان رداً على مؤتمر بكين للمرأة عام 1416هـ ، (9 /203).
([15]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ( 1/255-256)