قول الخوارج: “ما يقوم به المجاهدون داخل الدول العربية والاسلامية من قتلٍ لرجال الأمن إنما هو من باب دفع الصائل (يعني دفع المعتدي)، والصائل يجوز قتله حتى لو كان مسلماً كما نص على ذلك الفقهاء”
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (16)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
الجواب على هذه الشبهة: أن كلامهم يوحي بأنهم يعتقدون كفر حكام الدول العربية والإسلامية بلا استثناء، فإن من يقول : بجواز قتل رجال أمن الدولة لدفع الصائل يشير إلى أن رجال الأمن يقفون أمامهم كي لا تسقط خلافة الوالي بحجة كفره، وقد صرحوا بكفر حكام المسلمين في أكثر من مقام، وبحجة أنها أصبحت بلاد كفر لا إسلام بزعمهم.
وهذا القول ذريعة لتبرير القتل وأن رجال الأمن يدافعون عن ظلم أو كفر، ثم إنهم قالوا لا ضمان في القتل، بل جائز عندهم لدفع الصائل، وقالوا إن قُتِل المصول عليه فهو شهيد ليغرروا بالشباب لحب الشهادة، وهذا فهم خطأ، لماذا؟
الجواب: لأن الصائل من يترتب على بقائه أذى، ورجال الأمن يترتب على بقائهم الأمن والاستقرار والسلامة والأمان للمواطن والوطن.
قال في الروض المربع: ”فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل فله -أي للمصول عليه- ذلك، أي قتل الصائل ولا ضمان عليه، لأنه قتله لدفع شره، وإن قتل المصول عليه فهو شهيد لقوله صلى الله عليه وسلم: ”من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد“([1])رواه الخلال، ويلزمه الدفع عن نفسه في غير فتنة لقوله تعالى: ”وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ “([2])، وكذا يلزمه الدفع في غير فتنة عن نفس غيره وعن حرمته وحرمة غيره، لئلا تذهب الأنفس دون ماله فلا يلزمه الدفع عنه ولا حفظُه عن الضياع والهلاك“([3]).
وقال ابن عثيمين: “وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفراً ؛ قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح، وإن كان سحره دون الكفر؛ قُتِلَ قَتْلَ الصائل؛ أي: قُتِلَ لدفع أذاه وفساده في الأرض“([4]).
ولا شك أن هؤلاء الشباب بسبب سوء فهمهم لفقه الصائل والمصول عليه تولوا جرائم عديدة منها:
أولاً: قتل الأبرياء من رجال الأمن وغيرهم من موظفي الدولة والمدنيين.
وفي الحديث: ”لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق لدينه التارك للجماعة”([5]).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً “([6]).
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء”([7]).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما ”إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله“([8]).
ثانياً: أنهم روعوا الآمنين بأفعالهم الطائشة، وهذا حرام لا يجوز، وقد جاء في حديث ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً“([9]).
قال المناوي: ”لا يحل لمسلم أن يروع (بالتشديد أي: يفزع) مسلماً ”وإن كان هازلاً كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه فيفزع لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”([10]) اهـ
ثالثاً: أنهم حاربوا دولة الحرمين وشوهوا سمعتها مواكبةً للرافضة والمبغضين لعلماء التوحيد والسنة.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن من حولنا: مصر؟، الشام؟، العراق؟!، من يدعو إلى التوحيد الآن؟ ويحكم شريعة الله؟ ويهدم القبور التي تعبد من دون الله مَنْ؟! أين هم؟! أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة؟! غير هذه الدولة“([11]).
قلت: ولا يعني ذلك سلامة ولاة الأمر في المملكة من الخطأ والذنوب، فإن الخطأ شيء يلزم فيه نصح ولاة الأمر، وكون المملكة تطبق أحكام الشرع في محاكمها وتمنع الرشاوي شيء آخر تُشكر عليه.
رابعاً: أن فعلهم هذا خروج على ولاة أمر المسلمين.
وقد جاء في حديث عبادة بن الصامت قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا ”أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان“([12]).
وقد بسطت هذه المسالة في اكثر من موضع من هذه الدراسة وغيرها، وذكرت أن الخروج على ولاة امر المسلمين لا يؤدي إلا إلى أشر منه من سفك الدماء وخراب الديار، وهذا ما نعايشه اليوم وأن النصيحة لهم والسعي لإصلاحهم بالعلم والحلم والحكمة وإصلاح من في السلطة طريقة العلماء الربانيين قديما وحديثا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير؛ كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة ; فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا. والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم.
وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كله.
وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر:
عوى الذئبُ فاستأنسْتُ بالذئْبِ إذْ عَوَى وصوَّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
“أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء”([13]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
—–الحواشي——-
([1]) أخرجه أبو داود في سننه (2/660) وغيره من حديث عبد الله بن عمرو ، والحديث صحيح.
([2]) سورة البقرة ، الآية رقم (195).
([3])الروض المربع للبهوتي ص (677) .
([4]) فتاوى ورسائل ابن عثيمين (9/490).
([5]) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
([6]) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6469) من حديث عبد الله بن عمر.
([7]) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6470).
([9]) أخرجه أبو داود في سننه (2/719) وغيره ، والحديث صحيح.
([10]) فيض القدير للمناوي (6/447).
([11]) شريط صوتي لابن باز بعنوان ” أهداف الحملات الإعلامية ضد حكام وعلماء بلاد الحرمين”.
([12]) متفق عليه.
([13]) منهاج السنة لابن تيمية ( 4 / 527-531)