رَابِطَةُ التَّعَاوُن بين الشريعة والواقع
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (11)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
التعاون في الشريعة الإسلامية كلمة مجملة تشمل عدة مجالات ومن ذلك التعاون في سبيل نشر هذا الدين وإن اختلفت وجهات النظر بين الأطراف المختلفة في مسائل لا تخل بأصول الإسلام المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة.
وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
ومعنى ذلك: أن يتعاون المسلمون جميعاً في كل خير وإن اختلفوا بشرط ألا يكون تعاونهم على الإثم أو العدوان وإلا فحرام.
وهذا منهج تغافل عنه كثير من أبناء الإسلام وخصوصاً بعض المتعلمين الذي يرعون قطيعاً غفيراً من أبناء الأمة، وإذا سألته لِمَ لا تقف مع أخيك صفاً واحداً لدفع ما حل بالمسلمين في الحادثة الفلانية؟
قال لك: أنا مختلفٌ معه في كيت وكيت.
فإذا قلت له: ذاك شرٌ والبلوى تعم.
قال لك: وإن عمت البلوى.
فأقول: مثل هذا الصنف لا ينفع أن يكون قدوةً حسنةً، بل لا يؤتمن عليه في تربية الأجيال؛ إذ جعل خلاف الفروع سبيلاً لإرساء خلاف التضاد، فبمجرد خلافه مع فلان من الناس أرسى مبدأ المفاصلة له ولمن أثنى عليه ولو في أمرٍ مجمعٍ على شرعيته، وإن أدى ذلك إلى الإضرار بالمجتمع كله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206]، وقال: أنا أختلف مع فلان!!.
ومتى رأيت الشخص يجعل مسائل الفروع مسائل تفضي إلى التفرقة والقطيعة فاعلم أنه دسيسة أو جاهل أو مكابر أو أحمق وإن ربط عمامةً وذَيَّلَها.
ومما يؤسف له أن بعضهم ربما يتمسك ببعض أقوال وأفعال السلف فينزلها على أخيه الذي يتفق معه على الأصول، وهي في أهل الأهواء والبدع، أو يجد قولاً عن بعض السلف أخطأ فيه فيجعله حجة الله في أرضه رغم أن جماهير السلف على خلافه، فيجعل ما وافق هواه في مقام الكلام المنزل الذي لا يحتاج إلى مخالف، بل ربما جعل الحزب السياسي أو الطائفي أو شيخه في مقام الاحتجاج دون غيره؛ فإذا غضب من شيخه جعله مرمى السهام فيزيد الفتنة ويوقدها بين أبناء الأمة دون تورع أو روية، وقد يتبعه على طريقته أحداث كثيرون، وهكذا تتسلسل الأحزاب والعصبيات وأساس ذلك كله التقليد العاطفي الذي لم يقم على صفاء المنهج، مما أدى إلى الفرقة المفضية إلى عدم التعاون مع أبناء الإسلام في الثوابت والأمور المسلمة فيها.
في الوقت نفسه يتعاون أهل الباطل والكفر والإلحاد وأهل الملل والنحل والمناهج المنحرفة على ضرب الإسلام وأبنائه، ويتربصون بنا الدوائر، وتجتمع كلمتهم على الباطل رغم أنهم فيما بينهم لا يتفقون في شيء، ونحن معاشر الدعاة وطلبة العلم لم نقف يوماً واحداً لإرساء قاعدة الأخوة الصحيحة التي توحد كلمتنا، ومن قام بذلك وجد من يخذله أو ينقده أو يحذر منه لا لشيء سوى التقليد او التحزب أو الحسد أو الجهل بواقع الأمة، فليت شعري من المستفيد!!.
إن قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» لكافلٌ لمن كان له عقل أن يحسن إداراته ووضعه ويبحث عن السبل السليمة لإرساء مبدأ التعاون في كافة المجالات الدينية والاجتماعية، وكل ما من شأنه أن يصلح الفرد والمجتمع ويدفعه نحو التقدم والرقي حتى يترجم واقعه وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
والله من وراء القصد