قضية مسلمي بورما قضية كل مسلم
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (23)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
إن ما يعانيه (الروهنجيون في أراكان من بلاد بورما) في هذه الأيام من قتل وحرق ودفن للرجال والنساء والأطفال والشباب والشيوخ أحياءً، وتشريد واضطهاد وتهجير، وتدمير للمنازل والممتلكات والمساجد وغيرها فجائع متكررة على مر الزمن منذ عشرين عاماً حتى اليوم لأجل إبادة هؤلاء المسلمين العزل ولطمس هويتهم الإسلامية حتى لا يبقى للمسلمين أثر، وبسبب سياسة التمييز البوذية التي سمحت لجنود الدولة ومواطنيها قتل العلماء والدعاة والأبرياء، مع حملات اعتقال مكثفة ورسمية، مما أدى إلى تهجير وهروب بعضهم من القتل من النساء والأطفال والرجال وكبار السن إلى الدول المجاورة كبنقلادش وتايلاند.
لقد تجاوز هذا العمل الإجرامي كل الحدود من خلال هجماته الشرسة الممنهجة في ظل السكوت الدولي تجاه قضيتهم.
ولذا يجب على المسلمين حكاماً ومحكومين وعلماء - أفراداً وجماعات - أن يستنكروا هذا العمل الاجرامي البشع بشتى الوسائل والسبل الممكنة التي تساعد على إيقافه ومعاقبة المسئولين عليه.
كما يجب على الحكومات الاسلامية أن تدعو منظمات حقوق الإنسان إلى القيام بواجبها في حمايتهم ونبذ هذا التطرف والتميز الطائفي، مع تسهيل مد يد العون لمساعدة المسلمين في بورما من خلال المؤسسات الخيرية والإغاثية في العالم كي تصل إلى الروهنجيين المسلمين، وكذلك مساعدة الذين لجأوا منهم إلى الدول المجاورة هروباً من الموت.
إن ما يجري للمسلمين الروهنجيين في بورما عدوان صريح وإرهاب حقيقي يتجاوز مئات المرات مما يفعله الدواعش الذين يتهمهم الغرب بالإرهاب، بل هو انتهاك لميثاق الأمم المتحدة الذي يتغاضى حماته عن هذه القضية، وهو تحدي لإرادة المجتمع الدولي بجميع منظماته الدولية الهشة.
كما يجب على منظمة دول المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية القيام بواجبهم لرفض هذه التجاوزات والتحديات التي تتصادم مع بقاء الحياة البشرية التي يتزعم منظماتها المجتمع الدولي.
إن الواجب عليكم يا حكام المسلمين اليوم أمام الله وأمام المسلمين أن تقوموا باستعمال نفوذكم لإيقاف هذا العدوان والانتصار لإخوانكم المظلومين والسعي للمطالبة بحقهم حتى تلتزم الحكومة البورمية بالمواثيق الدولية التي هي ملزمة للمسلمين في كل مكان لكنها وللأسف غير ملزمة في حق غير المسلمين، وهذا هو الكيل بمكيالين مختلفين في ظل النظام الديمقراطي المزيف الذي يدعو إلى السلام والأمن والاستقرار.
كما يجب على عموم المسلمين في كل مكان الدعاء لإخوانهم الروهنجيين أن يرفع عنهم البلاء وينتقم لهم من عدوهم ويثبتهم ويصبرهم على هذه المحنة العظيمة التي طالت مجتمعاتهم من غير حول منهم ولا وقوة.
كما يجب على المسلمين الروهنجيين أن يقبلوا على الله بكثرة التوبة والاستغفار وطلب النصر منه سبحانه، فإنه لا نصير ولا معين بحق سواه جل وعلا.
ومما يؤسف له أن هناك بعض المنشورات التي انتشرت هذه الأيام تذكر أن ما يُنشر عن مسلمي بورما فيه مبالغة وتزييف لبعض صور التعذيب والقتل ، ومثل هذه المنشورات التي تقلل من حجم ما يعانيه مسلمو بورما من أنواع القتل والتعسفات إنما تخدم أعداء الله، فإن المبالغة أو فبركة بعض الصور أو الفيديوهات التي قد تحتوي على كذب أو مبالغة مردودة على من فبركها والله يتولى حسابه ولا نوافقه على كذبه وتزييفه لكن لا يعني صنيعه عدم وجود القتل والحرق والدفن للرجال والنساء والأطفال والشباب والشيوخ أحياءً، ولا يعني عدم وجود تشريد واضطهاد وتهجير المسلمين هنالك، ولا يعني عدم تدمير للمنازل والممتلكات والمساجد وغيرها، فنحن على صلة ببعض الدعاة الروهنجيين وقد التقيت بهم في محاضرات ولقاءات دعوية في بعض دول شرق أسيا الحدودية مع بورما، وسافر إلى بورما بعض الأصدقاء من المشايخ واطلعوا على أحوالهم في السجون والمعتقلات، ورأوا بعض المآسي العظام، وهناك دبلوماسيون في السفارات العربية في عاصمة بورما شرحوا الكثير والكثير مما ذكرت في المقال وغيره، فاتقوا الله ولا تكونوا عوناً للشيطان على إخوانكم المظلومين، فإن نبيكم عليه الصلاة والسلام يقول كما في الحديث المتفق عليه: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، وقال عليه الصلاة والسلام- : "المسلم أخو المسلم ،لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة،" أخرجه البخاري.
وقال أيضاً: "من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يَسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه مسلم.
فاتقوا الله في إخوانكم المظلومين واشرحوا لعلمائكم ما لم يطلعوا عليه إن لم يطلعوا على أحوال الروهنجيين، وحثوهم أن يحثوا ولاة الأمر في بلدانهم للتدخل في قضية مسلمي بورما بشتى الوسائل الممكنة التي تساعد على إيقاف هذا القتل والتهجير ومطالبة المحافل الدولية بمعاقبة المسئولين عن ذلك في الحكومة البورمية، عجل الله بزوالها.
وختاماً أقول:
مهما استفحل الظلم والعدوان، فلا بد من يوم ينتصر فيه المسلمون على عدوهم بعز عزيزٍ يعز به الاسلام، او بذل ذليلٍ يذل به الكفر كما أخبر سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام بقوله: "ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر" أخرجه أحمد وغيره، والحديث صحيح على شرط مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها" أخرجه أحمد وغيره، والحديث صحيح، وصححه الوادعي في الصحيح المسند.
وهذان الحديثان تصديق لقوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" [التَّوبة: 33].
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.