فلسطين والمكائد الأمريكية والغربية
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (25)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
قامت الجماعات اليهودية وعلى رأسها قائد الصهيونية العالمية "ثيودور هرتزل" بعقد اجتماعات سرية في بعض الدول الأوروبية والقيصرية الروسية من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وحاولوا مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1896م بالهدايا والواسطات شراء أرض فلسطين أو التنازل عنها، إلا أن السلطان عبد الحميد رفض قائلاً لهم: "فلسطين ليست ملكاً للسلطان عبد الحميد، بل لجميع المسلمين، فاجمعوا لي تواقيع المسلمين أنهم قد تنازلوا عن فلسطين لأتنازل عنها أنا"، وبقيت فلسطين بيد المسلمين حتى سقوط الدولة العثمانية عام 1923م، واستمرت بيد المسلمين إلى عام النكبة 1948م فسقطت فلسطين بيد الصهاينة بعد هجرات لليهود متتالية بناء على تنفيذ وعد بلفور الذي سبق أن قلنا عنه – في مقال سابق - : إن كبار مسؤولي أوربا اتفقوا على تأسيس وطن قومي لليهود، وقد رشحوا " آرثر جيمس بلفور " ليبعث رسالة إلى اللورد " ليونيل وولتر دي روتشيلد " يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك بتاريخ 2 نوفمبر عام 1917م.
وقد كان لأمريكا دور فعال في هذا التأييد معنوياً ومادياً منذ ما قبل 1948م حتى هذه الساعة، وتعد أمريكا وليدة أوربية، وأكبر تجارها منذ قيامها حتى اليوم " اليهود - وخصوصاً عائلة "روتشيلد" التي تسيطر على نصف اقتصاد العالم -".
وقد حاد بعض حكام العرب في بعض الأزمنة إلى ربط العلاقة مع أشد أعداء أمريكا و أوربا عسكرياً وهم الروس، وذلك بعد الخيانة الكبرى للعرب، التي ارتكبتها أمريكا و أوربا بتمكين اليهود من إنشاء دولة لهم في فلسطين عام 1948م، وقد سبق هذا التمكين الاعتراف والترحيب الدولي الأمريكي والأوربي عام 1947م بإنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين، فصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية، فكان الترحيب صادماً للعرب، حيث أشعل في نفوسهم الحمية على أبناء جلدتهم الفلسطينيين، فشعروا أن أمريكا ودول الغرب لا تفي بعهودها وتحالفاتها معهم، فكانت لهم ردود أفعال مشرفة رغم ضعفهم، منها اجتماع كافة رؤساء الدويلات العربية وإجماعهم على أن الأرض فلسطينية، لا يجوز أن تكون دولة يهودية، ومنها أنهم كوَّنوا جيشاً عربياً من مصر وسوريا والعراق والأردن وفلسطين وكل من أراد التطوع من بقية الدول العربية الأخرى ودعموه مادياً، لكنه كان هشاً من نواحٍ عدة منها : أن قيادته العامة قومية أكثر من كونها إسلامية إلا بعض القيادات الفرعية التي كانت ترفع شعار النصرة للدين والأرض كقيادات الإخوان المسلمين وبعض العلماء، ومنها ضعف السلاح لأنه كان عبارة عن بنادق، منها بنادق الطنج وبنادق أم سك والنيمس وأم كرار، وأم ركبة، وأم صندوق ذات الطلقة الواحدة، بينما اليهود عندهم رشاشات متقدمة جاءتهم من فرنسا، وليست يومها أسلحة أمريكية، ومنها ضعف الدول العربية وقياداتها، ومنها انشغال قادة الدول العربية بمشاكل شعوبها الفقيرة والثائرة التي فرَّقها الاستعمار إلى أحزاب قومية كثيرة قبيل خروجه، ثم دعمها بعد خروجه عبر سفاراته في البلاد العربية، ومنها وجود بعض المندسين في صفوف القيادات العسكرية المؤثرة، حيث انتهى الغضب العربي إلى غضب مؤقت سرعان ما ضعف، وصار مجرد شجب، ولعل أقوى غضب وردة فعل في المنطقة العربية، الموقف الشجاع من الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، حيث أوقف تصدير النفط إلى أمريكا وأوربا حتى انتهى الأمر باغتياله بخطة أمريكية كما ذكر الرأي العام من خلال القاتل الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود الذي قتل عمه الملك فيصل رحمه الله، ثم روَّج بعض السياسيين المقربين من الإدارة الأمريكية أن سبب قتله للملك فيصل كان انتقاماً لأخيه الأمير خالد بن مساعد الذي قُتل بالرياض نظراً لقيادته مظاهرات وإضرابات في عهد الملك سعود رحمه الله، وهذا ترويج هزيل، لا مصداقية فيه.
لقد كان موت الملك فيصل رحمه الله ثمناً لوفائه لدينه وأمته وصدقه الجاد واعتراضه على أمريكا ودول أوربا التي دفعت فلسطين لليهود بقوة السلاح والدعم المعنوي.
سمعت الشيخ محمد بن إبراهيم شقرة رحمه الله - وهو من مواليد قرية عين كارم من قُرى قضاء القدس، عام 1934م – يقول : خرجنا لقتال اليهود وكان بعضنا عنده البندق ذات الطلقة والطنج الذي لا تخرج طلقته إلا بأن يستعمله شخصان في آن واحد، ومنا من خرج في بعض الليالي لصد غزو اليهود لبعض القرى الفلسطينية بالسكاكين والعصي واليهود لديهم أسلحة رشاشة ثقيلة حتى أثخنوا فينا القتل قبل وصولنا إليهم".
ورغم التحالفات الإسلامية والعربية في العصر الحديث مع أمريكا والغرب إلا أنها هشة، لم تحفظ حق السلام والاستقرار والأمن في المنطقة العربية والاسلامية، بل يسعى الغرب وأمريكا على الدوام بدفع العجلة لخلخلة الاستقرار والسلام في المنطقة لأجل زرع الأحقاد بين الراعي والرعية وتحويل المنطقة العربية إلى منطقة صراع وأزمات متتالية، بل لم نستفد من هذا السلام على مستوى أدنى الحقوق في الأراضي الفلسطينية ولو على الأقل حق العيش لهذا الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للمجازر والاعتقالات والتشريد وهدم المنازل من قبل السلطات اليهودية على مرأى ومسمع من الغرب وأمريكا، ثم نصدم بقول الأمريكان والغرب - المتكرر بين الحين والآخر -:" إن من حق اليهود الدفاع عن أنفسهم" حيث جعلوا الظالم مظلوماً، والمظلوم ظالماً كي يشعروا العرب أنهم مع اليهود قلباً وقالباً، وهذا منطق سياسة السذاجة الغربية.
يقول ضاحي خلفان: " سياسة أمريكا في المنطقة تهدد الأمن العربي.. وتهدف لتصدير الفكر الإيراني.. وتريد قلب الأنظمة العربية بما يتوافق مع مصلحتها.. وإنه: ليس لها صديق وتحقق أحلام إسرائيل وإيران... وقال: " هذا ليس كلامي فقط بل [ كلام ] كُتَّاب ومفكرين أمريكان، هم من قالوا ذلك، ويقولون إننا نصدر الثورة للوطن العربي".
وقال: "إن السياسية الأمريكية هي سياسية تحقيق مصالح شخصية لهم وليس تحقيق مصالح الشعوب، كما يزعمون، مستدلاً على ذلك بالقضية الفلسطينية التي لا تتحرك فيها أمريكا مطلقاً على الرغم من أن الشعب الفلسطيني مغتصبة أرضه وإرادته، ويتعرض للقتل والقمع والتهجير بشكل يومي منذ عقود تحت سمع وبصر العالم كافة، وقال: "على الرغم من معاناة الشعب الفلسطيني تقف أمريكا ضد إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا يؤكد أنها غير صادقة" ([1]) اهـ
قال الله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
[تم الجزء الأول من هذه السلسلة بحمد الله، وعدد حلقاته (25) حلقة، ويحق لأي شخص أن يطلبها مجاناً من خلال المراسلة، ويليه الجزء الثاني بإذن الله ابتداء بالحلقة رقم 26- ].
أهم المصادر والمراجع
1- الدكتور محمد حرب، مذكرات السلطان عبد الحميد، طبعة دار القلم بدمشق.
2- الدكتور ﻤﺤﺴن ﻤﺤﻤد ﺼﺎﻟﺢ - ﺴﻟﺴﻟﺔ دراﺴﺎت ﻤﻨﻬﺠﻴﺔﻓﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﻔﻟﺴطﻴﻨﻴﺔ - طبعة كولالمبور
3- جمال حسن أحمد- تاريخ القضية الفلسطينية- مخطوط
4- الدكتور صادق بن محمد البيضاني – إلى أين يتجه المسلمون – مخطوط.
5- كوكبرن و جيفرى سانت كلير – كتاب التحالف الاسود - وكالة المخابرات الامريكية والمخدرات والصحافة.
6- معروف الدواليبي - مذكرات الدواليبي.
7- صحيفة اليوم السابع، الأربعاء، 18 فبراير 2015م.
[1] كلمات مقتضبة بعضها مسجلة بصوته وبعضها منشورات صحفية نشرتها صحيفة اليوم السابع الأربعاء، 18 فبراير 2015م.