الجمعة 19 رمضان 1445 هـ || الموافق 29 مارس 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دورة الفقه الاسلامي وادلته    ||    عدد المشاهدات: 8202

خصائص الفقه الإسلامي
(ضمن دورة الفقه الإسلامي وأدلته)
الحلقة (8)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

للفقه الإسلامي خصائص تميزه عن القوانين الوضعية والأحكام العرفية ونحوها مما يتصادم مع الدين الاسلامي المطهر.
والمقصود بالخصيصة : كل شرف رفيع انفرد به الشئ عن غيره عند المقارنة.
فالفقه الإسلامي ليس كالقانون الوضعي أو الأحكام العرفية أو التجريبية أو الانظمة الادارية في القطاعات الحكومية والخاصة, وإنما هو شرعٌ مطهرٌ جاءنا من رب البرية على لسان محمد خير البشرية عليه أزكى الصلاة والتسليم.
ويمكننا في هذا اللقاء أن نذكر أهم تلكم المميزات "الخصائص" في التالي:
الميزة الأولى: أن الفقه الإسلامي خاضع للوحي الالهي.
ولذا فإننا نأخذ هذه الأحكام الوارده في الفقه الإسلامي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإذا كان الحكم من الكتاب والسنة، فاعلم أنه لا نقص فيه، بل فيه الكمال كله, ومن هنا قال الله عز وجل: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"([1]), أما القانون البشري فلا يتميز بشيء لأن هناك قوانين لدى أنظمة أخرى مخالفة له في إطار الحكم نفسه، ولكونه من فعل البشر، ففيه الخطأ والنقص, بدليل أن المادة تصدر ثم تعدل عدة مرات على فترات متفاوتة، فيتميز الفقه الإسلامي بأنه شريعة ربانية ثابتة لا تقبل التغيير لأن مصدره الوحي "الكتاب والسنة".
الميزة الثانية: أن الفقه الإسلامي يشمل جميع ما تحتاجه البشرية في شؤون حياتها الدينية والدنيوية، فهو يشمل ما يلي :
أولاً الأحوال الشخصية: التي تتعلق بالفرد والأسرة والمجتمع، وإيجاد الحلول الإيجابية عند ظهور المشاكل والاختلافات الأسرية والاجتماعية والفردية الشخصية.
ثانياً الأحوال المدنية: وتتعلق بمعاملات الأفراد والمجتمع.
ثالثاً القضايا الدستورية: وهي كل ما يتعلق بالدولة وبالحاكم والمحكوم "الراعي والرعية".
رابعاً الأحكام الدولية: وهي كل ما يتعلق بالدولة الإسلامية مع الدول الأخرى غير الإسلامية، وكيفية بناء علاقات شرعية متينة مع تلكم الدول تصب في مصلحة الاسلام ودولته وعموم المسلمين.
الميزة الثالثة: أن الفقه الاسلام يعالج القضايا الأخلاقية والاقتصادية والمعاملات العامة وفقاً لما يحبه الله ورسوله.
وما من شيء إلا وله أصل في الفقه الإسلامي، إما بدليل منصوص عليه أو بدليل مجمل؛ ولذا قال الله عز وجل: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ"([2]).
ومن شموليته أنه بسط للأمة جميع الأحكام حتى ما لا يخطر ببال الخلق؛ فهذا أبوالدرداء رضى الله عنه يقول: "لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي السَّمَاءِ طَيْرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحِهِ إِلا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا"([3]), وفي صحيح مسلم عن سلمان قال: "قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ([4]). قَالَ فَقَالَ أَجَلْ..."([5]), تأكيدًا لشموليته.
فالإسلام صالح لكل زمان ومكان، فهو الذي كان في العصر النبوي، وهو الدين نفسه إلى قيام الساعة، كما قال الله سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"([6]), وقال سبحانه: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ"([7]).
الميزة الرابعة: أن الله بنى على أحكام الفقه الإسلامي المثوبة, بمعنى لو أن شخصًا عمل واجبًا استحق الثواب، وإن لم يأت بالواجب استحق العقاب، وإن أتى بمحرم استحق العقاب، وإن ترك المحرم استحق الثواب, وإن أتي بالمندوب "المستحب – السنة" استحق الثواب, فعندما يعطي الإسلام العبد المؤمن الثواب لمن عمل، لا شك أنه سيهتم بالعمل الصالح وسيهتم بتطبيق أحكام الفقه وفق الكتاب والسنة, بخلاف الأحكام الوضعية فإنها لا يترتب عليها شيء من الثواب, وإنما من عمل بها سلم من المخالفة, فمثلًا لو وضع المستشار القانوني "المخلوق الضعيف" في السلطة التشريعية في دولة ديمقراطية ما: مادة قانونية معينة فإنه يجعل عقاباً لمن خالفها، فإن نفذها الشخص سلم من العقاب ولا ثواب على عملها بخلاف شريعة الاسلام كما تقدم, لأن الإسلام جاء ليقول للبشرية جميعًا وخاصة المسلمين منهم: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا"([8]).
الميزة الخامسة: أن الفقه الإسلامي محفوظ بحفظ الله.
فقد حفظه الله بنصوص ربانية في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولذا لا يتبدل ولا يتغير، بل يبقى الحكم الذي كان صالحًا في عصر رسول الله صالحًا في عصرنا الحاضر, وقد يقول قائل: إن بعض المسائل تكون عارضة لا دليل عليها في الكتاب والسنة فنقول: نعم؛ لكنها ترجع إلى أصل من مجمل الأدلة الشرعية ( راجع الحلقة رقم "3" من هذه الدراسة).
وقد يقول آخر: إن المجتهد قد يخالف نصًا شرعيُا فنقول: نعم, إذا اقتضت المصلحة؛ فالإسلام بُني على المصالح ودرء المفاسد، وقد قلنا سابقاً: إن الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها جاءت لتحقيق المصالح للعباد وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ولو كان في هذه الشريعة شيء خلاف المصلحة، لم يصح وصفها بأنها شريعة سمحة مطهرة، ولكن هذا الذي قد يخالف النص لا يكون إلا عالماً ربانياً مجتهداً كبير القدر، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما فتح جنده - في عهده - بلاد فارس أرسى لهم مبدأ الرواتب ومنعهم من أخذ الغنيمة التي ورد فيها النص "للراجل سهم واحد وللراكب ثلاثة أسهم" باعتبارهم موظفين في الدولة الاسلامية، فوافقه الصحابة فكان إجماعاً نظراً للمصلحة الشرعية، وأمثلة أخرى كثيرة يطول بسطها.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
___________
([1]) سورة المائدة, الآية (3).
([2]) سورة الأنعام, الآية (38).
([3]) أخرجه أبو يعلى في مسنده من حديث عويمر بن مالك.
([4]) التخلي والقعود للحاجة والتنظف منها.
([5]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سلمان الفارسي.
([6]) سورة آل عمران, الآية (85).
([7]) سورة آل عمران, الآية (19).
([8]) سورة فصلت, الآية (46).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام