الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 هـ || الموافق 3 دجنبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات شرعية موجزة حول شبهات التكفيريين    ||    عدد المشاهدات: 5503

قول التكفيريين: القول بأن الجهاد هو جهاد الدعوة والتربية وليس القتال، فيه تحريف لمعنى الجهاد.

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (20) قبل الأخيرة

بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

الجواب على هذه الشبهة: أنه لم يقل أحد من أهل العلم إن الجهاد محصور بجهاد الدعوة وجهاد النفس والتصفية والتربية، وإنما قالوا التصفية والتربية الصحيحة سبيل ممهد لرص الصفوف وجهاد العدو، وبها بدأ الإسلام ولحاجة الأمة إليها اليوم لكن فهمكم لكلام العلماء خطأ- لقلة علمكم وسرعة ردة فعلكم لذا جعلكم تحكمون على العلماء بأنهم حصروا الجهاد في التصفية والتربية وهذا فهمكم لا فهم العلماء.

التربية الصحيحة منهج نبوي معتبر ومقدمٌ على جهاد وقتال الكفار، لكن لا يعني تعطيل الجهاد، وقد بدأ بها النبي عليه الصلاة والسلام حيث قام بتربية أصحابه تربيةً إيمانية روحية قبل أن يشرع في الجهاد، وقد قضى في سبيل تربية الأصحاب قبل الشروع في الجهاد ثلاثة عشر سنة، ولم يكتفِ بذلك بل عاش معهم مربياً حتى توفاه الله ، فلما مات عليه الصلاة والسلام وتوالت القرون وتغيرت المفاهيم، كان لزاماً على علماء الإسلام أن يدعوا الناس جميعاً إلى الاقتداء بهذا المنهج النبوي الكريم، فكان من ذلك مقولة بعض علمائنا ”حاجتنا اليوم إلى جهاد الدعوة والتربية أشد من حاجتنا إلى جهاد العدو” ومعنى ذلك أن تربية النفس وتهذيبها وتعويدها على المنهج النبوي السليم أساس لنجاحنا في بدء جهاد العدو، ولا يعني أن قتال العدو أمر مرفوض؛ إذ لم يقل ذلك أحد من أهل العلم، بل هو فهمُ من لا خلاق له في العلم والإنصاف.

إن القصد من التربية: تصحيح المفاهيم والعقائد وإصلاح ذات البين وجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة والتدرج في الأمور حسب مقتضى التشريع، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبدأ جهاد العدو حتى حقق ذلك كله، وهذا ما نفتقده في العصر الحاضر، ولا يعني ذلك ألا جهاد حتى يصير إيمان الناس في عصرنا الحاضر وأخوتهم بمثل ما كان عليه الصحابة سواء بسواء، وإنما المقصود تربية وتصفية تؤدي لإمكانية مواجهة العدو وفقاً لشروط الجهاد الشرعية.

قال الزرقاني رحمه الله: “لم يُشرع الجهاد دفاعاً في صدر الإسلام على الرغم من أن الأذى كان يصب على المسلمين من أعدائهم صبًّا، بل كان الله يأمر بالعفو والصفح ، ومن ذلك قوله سبحانه في سورة البقرة ”وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“([1]) فكانت أمراً صريحاً لهم بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره فيهم من القتال، ويتضمن ذلك النهي عن القتال حتى يأتي أمر الله، ثم شرع القتال دفاعاً في السنة الثانية من الهجرة”([2])”اهـ

قال الشيخ عبد العزيز بن باز: “ونبينا عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله مكث في مكة بضعة عشر عاماً يدعو إلى الله عز وجل ولم يكن هناك جهاد بالسيف ، ولكنه الدعوة والتبشير بالإسلام، وقد أنكر قومه دعوته وآذوه وآذوا أصحابه ، ولكنه صبر على ذلك عليه الصلاة والسلام وكان مستتراً بها أولاً ثم أمره الله بالصدع فأظهر الدعوة وصبر على الأذى وهكذا أصحابه،… وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقرأ عليهم القرآن ويبين لهم ما أشكل عليهم فيتقبلون الحق ويرضون به ويدخلون في دين الله جل وعلا، ثم انتشر الإسلام والدعوة إليه في القبائل والبادية والقرى المجاورة لمكة بسبب الدعوة، وبسبب ما يسمعونه من الصحابة الذين أسلموا وأجابوا النبي عليه الصلاة والسلام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج كل عام، يطلب منهم أن يجيبوه وأن يؤوه وأن ينصروه حتى يبلغ رسالة ربه -عليه الصلاة والسلام- فلم يقدر الله سبحانه ذلك إلا للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم..، وهكذا المسلمون الذين أسلموا من الحاضرة والبادية نشروا الإسلام بالدعوة ومن جملتهم أبو ذر الغفاري وعمرو بن عبسة السلمي وغيرهما ، ثم شرع الله الجهاد على أطوار ثلاثة: أولاً: أذن فيه، ثم أمروا أن يقاتلوا من قاتلهم ويكفوا عمن كف عنهم، ثم شرع الله الجهاد العام طلباً ودفاعاً ، وهذه الأطوار باقية على حسب ضعف المسلمين وقوتهم فإذا قوي المسلمون وجب عليهم الجهاد طلبا ودفاعا، وإذا ضعفوا عن ذلك وجب عليهم الدفاع وسقط عنهم الطلب حتى يقدروا ويستطيعوا”([3])”.

ومن المعلوم أن المسلمين اليوم ضعفاء والعدو ظاهر عليهم، فهم عاجزون عن مقاتلة العدو فلا تكليف عليهم حتى يقدروا ويستطيعوا، ولا يتم ذلك إلا بعودتهم إلى سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام ليحتذوا بذلك حذو القذة بالقذة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وإلا كانت أعمالهم وبالاً عليهم.

ثم الجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس. وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: ”وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ” ([4])، وإذا تأملنا هذه الثلاثة لوجدنا أن من يدعو إلى جهاد العدو لا يعمل بمقتضى جهاد النفس والشيطان إذ من مقتضاهما دفع كل ما كان مخالفاً للهدي النبوي الشريف، ومن ذلك ما يدور في أذهانهم من المداخل الشيطانية من تكفيرهم لولاتهم والخروج عليهم وتضليل علماء الأمة والمجتمعات الإسلامية ونحوها من أهواء النفس والشيطان، ومن كان مبتلى بذلك كان عاجزاً عن نصرة الدين ومحاربة الكافرين، لأن من لم يصبر على هوى النفس عجز عن الصبر أمام العدو.

“وذلك لأن الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غلب لكان لضعف إيمانه فيكون مفرطا بترك المأمور”([5]).

والحاصل: أنه لا بد أولاً من تربية المسلمين تربية صحيحة قبل محاربة العدو على أن تكون التربية في كافة النواحي العقدية والشرعية والسلوكية، فإذا صحت التربية الإيمانية استطعنا أن نتوحد لنحارب عدونا ولو كان سلاحنا دونهم، فالمسلمون اليوم غير قادرين على المواجهة لسوء التربية، ولتفرقهم وبعدهم عن العلم الشرعي الصحيح الذي يكفل لهم السير على المنهج النبوي القويم، وطالما وأننا ضعفاء والعدو ظاهرٌ علينا فإن محاولة مقاتلة العدو ونحن على هذه الحالة المزرية يوقعنا في أعظم المفاسد التي تجلب الويلات على أهل الإسلام لضعفهم ” فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين”([6]).

ولنأخذ مثالاً حياً من واقعنا الأليم:

ما حلَّ بإخواننا المجاهدين في أفغانستان والشيشان وغيرهما من الفشل بسبب سوء تربية كثيرٍ من القادة الأفغان فضلاً عن الجند؛ حيث أصبحوا لقمة سائغة للعدو بعد أن كان الظفر حليفهم لولا عُدولُهم عن المنهج النبوي الكريم واختلافهم فيما بينهم.

سئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي : يقول البعض‏:‏ إن ذهاب ثمرة الجهاد الأفغاني هو نتيجة طبيعية لعدم اعتماد المنهج الصحيح، ما ردكم‏؟

فأجاب: قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ”‏مَن قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله‏”([7])‏، فما خرج عن هذا الضابط من أنواع القتال فهو ليس في سبيل الله، وبالتالي تكون نتيجته الفشل، وما يحصل عند الأفغانيين الآن لا بد أنه نتيجة خلل حاصل، والواجب عليهم مراجعة أنفسهم والرجوع إلى الحق والاحتكام إلى الكتاب والسّنّة، قال الله تعالى‏:‏ ‏”‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏“([8]).

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم

 —— الحواشي ——

([1])  سورة البقرة ، الآية رقم (109).

([2])  مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني (1/73).

([3])  فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (6/15).

([4])  سورة الحج، آية (78).

([5])  مجموع فتاوى ابن تيمية (10/636).

([6])  الصارم المسلول لابن تيمية (2/412-414).

([7])  أخرجه البخاري في ‏”‏صحيحه‏”‏ ‏(‏3/206‏)‏ من حديث أبي موسى رضي الله عنه‏.‏‏

([8])  المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (1/250)، والآية رقم (1) من سورة ‏الأنفال‏.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام