تعريف الحديث المتروك والمنكر
الحلقة (23)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب الطعن في الراوي، فأقول وبالله التوفيق:
الثاني: الحديث المتروك وهو حديث الراوي الذي اتهم بالكذب كحديث "إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأنَّ معي أحد" أخرجه الدارقطني في السنن.
وقال: تفرد به زكريا الوقار وهو منكر الحديث متروك.
فالراوي إذا طعنوا في عدالته وقالوا: متروك، فحديثه يُسمى بـ: الحديث المتروك.
الثالث: الحديث المنكر وهو حديث الراوي المطعون فيه بفسق أو فحش غلط أو غفلة.
وهو غير المتروك تماماً، ومثاله حديث "الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدي الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك" أخرجه الترمذي في جامعه.
وفي إسناده: عمرو بن واقد وهو: منكر الحديث.
لكن قد يطلق على الشخص بأنه منكر الحديث متروك، فتكون النكارة بسبب فسقه أو فحش غلطه أو غفلته، ويكون ترك حديثه بسبب أنه اتهم أيضاً بالكذب.
ولذا قال الحافظ في تقريبه: بشر بن نمير القشيري بصري متروك متهم.
وقال عن حمزة بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي: متروك متهم بالوضع.
وأمثلة كثيرة غير ما ذكرنا.
فإذا خالف منكرُ الحديث الثقة في حديثه فحديثه منكر، وحديث الثقة معروف. سواء كان منكر الحديث أو ضعيفاً مطعوناً بأي طعن من الطعون الأخرى غير وصمة النكارة.
ولتوضيح ذلك بعبارة شاملة نقول:
المنكر: أن يَرْوِيْ الراوي الضعيفُ حديثاً مخالفاً لما رواه مَنْ تقبل روايته، وتكون النكارة في السند والمتن.
مثالها في السند:
ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (2/182): من طريق حُبيب بضم الحاء المهملة وتشديد التحتية بين موحدتين أولاهما مفتوحة ابن حَبيب بفتح المهملة بوزن كريم أخى حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحجَّ وصام وقَرَى الضيف دخل الجنة".
قال أبو حاتم: هو منكر، لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً وهو المعروف ([1]).
قلت: ولما كان حُبيبٌ ضعيفاً، خالف الثقات استحق ما رواه أن يكون منكراً.
ومثاله في المتن:
ما أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط من رواية سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى، وانتفوا الآباط وأحدُّوا الفلقتين"([2]).
فالمعروف ما أخرجه مسلم وغيره برواية الثقات دون زيادة: "وانتفوا الآباط، واحدُّوا الفلقتين" فهي زيادة منكرة.
وقد زادها في المتن: سليمان اليمامي وهو ضعيف، وخالف غيره من الثقات الذين لم يذكروها.
والمنكر هنا غير ما قيل فيه: منكر الحديث أو يروي المناكير أو له مناكير أو ربما أتى بالمناكير ونحوها، إذ قد يقال في الرجل الثقة يروي المناكير ولا يعد ذلك جرحاً للراوي وإنما لروايته إن خالفت ما عليه الثقات.
ومثاله: إبراهيم بن المنذر الحزامي
قال الحافظ في التهذيب: " قال النسائي: ليس به بأس.
وقال الساجي: بلغني أن أحمد كان يتكلم فيه ويذمه وكان قدم إلى ابن أبي داود قاصداً من المدينة، وعنده مناكير.
قال الخطيب: أما المناكير فقلَّما توجد في حديثه إلا أن يكون عن المجهولين، ومع هذا فإن يحيى بن معين وغيره من الحفاظ كانوا يرضونه ويوثقونه" اهـ
قلت: وهو من رجال البخاري ولذا قبلوا حديثه، وأخرج له في صحيحه مما لم يُنكر عليه فليتنبه لهذا الأمر.
ومثال آخر: بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبو بردة من رجال الأمهات الست.
ذكر الحافظ في التهذيب فقال: "قال ابن معين والعجلي ثقة.
وقال أحمد بن حنبل: يروي مناكير، وطلحة بن يحيى أحب إليَّ منه" اهــ
ومع كل ذلك فحديثه مخرج في الصحيحين.
وقد قال الذهبي كما في الميزان: "ما كل من روى المناكير يضعف".
ويقصد -رحمه الله- حتى يتبين أنه من مناكيره.
وهناك تفصيل دقيق وخلاف يسير نوضحه فوق ما ذكرنا لتمام الفائدة في قولهم في الراوي: منكر الحديث، فأقول وبالله التوفيق:
يستعمله البخاري ويعني به: أنه متهم، ويطلقه على الراوي الضعيف، وعليه درج عامة المتأخرين.
قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 373): " قال ابن دقيق العيد قولهم روى مناكير، لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه ، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة" اهـ
وأما الإمام أحمد فكثيراً ما يطلق منكر الحديث على الفرد الذي لا متابع له، فمذهبه غير مذهب المتأخرين، لأن المتأخرين يعدون ذلك جرحاً في الراوي، وأحمد يعده مما يحتاج إلى متابع فيما انفرد فيه وإن كان ثقة.
لذا يجب أن يقف الباحث على ألفاظ أئمة الجرح والتعديل، وأن يحمل أقوالهم على محملها الصحيح حسبَ مقصد المتكلم، وهذا يعني: حاجة الباحث إلى النَّفَس الطويل.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
([1]) ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مصدر سابق ، (ص99).
([2]) تُطلق الفلقتان في اللغة على القطعتين من الشئ بعد الفلق، وعند ابن عدي وغيره بلفظ: "وأَحِدُّوا القلفتين" وهو أصح في اللغة كما بيناه في كتابنا شمس الضحى في حكم الأخذ من اللحى.