الحلول المقترحة والتوصيات لولاة الأمر فيما يتعلق بالمتأثرين بالفكر الخارجي
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (21) والأخيرة
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
تكلمت في مقالات سابقة عن شبهات المتأثرين بالفكر الخارجي، وأجبت عن شبهاتهم بما رأيت أنه كافٍ لدحضها، معتمداً على نصوص الكتاب والسنة وكلمات كبار علماء الأمة قديماً وحديثاً، وواقع التكفيريين في القديم والحديث، ويطيب لي في هذا المقال أن أضع بعض الحلول التي يمكن أن تعالج هذا الفكر أو تخفف من انتشاره وحدته، من خلال هذه المقترحات التي أوجهها لولاة الأمر باعتبار أنهم مسؤولون أمام الله عن الرعية باختلاف مشاربهم وأفكارهم
أولاً يجب أن يعلم ولاة أمر المسلمين أن الخوارج في العصر الحديث بل وغيرهم من الناس ينقمون عليهم قضايا مهمة لزم ولاة الأمر النظر فيها بعين الاعتبار وإصلاحها وفق الشرع المطهر، وهذه القضايا منها ما هو ملموس عند بعض ولاة الأمر او في دولهم ، بينما البعض الآخر عند ولاة آخرين أو في دولهم، وعلى كل حال فليس ولاة أمر المسلمين أو دولهم اليوم على وتيرة واحدة.
وقد كتب لي بعضهم قضايا منكرة، ووصلتني قضايا أخرى من آخرين، ومثل هذه الأمور يجب ألا تخفى على ولاة الأمر، بل يجب عليهم أن يعلموها ويتدارسوها، فمن كان عنده شئ منها أو في دولته فيلزمه شرعاً معالجتها على ضوء الكتاب والسنة، فالدنيا قليلة والآخرة خير وأبقى، وعلاج مثل هذه الأمور سبب في كسب حب الرعية لولاتهم، وأيضاً علاج للفكر الخارجي ووأده، أو على الأقل تخفيف حدته، والحيلولة من انتشاره، فإن الخوارج لم يخرجوا في واقع الأمر إلا حميةً للإسلام وأهله بغض النظر عن خطأ خروجهم وقسوة تصرفاتهم، وتتلخص هذه الأمور في التالي:
1- انتشار الفساد وممارسته في الدول الإسلامية على مرآ ومسمع من الولاة.
2- امتلاك بعض التجار شركات الخمور ورخصة بيعها وشربها، والإتجار في المخدرات، ودور الدعارة والقمار ونحوها.
3- وضع برامج تعليمية تربي على النظم العلمانية واللبرالية والأحكام الكفرية.
4- تشجيع الاختلاط والتبرج والمجون والموسيقى وحفلات الرقص والغناء، والعلاقات المحرمة بين الشباب والشابات وتسهيل العلاقة بين الفتيان والفتيات.
5- سنن قوانين تتصادم مع الشريعة الإسلامية، وسن أخرى لحماية الفجور والفسق والفساد والتضييق على أهل الدين في تطبيق دينهم في حياتهم الشخصية كالتضييق على المحجبات والملتحيين وحرمانهم من الوظائف.
6- تطبيق العلمانية قولاً وفعلاً أو مضموناً.
7- السخرية من مظاهر الدين كلباس المرأة واللحية وباقي السنن المعلومة من الدين بالضرورة.
8- الاستيلاء على بعض ثروات المسلمين وتوزيعها بين ذويهم.
9- إعطاء رشاوي عظيمة للكافرين لحماية عروشهم.
10- تمويل بعض الظلمة أو أكثرهم للبقاء على رأس السلطة في بلاد المسلمين.
11- حماية بعض الظلمة للبقاء على رأس السلطة إذا أطيح به.
12- تمويل حملات التدخل العسكري الأجنبي غير المسلم في بلاد المسلمين.
13- خذلان المسلمين إذا داهمهم كافر بالتقتيل والتهجير والتشريد إلا ما شاء الله.
14- صدر مرارا من بعضهم مولاة الأقليات الكافرة أو الأكثرية ضد المسلمين.
15- تمويل ما يشغل الشباب المسلم من نشر المخدرات والخمور، والمهرجانات الموسيقية والغنائية والأفلام الخليعة ونحوها من المحرمات شرعاً.
16- تمويل ما يساهم في تخلف المسلمين والحط من هممهم والسعي في انتكاسهم وتثبيطهم عن الرقي.
17- تمويل الصوفية، والرافضة بل فيهم من يقدم الذبائح للقبور حفاظا على ظاهرة الشرك والغوغاء.
18- تعفين الإعلام بما لا يخفى على الصغير والكبير على المستوى الحكومي وغير الحكومي ومن ذلك وجود بعض القنوات المفسدة ومنهم من يمولها، ومنها قنوات إخبارية سياسية تتعاطف مع القضايا الصهيونية والقضايا التي تضر المجتمع وربما حاربت الإسلام والمسلمين.
19- إنشاء البنوك والمؤسسات والشركات الربوية والترخيص لها.
20- الترخيص لفتح النوادي الليلية والفنادق التي يوجد في بعضها الخمور والمحرمات، وربما الدعارة من زنا وغيره.
21- تعطيل أحكام الشرع كتعطيل الحدود، والأمر بحلق اللحى أو تخفيفها وخصوصاً في مؤسسات بعض الدول العربية، وبالأخص المؤسسة العسكرية.
22- الموالاة لأعداء الله في الظاهر، وتمجيد الديمقراطية والقوميات العربية، ونحوها من القضايا التي حرمها الشرع، وكل ذلك على مرأى ومسمع من ولاة الأمر.
وما سبق أمثلة وما غاب لا يخفى على ولاة الأمر وغيرهم من الشعوب.
ثانياً: يجب على ولاة الأمر تكوين لجنة علمية من العلماء والدعاة المصلحين المشفقين على هذه الأمة لفتح باب الحوار مع أصحاب هذا الفكر، بحيث يُعرف أعضاء اللجنة بالعلم الصحيح والمعتقد السليم والمنهج القويم، ويُعرفون بالرحمة والشفقة، وحب الهداية للمخالفين، واللين في تعاملهم مع المخالف باعتبار أن هؤلاء الشباب إخوانٌ لنا وقعوا في فكر مخالف يحتاج إلى معالج مشفق رحيم بهم، لعل الله أن يهديهم ويصلحهم، فبهدايتهم يحصل خير كبير للأمة وللدول الإسلامية وولاتها، وهم أحوج ما يكونون إلى الرفق، فإن مقابلة العنف بالعنف يولد انفجاراً وردة فعل أعنف، ومقابلة العنف باللين يُولد قبولاً للحق كيما كان.
وفي الحديث: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه»([1])، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»([2])، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه»([3])، وقد قيل: «العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيّمه، والرفق والده، واللين أخوه، والصبر أمير جنوده»([4]).
ولذا ينبغي للحكومات الإسلامية أن تخطو بنحو ذلك، بدلاً من استعمال أساليب العنف التي تولد الانفجار وانتشار دعوتهم في صفوف من يدعي الحمية والنصرة، فإنهم يتكاثرون يوماً بعد يوم، ويحصلون على دعم سخي بطرق غير مباشرة من أكثر من جهة، وربما من الأعداء لزعزعة الأمن والاستقرار في الدويلات الإسلامية، فلا تغتروا بطائرات أمريكا التي بغير طيارها ضد تنظيم القاعدة أو داعش أو أنصار الشريعة أو غيرها من التنظيمات في بعض الأماكن دون الأماكن الأخرى، فإن أمريكا لا تلجأ إلى استعمال القوة مع هؤلاء الطائشين إلا عند رجحان مصلحتها.
ثالثاً: ينبغي لولاة الأمر إصدار العفو العام عن المغرر بهم ممن تم القبض عليهم مع عمل تعهد خطي في ألا يعود من ثبتت تهمته.
وقد تكرر العفو من حكومة المملكة حتى أعذروا إلى الله، ثم إلى الناس، وقد كان دواءً نافعاً لبعض الشباب الذين راجعوا أنفسهم وعادوا إلى رشدهم، إلا أن بعض الطائشين ممن شملهم العفو عادوا إلى الفكر حتى تمادوا فيه.
رابعاً: يجب على محققي الأمن والمباحث أن يتعاملوا مع السجناء منهم تعاملاً شرعياً من غير تعنيف، حتى يشعر أصحاب هذا الفكر أن هؤلاء المحققين إخوان لهم، يجمعهم الدين وحب الأمن والاستقرار، حتى يتسبب هذا التعامل الشرعي في عودتهم إلى الجادة.
خامساً: يجب أن يستغل مدراء السجون ومحققوه وأفراده دخول هؤلاء الذين تم القبض عليهم بحسن استقبالهم وإشعارهم أنهم إخوانهم وأن يساعدوهم على المحافظة على الصلاة في وقتها جماعة، وأن يربطوهم بشكل يومي بإدارة التوجيه الديني في السجون وبلجان التوعية مع فتح المجال للسماع لهم لينفسوا عما في صدورهم حول ما يمقتون على الحكومة لمعرفة الداء وموضعه، حتى يتم رفع التقارير للجنة العلمية المكلفة بحوارهم لتوجيههم بطرق صحيحة.
سادساً: في حال استخدمت الدولة كافة الوسائل المتقدمة ومضى عليها فترة زمنية كافية، ولم ينفع مع بعضهم الإحسان واللطف والوعظ، فيلزم إحالة ملفاتهم للمحاكم الشرعية، ثم تُنفذ فيهم الأحكام الشرعية من سجن ونحوه، ولا يعني أن الأحكام إذا ظهرت في المحكومين انعدم الإحسان معهم والتلطف والحوار والتوجيه، بل هذا مطلوب شرعاً حتى وان استمر المتهم في فكره وغيه، فالتعامل الشرعي شيء، وإقامة الأحكام التي تقررها المحاكم الشرعية شيء آخر.
سابعاً: ألا يكون دور اللجان ضد هذا الفكر محصوراً لدى السجون وإدارات الأمن والمباحث، بل لا بد أن يتعدى ليصل كافة الميادين على مستوى الوزارات والهيئات والمساجد والجامعات والمدارس والأندية الشبابية والإعلامية المقروءة والمسموعة، وأن يحذروا من حرية الصحافة في هذا الباب، الذي فيه ” الجمر تحت الرماد” بحيث لا يكتب في هذا المجال من يوقد الفتنة ويشعلها من خلال تقريره الصحفي أو مقاله، بل لا بد من اختيار من يحسن إطفاء الفتنة وإخمادها من الدعاة والصحفيين والكتَّاب بأحسن الأساليب وأرحمها، حتى لا يوغر الصدور ويؤجج الفتن في مجتمعاتنا المحافظة، لأن المغزى من المقال أو التقرير الصحفي معالجة الداء وليس زراعته أو تقويته.
ثامناً: إدخال موضوع خطر الفكر الخارجي ضمن المناهج الدراسية والدورات التأهيلية لكافة أبناء الدولة بأوجز العبارات مدعومة بالأدلة من الكتاب والسنة.
تاسعاً: عمل بعض البرامج المرئية والمسموعة من خلال استضافة بعض الشخصيات التائبة من هذا الفكر، مع إظهار حسن التعامل مع التائب من خلال البرنامج، وأن يكون مقدم البرنامج شخصاً فطناً يحتوي كل من يشاهد أو يسمع برنامجه بحسن تعامله مع الضيف، مشعراً المشاهدين والمستمعين أن أصحاب هذا الفكر إخوان لنا، لولا ما يحملونه من الأفكار التي تتصادم مع الشريعة السمحة، بحيث لا يُظْهِر مقدم البرنامج التحامل على الضيف التائب من خلال برنامجه، بل ينقد بطريقة محببة للنفوس ليكسب التائب والجمهور المشاهد أو المستمع.
وأخيراً أقول:
إن احتواء أصحاب هذا الفكر بشتى الوسائل الصحيحة والحكيمة دليلٌ على نجاح الدولة وولاتها، ولنا في نبي الله هارون عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فإنه لمَّا قال لأخيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام: ”فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ“([5]) أرسى مبدأ احتواء الخلاف وكيفية علاج قضايا الأمة بعيداً عن تدخل الأعداء وسياساتهم الخبيثة القائمة على زرع الفتن والقلاقل بين الراعي والرعية، والله أعلى وأعلم، وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
[ تمت هذه الدراسة بحمد الله، ويحق لأي شخص أن يطلب حلقاتها ال21 حلقة مجاناً من خلال المراسلة].
([1]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه.
([3]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة.
([4]) بنحوه في: نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن علي بن الحسن أبو عبد الله الحكيم الترمذي (3/186).
([5])سورة الأعراف، الآية رقم (150)