مراتب وألفاظ تعديل الرواة
الحلقة (36)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
هذا من أهم الأبواب في علم الحديث لكونه ثمرة هذا العلم والمرقاة الكبيرة منه، وقد رتب ألفاظه وقواعده أئمة الجرح والتعديل، وإليكها مفصلة كما لخصها السخاوي وغيره من المتأخرين:
أولاً مراتب ألفاظ التعديل:
الأولى: ما أتى بصيغه أَفْعَل كأن يُقال أوثق الخلق، وأثبت الناس أو نحوهما مثل قول هشام بن حسان حدثني أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين، ويلحق بها قولهم: إليه المنتهى في التثبت، وقولهم فلان لا يسأل عن مثله ونحو ذلك.
الثانية: ما تكرر مع تباين الألفاظ كثقة ثبت، أو ثبت حجة، ولو تكرر بلفظه كثقة ثقة، أو ثبت ثبت لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الخالي منه.
الثالثة: ما زاد على مرتين يكون أعلى من السابقة كقول ابن سعد في شعبة ثقة مأمون ثبت حجه صاحب حديث.
وأكثر ما تكرر في هذا الباب قول ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقةً ثقة، يكررها: تسع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه.
الرابعة: قولهم : ثقة أو ثبت.
ومن صيغ هذه المرتبة: قولهم كأنه مصحف، أو فلان متقن حجة أو ضابط.
وليس قولهم: فلان حافظ يدل على معنى هذه المرتبة إلا بقرينة فقد كان أبو أيوب سليمان بن داود الشاكوذي من الحفاظ الكبار إلا أنه كان يتهم بشرب النبيذ وبالوضع حتى قال البخاري هو أضعف عندي من كل ضعيف.
الخامسة: قولهم ليس به بأس، أو لا بأس به، أو صدوق، يعني وصف بالصدق على طريق المبالغة لا محله الصدق، وإن أدرجها ابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح هنا بمثلها ونحوها، ومن ذلك أو قريب منها: مأمون أو هو من خيار الخلق.
ومما ينبغي التنبيه له: أن لفظ "صدوق" وما قبلها في هذه المرتبة: مما يُحسن حديثه عند المتأخرين كابن حجر ومن نحا نحوه من تلامذته ومن أتى بعدهم من جمهور أهل التحقيق، وأما المتقدمون فيطلقون الصدوق ولا بأس به، وليس به بأس وحسن الحديث ونحوها من الألفاظ على من يُعتبر حديثه، وهو ما يُعرف عند المتأخرين بالصالح في الشواهد والمتابعات وإن كان عندهم أي المتأخرين بهذه العبارات حسناً لذاته.
السادسة: محله الصدق خلافاً لابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح وتبعاً للذهبي، ورووا عنه، أو روى الناس عنه، أو يُروى عنه أو إلى الصدق ما هو -يعني أنه ليس بعيداً عن الصدق- وكذا شيخ وسط، أو وسط فحسب أي بدون شيخ، أو شيخ فقط أي بدون وسط، ولم يذكر ابن الصلاح تبعاً لابن أبي حاتم في هذه المرتبة التي هي عندهما ثالثة غيرهما، نعم زاد عليها وسط.
وروى الناس عنه، ومقارب الحديث لكن لم يرتبها، ومنها أيضاً صالح الحديث وهي عندهما الرابعة.
وكان ابن مهدي ربما جرى ذكر الرجل فيه ضعف وهو صدوق فيقول صالح الحديث، وهذا يقتضي أنها هي والوصف بصدوق عند ابن مهدي سواء.
ومنها: يعتبر به أي في المتابعات والشواهد، أو يكتب حديثه، أو مقاربه أي الحديث من القرب ضد البعد وهو بكسر الراء كما ضُبِط في الأصول الصحيحة من كتاب ابن الصلاح المسموعة عليه وكذا ضبطهما النووي في مختصريه وابن الجوزي، ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، أو جيد أي الحديث من الجودة، أو حسنه، أو مقاربه بفتح الراء أي حديث يقاربه حديث غيره فهو على المعتمد بالكسر والفتح وسط لا ينتهي إلى درجه السقوط ولا الجلالة.
ومعناها يقارب الناس في حديثه ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر، ومنه ما قاله الترمذي في آخر باب من فضائل الجهاد من جامعه وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع فقال: ضعفه بعض أهل الحديث وسمعت محمداً يعني البخاري يقول: هو ثقة مقارب الحديث.
ومنها ما أقرب حديثه، أو صويلح، أو صدوق إن شاء الله، أو أرجو بأن ليس به بأس.
فهذه المرتبة في الجملة حسب قواعد المتقدمين والمتأخرين صالحة في الشواهد والمتابعات.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.