تخريج الأحاديث الصحيحة والضعيفة في الخليفة القحطاني
الحلقة (2)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
بعد تلكم المقدمة المهمة التي سلفت في الحلقة الأولى، إليكم بيان ما جاء في الخليفة القحطاني من الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، والحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه.
وله شاهد عن ابن عمر عند الطبراني في المعجم الكبير مرفوعاً بلفظ: "ليسوقن الرجل من قحطان الناس بعصا"، إلا أنه من رواية سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، فهو معل بسلمة لكونه ضعيفاً وحديثه صالح في الاعتبارات، وأيضاً ابن اسحاق مدلس وقد عنعنه ولم يصرح فيه بالتحديث، وهذه علة أخرى، فالحديث صحيح من حديث أبي هريرة، وضعيف من حديث ابن عمر.
الحديث الثاني: أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية – وهم عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه " سيكون ملك من قحطان"، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين"، ولا يفيد انكاره إلا لكونه قد خفي عليه حديث أبي هريرة المتقدم، ومما ينبغي أن أشير إليه أنه لا يلزم أن كل صحابي قد علم كل أحاديث الرسول الكريم فإن الصحابي يحدث بما سمع إذا حضر مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا غاب فلن يحدث بما لم يسمع إلا بواسطة صحابي آخر حضر مجلس الحديث، فالصحابة يجهلون ويعلمون، وقد ينكر الواحد منهم حديثاً ما إذا لم يسمعه من قبل كما حصل من بعض الصحابة كأبي هريرة وعائشة وعمر ومعاوية وغيرهم، لكن لا يعني أنه يرده وإنما يتفاجئ به من أول وهلة لكونه لم يسمعه مباشرة من الرسول الكريم، وهذه طبيعة بشرية، ومثل ذلك لا يكون مخلاً بعدالة الصحابي بإجماع المسلمين، وهم خيرٌ منا وقد امتدحهم الله بقوله: "رضي الله عنهم ورضوا عنه".
الحديث الثالث: أخرج الطبراني في المعجم الكبير وابن منده في المعرفة وابن عساكر في تاريخ دمشق والطيالسي في مسنده، ونعيم بن حماد في الفتن وغيرهم عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملا الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يُؤمر القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه".
قلت: هذا حديث ضعيف جداً، وهو معل بالمجاهيل.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 190): "رواه الطبراني ، وفيه جماعة لم أعرفهم".
وقد حكم عليه شيخنا الألباني بالوضع كما في ضعيف الجامع الصغير برقم (3305).
الحديث الرابع: أخرج نعيم بن حماد في الفتن حديثاً موضوعاً عن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء الأمراء، وبعد الأمراء الملوك، وبعد الملوك الجبابرة، وبعد الجبابرة رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا، ومن بعده القحطاني، والذي بعثني بالحق ما هو دونه".
قلت: وهو ضعيف جداً، وهو إلى الوضع أقرب.
وأصل هذا الحديث هو الحديث الثالث المتقدم عند الطبراني إلا أن نعيماً أخرجه من حديثه عن ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي.
وابن لهيعة ضعيف، وعبد الرحمن مجهول، ولا يروي إلا عن أبيه عن جده، وقد سقط أبوه وجده.
وأبوه قيس بن جابر الصدفي مجهول، فلا يصح الحديث بأي حال.
الحديث الخامس: أخرج ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( في حديث طويل): "فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في في الحية فلا تضره وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها".
قلت: وهذا حديث ضعيف، وآفته علتان:
العلة الأولى: في إسناده إسماعيل بن رافع وهو متروك الحديث.
العلة الثانية: عمرو بن عبد الله الحضرمي، حديثه صالح في الشواهد والمتابعات، وليس هذا منها، ولم يرو عنه غير أبي زرعة السيباني، ولم يوثقه سوى ابن حبان وهو مشهور بتوثيق المجاهيل كما لا يخفى على حذاق هذه الصناعة، ولذا قال الحافظ عنه: " مقبول".
وقد تعجبت للحافظ ابن حجر تصحيحه لهذا الحديث كما في فتح الباري.
وهذا التصحيح من أوهامه رحمه الله فإنه رحمه الله لا يحتج بحديث إسماعيل بن رافع، ولا بحديث عمرو بن عبد الله السيباني الحضرمي كما في تقريبه لكنه عنَّ لي: أن الحافظ يقصد بتصحيحه من حيث الاجمال وذلك أن بعض فقرات هذا الحديث صحيحة، منها ما هو في صحيح البخاري ومنها ما هو خارج البخاري، ومن ذلك:
ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ".
وثبت في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أيضاً بلفظ: "يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَتُوضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا"، وهو حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وزيادة: "وتسلب قريش ملكها" منكرة في هذا الحديث لكونها من رواية إسماعيل بن رافع، عمرو بن عبد الله السيباني الحضرمي وهما ضعيفان كما تقدم، وحديث السيباني صالح في الاعتبارات لكن لا شاهد ولا متابع له، فتبينت نكارة هذه الزيادة.
لكن سيأتي في الحديث السابع دليل قوي إلا غير صريح ولا يُستفاد منه أن الخلافة تنزع بعد موت المهدي لكنه أقوى ما في الباب، ومثله حديث معاوية المتقدم، وذلك أن عيسى إذا نزل فلن يبقى المهدي هو الخليفة بل سيكون المهدي قائداً تحت خلافة عيسى وسيموت المهدي ويستمر عيسى في الخلافة بعد المهدي أكثر من ثلاثين سنة بدليل الحديث المتقدم حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ" أخرجه البخاري في صحيحه، ومثله حديث: "يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَتُوضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا "، وهو حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وأما دليل مدة حكم عيسى عليه السلام فهو ما أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا"، وللحديث الصحيح "فيمكث أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ يتوفى فَيصَلي عَليْهِ المُسلمُونَ" أخرجه أحمد وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو مخرج في الصحيحين مختصراً،.
فإذا نزل فهو الخليفة في زمن المهدي وبعده حتى يموت عيسى عليه الصلاة والسلام، وإنما يصلي خلف المهدي وقت نزوله من باب التكرمة لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وسيأتي مزيد إيضاح بإذن الله في الحلقة رقم (4) من هذه الدراسة.
الحديث السادس: نسب بعضهم، وقال: أخرج نعيم بن حماد عن الوليد بن معمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما القحطاني دون المهدي".
وهذا الحديث لم أجده في أي مصدر من مصادر الحديث، ولا يوجد كذلك عند نعيم بن حماد في كتابه " الفتن" ولا في كتابه " الزهد" في النسخ المطبوعة، بل وليس من الصحابة ولا من رجال كتاب الفتن والزهد لنعيم.
الحديث السابع: ثبت عن ذي مخمرٍ: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: "كان هذا الأمرُ في حميرٍ فنزعهُ الله منهم وجعلهُ في قُريشٍ، وسيعود إليهم".
أخرجه نعيم في الفتن وأحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير.
وحمير من ولد قحطان، وهذا الحديث يؤكد أن الحكم سينتقل من قريش ويعود لقحطان، وسبب انتقاله عنهم يعود لبعدهم عن التمسك بالدين بدليل حديث معاوية كما في صحيح البخاري حيث قال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين".
وليس صريحاً أنه سيكون اثر وفاة المهدي القرشي، ولا صريحاً أن المقصود به القحطاني، ومن المعلوم أن الحكم سيكون في المهدي ثم ينتقل منه لعيسى في زمن المهدي كما تقدم ويبقى عيسى خليفة على المسلمين أكثر من ثلاثين سنة حتى يستوفي أربعين عاماً، وقد تقدم كل ذلك، وسيأتي مزيد إيضاح بإذن الله في الحلقة رقم (4) من هذه الدراسة.
تم المقال بحمد الله وفضله، ونلتقي في لقاء الغد بإذن الله، مع موضوع جديد من هذه الحلقات، بعنوان: "ما جاء في الخليفة القحطاني من الآثار والحكايات".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.