ما جاء في الخليفة القحطاني من الآثار والحكايات
الحلقة (3)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
هذا هو اللقاء الثالث من هذه السلسلة العلمية الأثرية المباركة، وهي حلقة خاصة بتخريج الآثار والحكايات الواردة في الخليفة القحطاني، فإليكم بيان هذه التخريجات وفقاً لقواعد علم الحديث وأصوله:
الأثر الأول: أخرج نعيم بن حماد الخزاعي في كتابه الفتن عن أبي اليمان، عن جراح، عن أرطأة قال: "بعد المهدي رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي، حياته عشرون سنة، ثم يموت قتيلًا بالسلاح، ثم يخرج رجل من أهل بيت أحمد حسن السيرة يفتح مدينة قيصر، وهو آخر أمير من أمة أحمد، ويخرج في زمانه الدجال، وينزل في زمانه عيسى" وفي لفظ : "أمير العصب يمان".
قلت: وهذا أثر، جاء من قول أرطأة بن المنذر السكوني، وهو أثر غريب، وله أقوال غريبة في القحطاني والمهدي، كما ساقها نعيم بن حماد في كتابه الفتن، ومنها ما يتصادم مع الأحاديث الصحيحة ومن ذلك قوله في بعض الآثار الباطلة:" يبقى المهدي أربعين عاماً"، ومنها: "حياته عشرون سنة، ثم يموت قتيلًا بالسلاح.." كما تقدم، وهذه من الغرائب، ثم الأحاديث في المهدي لا يصح منها سوى بقائه سبع سنوات كما مر بنا في أكثر من موضع.
وفي نسخة بلفظ: "بلغني"، والبلاغ حكمه حكم الضعيف طالماً سقط شيخه ومن بعده، وجراح هو ابن مليح، وهو حسن الحديث.
ومن غرائبه التي لا تصح قوله: "على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه، ويخرج الدجال في زمانه، وعلى يديه يكون غزو الهند"، وقد ساقه عن الوليد بن مسلم عن جراح عن أرطأة من قوله.
والوليد بن مسلم مدلس تدليس التسوية، وهو أشنع أنواع التدليس، وذلك باسقاط ضعيف بين ثقتين، ولم يصرح فيه بالتحديث، ومن المعلوم أن القسطنطينية تُفتح في زمن المهدي قبيل ظهور المسيح الدجال بزمن يسير لحديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ".
ومعنى قوله: " فَأَمَّهُمْ" بمعنى إمامة الحكم لا الصلاة التي نزل وقتها للأدلة الأخرى، وهو إمامهم في الصلاة في غير الصلاة التي نزل وقتها.
الأثر الثاني: أخرج نعيم بن حماد الخزاعي في كتابه الفتن عن عبد الله بن عمرو، وذكر الخلفاء ثم قال: "ورجل من قحطان كلهم صالح لا يُرى مثلهم".
قلت: وهذا أثر من الاسرائليات، فإن عبد الله بن عمرو بن العاص لما حدث به كما في بعض الروايات، قال في أوله: "وجدت في بعض الكتب يوم غزونا يوم اليرموك".
وكتب من قبلنا كلها لا يحكم لها بالرفع باتفاق المحدثين، ولا يُحتج بها.
وقد تعجبت للحافظ ابن حجر رحمه الله كيف يقول عند هذا الأثر كما في فتح الباري (6/535): "من وجه قوي ثم تلاه بقوله: بإسناد جيد"، ثم اعتذرت له، لكونه قصد الاسناد إلى عبد الله بن عمرو، لذا فالحافظ ابن حجر لا يقصد صحة رفعه وإنما يقصد صحة ثبوت ذلك من قول عبد الله بن عمرو في ما قرأه من كتب من قبلنا كما أسلفت.
وفي لفظ غريب له من كتاب الفتن لنعيم: "منهم رجل من قحطان، منهم من لا يكون إلا يومين، ومنهم من يُقال له لتبايعنا أو لنقتلنك، فلو أنهم لا يبايعونه لقتلوه".
وعزاه الحافظ كذلك لنعيم بن حماد عن ابن عباس، ولم أجده عنده.
الأثران الثالث والرابع: ذكر المقدسي في كتابه البدء والتاريخ، وقال: " فرُوِيَ عن ابن سيرين أنه قال: "القحطاني رجل صالح، وهو الذي يصلى خلفه عيسى وهو المهدي".
وذكر المقدسي أيضاً في كتابه البدء والتاريخ، وقال "ورُوِيَ عن كعب أنه قال: يموت المهدي ويبايع بعده القحطاني".
قلت: هذان أثران ذكرهما المقدسي بصيغة التمريض كما تقدم ليُشعر القراء بضعفهما، وهذه هي طريقة أهل الحديث.
ولا يثبت سند لهذين الأثرين عن ابن سيرين وكعب.
الأثر الخامس: ذكر السفاريني في كتابه لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، وقال: " وأخرج نعيم بن حماد عن سليمان بن عيسى قال : بلغني أن المهدي يملك أربعة عشر سنة بيت المقدس ثم يموت ثم يكون من بعده رجل من قوم تبع يقال له المنصور يعني القحطاني يمكث ببيت المقدس إحدى وعشرين سنة".
قلت: وبمثله عزا السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوي.
وهذا بلاغ موضوع، وضعه سليمان بن عيسي السجزي صاحب كتاب: (العقل) وهو كذاب، وقال ابن عدي: "يضع الحديث".
الأثر السادس: ذكر الحافظ في فتح الباري فقال: " وفي كتاب «المبتدا» لابن منبِّه: أنه يكونُ آخر ملك في الإِسلام بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، ويكون من أهل اليمن دون قُرَيْش".
قلت: وهذا ليس بحديث، ولا يُعتمد عليه لكونه خبراً غير مسند، وهو من جملة الأخبار التي يوردها ابن منبه دون أن ينسبها مسندة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الأثر السابع: أخرج نعيم بن حماد في كتابه الفتن عن علي رضي الله عنه أنه قال: "يَبْعَثُ بِجَيْشٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقْتَلُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْرُبُ الْمَهْدِيُّ وَالْمُبَيَّضُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَيَبْعَثُ فِي طَلَبِهِمَا، وَقَدْ لَحِقَا بِحَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ".
قلت: وهذا أثر ضعيف جداً لكونه من طريق عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي موقوفاً.
وعبد الله بن لهيعة ضعيف، وأبو رومان مجهول.
ولذا تجدون أغلب الآثار السالفة الذكر من مرويات نعيم بن حماد في كتاب الفتن، وله غرائب انفرد بها كما أسلفت حتى ضعفه النسائي وقال عنه ليس بثقة بسبب كثرة مناكيره وغرائبه، وقال الذهبي: نعيم ذو مناكير.
قلت: ولا يُحتج برواياته لكثرة خطئه وسوء حفظه إلا ما وافقه عليها الثقات.
وكل هذه الآثار السبعة كما ترون شديدة الضعف، ومنها الموضوع كما تقدم ولا تنجبر بمجموعها لكون الضعف شديداً، وأيضاً أن بعضها يناقض البعض الآخر، وقد قلت في كتابي المنهج المقترح في تدريس المصطلح ص33-34، الطبعة الثانية: "وأما الحسن لغيره فهو: الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه أو شواهده، ولو كان التعدد بطريق آخر أو شاهد آخر إذا اختلف المخرج، أو بطريقين أو شاهدين فأكثر بشرط ألا يكون الاعتضاد بطرق منقطعة أو معضلة أو معلقة ونحوها من الطرق الشديدة الضعف.
قال المناوي: قالوا: وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومِنْ ثَمَّ اتفقوا على ضعف حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً " ([1])، مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد ([2]) اهـ
تم المقال بحمد الله وفضله، ونلتقي في لقاء الغد بإذن الله، مع موضوع جديد من هذه الحلقات، بعنوان: "بيان صفات الخليفة القحطاني وفقاً للأحاديث الصحيحة".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
([1]) قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 93): " أخرجه] الحسن بن سفيان في مسنده، وفي أربعينه من حديث ابن عباس، وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة، أخرجها ابن الجوزي في العلل المتناهية، وبين ضعفها كلها، وأفرد ابن المنذر الكلام عليه في جزء مفرد، وقد لخصت القول فيه في المجلس السادس عشر من الإملاء، ثم جمعت الإشارة في جزء ليس فيها طريق تسلم مِنْ علة قادحة". اهـ
([2]) المناوي عبدالرؤوف، فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 1356هـ (1/ 41).