الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    المواسم المبتدعة    ||    عدد المشاهدات: 6469

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية "وعيد الميلاد – الكرسمس"، وحكم التهنئة بذلك
(ضمن سلسلة المواسم المبتدعة)
الحلقة (2)
للدكتور صادق بن محمد البيضاني

تعتبر ليلة أول يوم من شهر يناير من الليالي المقدسة المبتدعة لدى النصارى حيث يحتفلون بذكرى رأس السنة الميلادية، ويسبقها الاحتفال بميلاد المسيح عيسى عليه السلام ليلة 24 ديسمبر، ولا تعتبر هذه الذكرى والتي قبلها منْ دينه، بل كلاهما من الهوى، ومما ابتدعه النصارى الذين هم أبعد الناس عن دين نبي الله عيسى عليه السلام.

قال ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح(2/230) :  والاحتفال بعيد ميلاد المسيح أمر مُحدث مبتدع في المسيحية، كما أوضحنا ذلك، فاتخاذ يوم ميلاد المسيح عيداً بدعة أحدثت بعد الحواريين، فلم يعهد ذلك عن المسيح، ولا عن أحد من الحواريين" اهـ.

وقال رحمه الله في كتابه مجموع الفتاوى(52/923) : "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء ممّا يختص بأعيادهم لا من طعام, ولا لباس, ولا اغتسال, ولا إيقاد نيران, ولا تبطيل عادة من معيشة, أو عبادة, أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة, ولا الإهداء, ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة، وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام" اهـ.

وقد تأثَّر بهاتين البدعتين في العصر الحديث كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى صار بعضهم يُهنيء بعضاً بذلك، بل تعوَّد بعض زعماء الدول الاسلامية وغيرهم تهنئة بعضهم بعضاً بهاتين المناسبتين فضلاً عن تهنئتهم رؤساء وملوك غير المسلمين من خلال برقيات التهاني أو الاتصالات الهاتفية ونحوها، وهذا مما يتنافى مع أحكام الشريعة الاسلامية.

ومما لا يخفى على كثير من المثقفين العقلاء أن الشرع الحكيم نهانا عن التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة او تلك، أو الفرح بذلك، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال، أو ارسال برقيات التهاني، أو زيارتهم والاتصال بهم ونحو ذلك بنية التهنئة.

قال ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة (1/144 – 244): "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب" اهـ.

قلت : والأدلة في النهي عن التشبه بهم كثيرة في الكتاب والسنة، وعلى ذلك درج السلف من الصحابة والأئمة.

قال الله تعالى : "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون".
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

وقال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :« لتتبعن سنة من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه»: قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: «فمن؟».

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبّه بقوم فهو منهم" أخرجه أبو داود وغيره، والحديث حسن.

وفي الحديث الحسن لغيره يقول النبي عليه الصلاة والسلام : "ليحْملَنّ شرار هذه الأمّة على سَنَنِ الذين خلَوا من قبلهم- أهل الكتاب- حذو القُذَّةِ بالقُذَّة " أخرجه أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير.

وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور"، قالوا : ومنْ صفات عباد الرحمن أنَّهمْ لا يَحضرون أعياد الكفار.

وقال بعض السلف: " أي: لا يشهدون أعياد المشركين".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/546) : "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء" اهـ.

وكما لا يخفى على الكثير أن المسلمين الأوائل في العهد النبوي إلى عهد قريب لا يحتفلون بمولد المسيح ولا في نهاية السنة الميلادية، بل عدلوا عن التاريخ الميلادي، وسنوا التاريخ الهجري ليخالفوا بذلك سنة الكافرين.

والواجب على المسلمين أن يتبعوا الكتاب والسنة لا ما عليه الأعاجم.

ولا مانع من تقليد الغرب ومنافستهم في المجال الدنيوي الذي لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية، لكونهم أعلم من المسلمين في ذلك لقوله تعالى : " يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهو عن الآخرة هم غافلون".

ولذا نافسوا أعداء الله واستفيدوا منهم في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري والنهضة العمرانية والعلمية، وفي كافة المجالات الحياتية الأخرى.

وأقيموا الدراسات الأكاديمية النظرية والعملية في كافة الاختصاصات لتفيدوا الأمة مثل تخصصات الطب البشري، والتخصصات العسكرية، والأمن، وتخصصات الطيران، والهندسة، والتكنولوجيا، والتخصصات المتعلقة بالعلوم النظرية، والمتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، والمتعلقة بالعلوم المالية والإدارية، والمتعلقة بالزراعة والبيئة، وعلوم الفضاء، وبقية التخصصات الأخرى كالصناعات وإنشاء المصانع، والمحطات النووية الأرضية والجوية، وأنواع الاتصالات من هاتف وانترنت وغيره، وتخصصات الأبحاث المتقدمة، وغيرها كثير، ولا تدنسوا منهجكم الديني بتقليدهم دينياً، فقد شرفكم الله بهذا الدين الخاتم العظيم.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم..

 




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام