أسباب توهم البعض بأن هذا العصر عصر المهدي
( ضمن موضوع المهدي المنتظر المزعوم: محمد عبده الحودلي "الملقب بـ: حسن التهامي" دراسة شرعية وصفية )
الحلقة رقم (3)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
إن كثرة الحروب والمحن والفتن والشدائد وما أفرزته من الفقر والجوع والبطالة والضيم والفراغ عامل رئيسٌ تولد عنه توهم بعض من يقرأ أحاديث المهدي بأن هذا العصر عصره، ليسلوا بذلك على نفوسهم ويقنعوها دون أن يرجعوا لكبار علمائهم المعاصرين ويستفتوهم في ذلك، ناهيكم عن بعضهم ممن يطعن في العلماء، تارة بوصفهم علماء سلطة، وتارة بوصفهم لا يفقهون الواقع، وتارة بوصفهم جهلة، ونحوها من التهم التي سيُسألون عنها يوم العرض على جبار السموات والأرض، فالطعن في العلماء وسيلة للطعن في شريعة الله، لكون العلماء حملة الشريعة وورثة الأنبياء، ولا شك أنهم يتوهمون أن هذا العصر عصر المهدي، وهذا التوهم من ادعاء علم الغيب المستقبلي لعدم استيفاء علامات ظهوره التي تقدمت معنا في المقال الأول من هذه السلسلة.
ويمكننا من خلال هذا المقال أن نبين باختصار أسباب توهم البعض بأن هذا العصر عصر المهدي، فأقول وبالله التوفيق:
السبب الأول قولهم: إن المهدي لا يظهر إلا بعد حروب وفتن وأحداث عظام مع ظلمٍ للشعوب الإسلامية، ومن هذه الأحداث العظام ثورات الربيع العربي عام 2011م التي كانت سبباً في مقتل القذافي وسبباً في تغيير بعض حكام العرب، وكل هذا مُهيئ لظهوره، - هكذا قالوا - مستدلين بالحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلاً مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً" أخرجه البزار في المسند وابن عدي في الكامل وأبو نعيم في أخبار أصبهان وغيرهم عن داود بن المحبر.
والجواب عن هذا السبب: أنني سمعت مثل ذلك في التسعينيات الميلادية عندما غزا صدام رحمه الله دولة الكويت فدخلت الجيوش الأمريكية والأجنبية منطقة الخليج، فأظهر هؤلاء القوم هذه البدعة وقالوا : هذا زمن المهدي وسيظهر نظراً لهذا الغزو ونظراً لدخول هذه الجيوش الصليبية، فقلت لهم مقولة الشيخ الألباني التي قالها عام 1978م لجهيمان العتيبي "لا مهدوية في هذا العصر"، فبقي هؤلاء المتكلون منتظرين للمهدي من عام 1991 حتى عام 1995م فلم يظهر، ثم سكتوا إلى عام 2003م ثم أعادوا هذه البدعة والتقوا بي بمنزلي، وقالوا : المهدي سيظهر وذلك لكون الجيوش الأمريكية والأجنبية الصليبية اجتمعت كلها لحرب مسلمي العراق وحصل التصالح بين المسلمين والكفار، وسيظهر المهدي خلال أشهر ويقضي على هذه الجيوش الصليبية ويحكم البلاد العربية ويرفع راية الاسلام، فقلت رفقاً رفقاً فهذا ليس زمن المهدي، ثم قتل رافضة العراق وإيران صدام حسين وخرجت الجيوش الأمريكية تجر أذيالها بعد تمكين رافضة العراق من زمام الحكم وتقسيم العراق إلى اقليم كردستان العراق واقليم أغلب محافظات العراق، وهي المعروفة بـ " الجمهورية العراقية"، ومنح إيران بعض الأراضي العراقية، وهذا التقسيم لإضعاف السنة وتشتيتهم، وقد حاول مجلس الشيوخ الأمريكي الضغط لتنفيذ مشروع قرار تقسيم العراق رسمياً الى ثلاثة أقاليم فيدرالية في 26 سبتمبر عام 2007م وما بعده من الأعوام، ولما كان عام 2011م أعادوا هؤلاء الإخوة الكرة مرة كما تقدم، وكان الجواب بمثل ما سبق : " لا مهدوية في هذا العصر"، وهذا الادعاء منهم كله بسبب الجهل والفراغ والظروف النفسية والبطالة وبعضهم بسبب السحر والمس والأحلام الشيطانية ونحوها من الأسباب كما سيأتي، حتى صدقهم بعض المغرر بهم.
ثم إن الحروب والفتن والأحداث العظام وظلم الشعوب وتغيير بعض الحكام ومقتل القذافي في هذه الحقبة من الزمن حدث متكرر له أمثلته في التاريخ الاسلامي بأكثر دموية مما حصل عام 2011م وما بعدها، ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في كتابه " المختصر في أخبار البشر" وكذا ابن الأثير في كتابه الكامل وغيرهما عن عدو الله الوثني جنكيز خان قائد الإمبراطورية المغولية حيث يعتبر أكثر رجل تلوثت يداه بالدماء في تاريخ الاسلام حيث كانت بداية غزوه لبلاد المسلمين بسبب أن الخليفة الناصر لدين الله العباسي (575-622هـ) كتب إلى جنكيز خان يستنجد به على الوالي المسلم خوارزم شاه علاء الدين محمد سلطان الدولة الخوارزمية الذي اتجه بجيوشه إلى بغداد يريد فرض سيطرته عليها بالقوة، فبعث عدو الله جنكيز خان رسولاً إلى خوارزم شاه، فقام خوارزم شاه وقتل هذا الرسول، وبذلك أتاح لجنكيز خان فرصة العدوان فجمع جيشه وهاجم حدود تركستان الغربية مما يلي مملكته، وهكذا غزا البلاد الاسلامية هو وأحفاده بلدة بلدة، وأكثر فيها القتل والاغتصاب والتشريد حتى اتخذ جينكيز خان من مساجد بخارى التي كانت عامرة بالتقى والعلم والأدب مرابض لخيله ووصف نفسه بأنه لعنة الله سلطها على خلقه عقوبة لهم على خطاياهم، وقد ذكر المؤرخون أنه قتل من المسلمين وغير المسلمين أكثر من ستين مليوناً، حتى هزم المسلمون الإمبراطورية المغولية في معركة عين جالوت بتاريخ 25 رمضان عام 658 هـ، الموافق لـ 3 سبتمبر عام 1260م، وذلك على يد جيش المماليك بقيادة البطل سيف الدين قطز، وقد أسلم منهم الكثير".
ومن الأمثلة الدموية أيضاً : ظلم وقتل المسلمين وتحريق رجالهم وأطفالهم ونسائهم في محارق ابادة، في قرى ومدن متناثرة مع انتهاك أعراضهم وشن الحروب على ولاتهم بطرق دموية مخيفة، حيث تعتبر الأعوام ما بين عام 1917م إلى عام 1953م أعواماً دموية أعظم مما جرى في ثورات الربيع عام 2011م وما بعدها، فقد قتل وحُرِّق في ولايات المسلمين الواقعة في جمهوريات السوفييت وولايات الأقلية هنالك خلال هذه الفترة ملايين المسلمين وشرد ملايين منهم حتى بلغ عدد القتلى من المسلمين خاصة ومن غيرهم تسعة وأربعين مليوناً على يد عدو الله "جوزيف استالين"، وقد تم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، وهذا من أعجب العجاب أن يُرشح لهذه الجائزة التي يديرها اليهود، والتي منحتها مؤخراً لـ : " توكل كرمان" المرأة اليمنية التي تنادي للتعايش مع رافضة الحوثة " مسعري الحرب" الذين شردوها من اليمن وهجروا أكثر من مليوني يمني، وقتلوا مئات الألوف من هذا الشعب المغلوب على أمره تحت شعار " الموت لأمريكا والموت لاسرائيل" مع أن أمريكا واليهود في مأمن من شرهم وشرورهم، مع علم توكل كرمان العلم اليقيني أن الحوثة لا يريدون السلام ولا الأمان وقد نطقت بذلك مراراً وتكراراً بسبب توجه هؤلاء الشرذمة الصفويين المدمر الذي لا يقبل التعايش إلا مع أفراد جنسه، إلا أن توكل كرمان ابتليت بهذه الجائزة التي من لوازمها الدعوة إلى السلام حتى مع الشيطان ومع من يرفض السلام عقائدياً وعملياً ولا يعرف إلا العنف وسفك الدماء، فلا أرى فرقاً بين الدواعش الذين كفروا حكام المسلمين وقتلوا بعض الجنود مباغتة ظلماً وعدواناً وربما ذبحاً بالسكاكين وحرقاً بالنار، وبين هؤلاء الروافض الذين يكفرون كل من خالفهم ويسفكون دماء الشعب اليمني بشكل يومي على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، فليس الحوثة بأقل خطراً من الدواعش يا بنت كرمان لكن السياسة الحمقى والجائزة النوبلية تبيع الذمم، وتورث السموم، وتخدش الحياء، وتصادر الأمانة والصدق مع الله ثم الشعب والوطن، ولله في خلقه شؤون.
والحاصل: هذان مثالان دمويان، والأمثلة الدموية في التاريخ الاسلامي كثيرة في بلاد الأندلس والشام والمغرب العربي ومصر والعراق واليمن وغيرها من البلاد العربية ودول الأقليات الاسلامية في بلاد العجم، وقد ظهر خلال هذه الأزمنة الكثير من أدعياء المهدية ومع ذلك كله لم يظهر لعدم استيفاء علامات ظهوره.
ومن الأمثلة المشهورة أيضاً "الحروب الصليبية على بلاد المسلمين وحروب الفاطميين والقرامطة والاسماعيليين وما جرى منهم من ظلم وبطش وجرائم تفوق الوصف، ومن الأمثلة أيضاً استعمار البلدان العربية وتمزيقها وتقسيمها إلى دويلات صغيرة وضعيفة بعد حروب راح ضحيتها ملايين المسلمين العرب وتشريد الملايين منهم، وانتهت باغتصاب دولة فلسطين مسرى رسولكم وأرض المحشر ومهبط الأنبياء، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين.
فلا تكون الأحداث العظام دليلاً قاطعاً لظهور المهدي حتى يتم استيفاء علامات ظهوره، وفقاً لما ورد من الأحاديث الصحيحة كما بينت ذلك في الحلقة رقم (1) من هذه السلسلة، والحلقة رقم (9) من سلسة ردودي على دجال اليمن ناصر القردعي اليماني.
السبب الثاني: قالوا وجود التحالفات والتصالح مع أمريكا ودول الغرب يدل على أن هذا العصر عصر المهدي مستدلين بما أخرجه الإمام أبوداود في سننه والحديث صحيح عن ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ، وَتَسْلَمُونَ ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ، وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ، فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ".
والجواب: أن التصالحات والتحالفات بين المسلمين وغيرهم ليست وليدة الساعة، بل هي قديمة ومتكررة من زمن النبوة إلى اليوم، وتجري حسب مصالح المسلمين ودرء المفاسد عنهم.
قال ابن باز: والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر؛ عملا بقول الله عز وجل: ”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” ([1])، وقوله سبحانه: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا “([2]).
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر … وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين ، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس، أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية – إن كانوا من أهلها – فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية ، وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى: “قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ“ ([3])، وقوله عز وجل: ”وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ“ ([4])إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية ويوم الفتح، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا ([5]).اهـ
قلت: وهذا الحديث ليس محل استدلال لأنه يحكي عن أمر غيبي لم يحدث، بل وليس في الحديث أن المهدي يظهر عند حدوث هذا التصالح، ثم التصالح والتحالف العصري هو جزء من تحالفات وتصالحات تهيئ للتصالح والتحالف المستقبلي الأكبر - الذي ذكره هذا الحديث -، وسيتمخض عن هذه التحالفات المستقبلية ملاحم حربية متعددة ستحصل قبل المهدي كما بينت ذلك في الحلقة رقم (1) من هذه السلسلة، فلا ينبغي للمسلم أن يتوهم ما لم يصرح به الشرع، ولا ما يخالف الشرع والواقع، وقد اتفق العلماء أنه لا يحل تطبيق الأدلة في المغيبات الزمانية المستقبلية حتى تقع، فإذا وقعت فالحكم للعلماء لأنهم ورثة الأنبياء وأعلم الخلق بالشرع لا العوام، أما من قرأ شيئاً ثم بنى عليه حكماً شرعياً وليس من أهل العلم فلا يُلتفت لقوله باتفاق علماء الملة، وهذا ما بلينا به اليوم من هؤلاء المتعجلين الذين ليسوا من أهل العلم.
السبب الثالث: يقول بعضهم إنه تأمل في فتن عصرنا وتوصل إلى حقيقة واحدة، وهي أنه لا حل لهذه الفتن إلا بظهور المهدي، وإذا كان الأمر كذلك فنحن في زمن المهدي، هكذا زعم بعض المتعجلين.
والجواب: هذا رأي محض، واستنتاج صاحب هوى، وتحليل من لا معرفة له بأدلة الشرع المطهر الحكيم، وحاله كحال من يقول كثرت ديوني ولا حل لها إلا بظهور المهدي كي يسددها عني، وقد قال ذلك بعضهم، وهذا من المضحكات.
السبب الرابع : كذلك مضحك جداً، حيث قال بعضهم : إن ظهور المهدي مرتبط بموت الملك سلمان بن عبد العزيز، فإذا مات تقاتل ثلاثة من أولاده او اولاد والده عبد العزيز على الملك، ولا يصير الملك لواحد منهم، بل يظهر المهدي، ويستلم الملك مستدلين بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "يقتتل عند كنزكم([1]) ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق([2]) فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه، فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج" أخرجه ابن ماجه أحمد والحاكم عن ثوبان، وله شاهد عن ابن مسعود.
وهذا السبب من الهراء المحض، فقد قال بعضهم مثله قبل مقتل الملك فيصل، ثم تكرر مثله قبل موت الملك خالد، ثم تكرر قبل موت الملك فهد، ثم تكرر قبل موت الملك الحسين ملك الأردن، ثم تكرر قبل موت الملك عبد الله، والآن يتكرر قبل موت الملك سلمان، وهذا من التعجل وعدم فهم الأدلة التي يسوقها على هواه، ويقعدها على أحداث يعايشها، وكل فترة يجرب حدثاً مشاهداً ويطبق عليه الحديث المذكور أعلاه، وهكذا كل فترة ويطلع لنا بفتوى جديدة بيد أنها فتوى من لا علم له.
قال ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم (2/120-121) "فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين وليس هو بالمنتظر الذي تزعم الرافضة ...والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان"اهـ
السبب الخامس: قول بعضهم إن ظهور ادعياء المهدية في هذا العصر بهذا العدد الكبير دليل على أنه عصره.
والجواب: أن هذا من الفهم الشيطاني السقيم، فكثرة الأدعياء والدجالين في أي عصر من العصور لا يفيد على أن المهدي سيظهر في زمان ادعائهم إذا كثروا، فليس هناك نص يقول إذا كثر الأدعياء ظهر المهدي، فقد كثروا في أزمنة سابقة، ولم يُعرف عن جهلة تلكم العصور القول بمثل من قال ذلك في عصرنا.
فينبغي للعقلاء ألا يتسرعوا في بناء الأحكام بمجرد تصورها في أذهانهم، بل لا بد من ربطها بالشرع المطهر، وترك الحكم فيها للعلماء الذين قال الله عنهم : " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وأهل الذكر هم العلماء، وليس العوام وبعض المثقفين، فتفطنوا لذلك أصلحكم الله.
السبب السادس: الأحلام والرؤى المنامية.
حيث يروى بعضهم رؤى وأحلاماً فيها ذكر المهدي فيظن أن هذا زمانه، بل قد يرى حلماً شيطانياً يقول له : أنت المهدي، أو فلان المهدي، فيصدق دون أن يرجع لكبار العلماء ويسألهم عن تأويله، وهذا تكرر عند عامة الأدعياء وعامة المنشغلين فكرياً بأمر المهدي، ومما هو معلوم شرعاً أن ظهور المهدي قضية شرعية، وقد اتفق العلماء على أن الشرع لا يؤخذ من الأحلام والرؤى المنامية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى (27/458) : "فأما المنامات فكثير منها، بل أكثرها كذب، وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعي أنه رأي منامات تتعلق ببعض البقاع إنه قبر نبي، أو أن فيه أثر نبي، ونحو ذلك، ويكون كاذباً، وهذا الشئ منتشر، فرائي المنام قد يكون كاذباً، وبتقدير صدقه فقد يكون الذي أخبره بذلك الشيطان، ورؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شئ بالاتفاق"اهـ
وقال الشاطبي كما في كتاب الاعتصام (1/231-232): "وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون : رأينا فلاناً الرجل الصالح فقال لنا : اتركوا كذا، واعملوا كذا، ويتفق هذا كثيرا [ لـ ] المترسمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال لي كذا، وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها، معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال" اهـ
السبب السابع : السحر والمس الشيطاني.
يعتبر الممسوسون والمسحورون أكثر الناس عرضة للهلوسة بظهور المهدي وأن هذا زمانه وأنه هو المهدي أو فلاناً من الناس هو المهدي، وهذا عرفناه بالتجربة، وعامة الأدعياء اليوم مبتلون بهذه الأمراض الشيطانية من مس وسحر.
ومن كان مبتلى بذلك فعليه بمعالجة نفسه حتى لا تلعب به الشياطين فيضل ويضل غيره.
والواجب على المسلم الا يُشغل نفسه بزمن ظهوره، لأنه ليس مكلفاً بالاشتغال في ذلك، وقد شدد العلماء في هذا الباب، حتى قال الشيخ صالح بن حميد في برنامج "نور على الدرب" على إذاعة القرآن الكريم: "لا ينبغي الاشتغال بمثل هذا، لاسيما مع انتشار الدعاوى وكثرة الفتن وانتشار الجهل بين المسلمين"، وقال: "على الإنسان أن يحرص على سلامة دينه ولزوم السنة والتنبه على خاصة نفسه فيما ينفعه في دينه ودنياه، ولا ينبغي أن يشتغل بأمر المهدي ولا بغيره"، وقال: "إن لظهور المهدي علامات ولن يخفى حينها أمره على المسلمين([6])" اهـ.
أكتفي بهذا القدر، على أن نلتقي في لقاء قادم بإذن الله، نتكلم من خلاله عن : " أسباب ادعاء المهدية"، وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
______________
([1]) سورة النساء ، الآية رقم (58).
([2]) سورة الأنفال ، الآية رقم (61).
([3]) سورة التوبة ، الآية رقم (29).
([4]) سورة الأنفال ، الآية رقم (39).
([5]) فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (8/224 وما بعدها).
[6] صحيفة سبق، بتاريخ 22 يوليو عام 2016م، الموافق لـ 17 شوّال عام 1437هـ.