الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    المهدي المنتظر المزعوم: محمد عبده الحودلي "الملقب بـ : حسن التهامي"    ||    عدد المشاهدات: 10451

صفات المهدي وصفات ظهوره وزمانه كما ورد في صحيح السنة

( ضمن موضوع المهدي المنتظر المزعوم : محمد عبده الحودلي " الملقب بـ : حسن التهامي" دراسة شرعية وصفية )

الحلقة رقم (6)

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

لا شك أن الأحاديث الصحيحة كشفت لنا حقيقة وصفات هذا المهدي الذي تعد خلافته خلافة شرعية على منهاج النبوة، وهذه الصفات خلْقية وزمانية وعامة، ومن عادة الأدعياء عبر الأزمنة جهلهم بدراسة علم الحديث النبوي وعدم تمييزهم بين الحديث الصحيح من السقيم، بل بعضهم قد يقف على تصحيح حديث وقع من محدث على سبيل الوهم والخطأ فيطير به وينشره ويحتج به لكونه وافق هواه قبل أن يتبين هل أصاب من صححه أو أخطأ، لأن القاعدة في هذا الباب تنص على أن: "من علم حجة على من لم يعلم، فمثلاً لو قال محدث معتبر هذا حديث صحيح، فالأصل أنه صحيح، لكن لو اطلع محدث آخر على علة في الحديث فضعفه قلنا له : هات حجتك فإن من علم حجة على من لم يعلم، وفي الحديث الصحيح: "البينة على المدعى"، فمن ادعى الضعف لزمه بيان ضعفه، ويجب أن يكون البيان وفقاً لقواعد علم الحديث التي وضعها أئمة هذا الشأن، وأما غيرهم فكما قال القديم : " من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب"، وحال هؤلاء سواء كانوا مثقفين أو فقهاء أو عواماً ونحوهم كحال من ينكر أحاديث المهدي وهو ليس من أهل الحديث أو أنه انتسب لأهل الحديث دون دراسة لأحاديث المهدي سوى أنه تشبث بقول قائل، وربما كان المنكر قرآنياً يكفر بسنة النبي عليه الصلاة إلا ما وافق هواه كما هو حال الفلاسفة وعلماء الكلام وبعض الدجالين وهلم جراً.

وبعد هذه المقدمة المهمة، إليكم خلاصة صفات المهدي وصفات ظهوره وزمانه كما ورد في صحيح السنة:

الوصف الأول: اسمه محمد، واسم أبيه عبد الله، للحديث الحسن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال "لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلا مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا تمنع السماء شيئاً من قطرها، ولا الأرض شيئاً من نباتها يمكث فيكم سبعاً أو ثمانياً، فإن أكثر فتسعاً" أخرجه البزار في المسند وابن عدي في الكامل وأبو نعيم في أخبار أصبهان وغيرهم عن داود بن المحبر.

وثبت في حديث آخر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" أخرجه الترمذي في جامعه، وأبو داود في سننه عن ابن مسعود، واللفظ له.

ومعنى "يواطيء" في اللغة : يوافق، لأن المواطأة هي المشابهة والموافقة، وقد أكد ذلك أيضاً حديث داود بن المحبر المتقدم.

وفي الحديث الثالث التالي تقييد لعدد سنين حكمه بسبع سنين لكونها وردت مترددة في الحديث الأول ما بين سبع وثمان وتسع، لكن الحديث التالي يقيدها بسبع سنين ويرفع التردد كما هي قاعدة المحدثين، فقد ثبت عند أبي داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المهدي مني.. أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين".

الوصف الثاني: أنه هاشمي من آل البيت من ولد فاطمة، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المهدي من عترتي من ولد فاطمة" أخرجه أبو داود في سننه وابن ماجه في سننه عن أم سلمة.

وثبت من حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة" أخرجه أحمد وابن ماجه.

ويدل أيضاً على ذلك حديث داود بن المحبر كما تقدم بلفظ: "يبعث الله رجلا مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"، وكذا حديث ابن مسعود المتقدم بلفظ : "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يُبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي".

وكذلك لحديث أبي سعيد، - وهو حسن - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المهدي مني.. أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين" أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه.

ولتمام الفائدة فمذهب الجمهور أنه من ذرية الحسن بن علي، ولا يصح في ذلك حديث، بل قد يكون من ولد الحسن أو الحسين.

ولذا فأثر علي ضعيف، وفيه أنه قال ونظر إلى ابنه الحسن: "إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا .." أخرجه أبو داود في سننه وشيخه مجهول حيث لم يسمه.

الوصف الثالث: أنه أجلى الجبهة بمعنى أن شعره منحسر وجبهته واسعة، وأنه أقنى الأنف بمعنى: دقيق الأنف، للحديث الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المهدي مني.. أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين" أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري.

الوصف الرابع: أنه يملك سبع سنين ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، للأحاديث الصحيحة المتقدمة عن داود بن المحبر وابن مسعود وأبي سعيد.

الوصف الخامس: أن لقبه المهدي بمعنى الذي هداه الله وأصلحه على الهدى، وهذا اللقب مأخوذ من حديث أبي سعيد وأم سلمة وعلي التي ذكرت لفظ " المهدي"، وأيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً، يعني حجة " بمعنى سنة، أخرجه الحاكم في " المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والأمر كما قالا، وأما ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" فهذا حديث لا يصح لأن في إسناده زيد العمي المعروف بابن الحَوَارِي وهو ضعيف، وقال ابن عدي في كتاب الكامل في الضعفاء : "عامة ما يرويه ضعيف".

وأما روايات التردد في عدد السنين فقد تم قيدها برواية أضبط كما تقدم معنا في الوصف الأول.

كما يلقبه البعض بالفاطمي لكونه من ولد فاطمة، وأما لقب المنتظر فهو من ألفاظ الرافضة، نسبة لانتظار خروجه من السرداب، ولم يرد هذا اللقب في السنة مطلقاً، ولا عن أحد من أهل القرون الثلاثة المفضلة، ولا اشتهر على ألسنة كبار علماء السنة المعتبرين القدماء، وقد نسبه بعضهم لابن تيمية وابن القيم والذهبي ولم أجد ذلك عند ابن تيمية وابن القيم، وإنما ذكره ابن تيمية حكاية عن الرافضة.، كما لا يصح حديث بأنه خليفة الله كما ذكر ابن تيمية وغيره وسيأتي الكلام على هذا اللقب قريباً، ومما هو من عادات وبدع الشيعة والرافضة قولهم عنه وعن بعض آل البيت "عليه السلام"، فهذه عبارة شيعية لا دليل عليها من السنة ولا عرفها أهل القرون المفضلة، وقد جرت على بعض ألسنة المشايخ المتأخرين أو من تقدم منهم، لكونه قد عاش في بيئة الشيعة وتأثر ببعض كلامهم، فلزم التنبيه لذلك.

وأما أن لقبه القائم فلا يصح فيه دليل أنه من ألقابه وإنما ذكره العلامة البربهاري رحمه الله كما في شرح السنة له من باب أن عيسى سيصلي خلف المهدي وهو قائم في صلاته، ولذا قال رحمه الله : " والإيمان بنزول عيسى بن مريم ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد ويموت ويدفنه المسلمون" اهـ، وهو يشير رحمه الله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة.

وأما قول ابن حجر الهيتمي عن المهدي "جعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليها من ولده ليملأ الأرض عدلا"، فلا يعني اللقب، وإنما يطلق على كل حليفة عدل: أنه قائمٌ بالخلافة، ومن هؤلاء القائمين بالخلافة : الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة وعمر بن عبد العزيز والمهدي ونحوهم.

ولا يصح من ألقابه "السفياني أو النفس الزكية" البتة.

الوصف السادس والسابع: أنه في آخر الزمان، وتكثر زمن حلافته الخيرات والبركات.

للحديث المتقدم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانياً، يعني حجة "، أخرجه الحاكم في " المستدرك "، وقال : صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والأمر كما قالا.

الوصف الثامن: أن المال في عهده يكثر لحديث أبي سعيد المتقدم في الوصف السابق، وأيضاً يؤكد ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مُقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"، ومن المعلوم أن زمن عيسى في زمن المهدي كما سيأتي معنا في سلسلة " علامات الساعة ونهاية الدنيا" بإذن الله، حيث سيعيش عيسى مع المهدي قدر سبع سنين ثم يموت المهدي ويعيش عيسى بعده ثلاثاً وثلاثين سنة، وهذا هو الجمع بين حديث أَبِي هُرَيْرَةَ الصحيح: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى , وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ , وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ , وَإِنَّهُ نَازِلٌ , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ , فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ , كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ , وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ , وَإِنَّهُ يَدُقُّ الصَّلِيبَ , وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ , وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُفِيضُ الْمَالَ , وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ , حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِمَارَتِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا غَيْرَ الْإِسْلَامِ , وَحَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِمَارَتِهِ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ , وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ , حَتَّى يَرْعَى الْأَسَدُ مَعَ الْإِبِلِ , وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ , وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ , وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , يَلْبَثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً , ثُمَّ يُتَوَفَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ" أخرجه أبو داود وأحمد.

حيث تم جمعه مع حديث عبد الله بن عمرو قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ" أخرجه مسلم، فلا معارضة بين الحديثين.

الوصف التاسع: أن الله يصلحه في ليلة للحديث الحسن الذي ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث علي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة".

ومعنى يصلحه في ليلة بمعنى "يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك" كذا قال ابن كثير، وقال الشيخ محمد عبد الغني المجددي في كتابه إنجاح الحاجة (ص200) : " يصلحه للإمارة والخلافة بغاءة وبغتة".

الوصف العاشر: أن خلافته تكون على منهاج النبوة كما تقدم معنا في عدة مقالات.

حيث تعتبر مرحلة الخليفة المهدي المرحلة الخامسة في الحكم على المختار، وستكون شرعية بمثل ما كانت عليه في زمن النبوة، ويؤكد ذلك ما ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة.

فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت".

هكذا قسَّم النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم مراحل الحكم في حياة المسلمين إلى خمسة مراحل:

المرحلة الأولى: وهي مرحلة النبوة، وقد انقضت بموت رسول الله عليه الصلاة والسلام.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، وهي خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

المرحلة الثالثة: مرحلة الملك العضوض، بمعنى: حكم فيه تعسف وظلم يصيب الرعية، وقد انقضت هذه الفترة وهي فترة الدولة الأموية ودولة بني العباس ومن مضى بسيرهم ويستثنى من ذلك فترة حكم الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، وعمر بن عبد العزيز على المشهور.

وقد بينا هذه المرحلة وما دار حولها من شبهات في الحلقة رقم (20) والتي كانت بعنوان مراحل الحكم في حياة المسلمين، والخلافة الراشدة

وذلك من خلال بحثنا : "دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية".

المرحلة الرابعة: مرحلة الملك الجبري، ونحن نعيش اليوم هذه المرحلة في بلاد المسلمين سواء كان الحكم ديمقراطياً أو سلطانياً أو ملكياً أو أميرياً، فهو جبري قسري في أحكامه وأنظمته.

المرحلة الخامسة: مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، وهذه هي مرحلة " الخلافة الراشدة المهدية "يوم أن يجتمع المسلمون على حاكم واحد، يحكم فيهم بالنظام الإسلامي وفقاً لأدلة الكتاب والسنة وسيراً على المنهج النبوي الذي سار عليه الخلفاء الراشدون الأربعة، وهي مرحلة مستقبلية، تكون في زمن الخليفة المهدي كما هو ظاهر الأدلة، وهذا زمن مستقبلي غير زمننا اليوم.

الوصف الحادي عشر: أنه لا يظهر إلا بعد اقتتال ثلاثة أبناء لخليفة عند كنز الكعبة، وكلهم يريد الملك ثم لا يصير لأحدهم.

للحديث الحسن لغيره عن ثوبان وغيره، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه، فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم عن ثوبان، وله شاهد عن ابن مسعود، والحديث حسن لشاهده، لكن لفظ "خليفة الله" منكرة، وقد أعله المناوي في " فيض القدير " فقال: نقل في " الميزان " عن أحمد وغيره تضعيفه، ثم قال الذهبي: أراه حديثا منكرا، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات"، واستنكر الزيادة الألباني وابن القيم وابن تيمية، وقال في " مجموع الفتاوى " (2 / 461) : وقد ظن بعض القائلين الغالطين كابن عربي، أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، والله تعالى لا يجوز له خليفة،اهـ

ومثله حديث حذيفة عند أبي داود وأحمد مرفوعاً: "فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض فالزمه وإن نهك جسمك وأخذ مالك وإن لم تره فاضرب في الأرض ولو أن تموت وأنت عاض على جذل شجرة" وهو حديث حسن، لكن بغير لفظ "خليفة الله" فإنه زيادة منكرة ولا تصح لأنها من رواية صخر بن بدر العجلي، وهو مجهول عين، وأما شيخه سبيع بن خالد اليشكري فإنه حسن الحديث لكونه روى عنه جمع من الثقات، ولذا فإن اللفظ الذي ثبت بسند حسن هو قوله عليه الصلاة والسلام : " فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك، فالزمه ". أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده.

وقد تجرأ أحدهم على المحدث الألباني كيف يحسن حديث حذيفة في صحيح الجامع، الذي بلفظ: "فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض فالزمه"، ويضعف اللفظ من حديث ثوبان ويقول إن زيادة : "فإنه خليفة الله" منكرة، والجواب: أنه يضعف أيضاً هذه الزيادة من حديث حذيفة كما في السلسلة الضعيفة برقم (1791) وإنما قصد بالتحسين في صحيح الجامع تحسن جملة الحديث، وهذه طريقة المحدثين قديماً وحديثاً فإنهم يصححون أحياناً الحديث في الجملة دون بيان الزيادات، ولا يفهم مثل ذلك إلا من كان من أهل الحديث، وهو تخصص عزيز، له رجاله، فكم رأينا من يتجرأ على أهل هذه الصناعة بغير حق، وإلى الله المشتكى.

الوصف الثاني عشر: أنه يخرج من بلاد المشرق لحديث ثوبان وابن مسعود كما تقدم، فلا يكون خروجه من اليمن ولا غيرها من البلدان التي ليست شرقاً للمدينة النبوية " طيبة".

الوصف الثالث عشر : أنه لا يخرج إلا في زمن طلوع الرايات السود من قبل المشرق، لحديث ثوبان وابن مسعود كما تقدم أيضاً، وهؤلاء سيكونون من جند المهدي وسيبايعونه.

والكنز المذكور في الحديث يقصد به كنز الكعبة، ومجيء الرايات السود من المشرق ثابت في صحيح السنة كما تقدم، وأما تحديد ذلك بخراسان وهي مدينة إيرانية اليوم فإنه لم يثبت، وقد وردت به أحاديث لم تصح.

قال ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم (2/120-121) "فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين وليس هو بالمنتظر الذي تزعم الرافضة ...والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان"اهـ

الوصف الرابع عشر: أنه ينزل في زمانه "عيسى فيصلي المهدي بعيسى، ويقتل عيسى المسيح الدجال".

وقد ورد في هذا الوصف مجموعة أحاديث منها حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة" أخرجه مسلم عن جابر.

وقال عليه الصلاة والسلام: "الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وَأَنا أولى النَّاس بِعِيسَى ابن مَرْيَم صَلى الله عَليْهِ وَسَلم، لم يكن بيني وَبَينه نَبِي، وَإنَّهُ يَأْتِي فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رجل مَرْبُوع بَين الحمرَة وَالبَيَاض، كَأَن رَأسه يقطر وَإِن لم يصبهُ بَلل، بَين مُمَصَّرَتَيْنِ، فَيدق الصَّليب، وَيقتل الخِنْزِير، وَيفِيض المَال، وَيَضَع الجِزْيَة، وَيهْلك الملل كلهَا غير الإِسْلام، وَيهْلك الله، تبَارك وَتَعَالى، المَسِيخ الدَّجَّال، وتوضع الأمنة على الأَرْض حَتَّى يرتع الأسد مَعَ الإِبِل، وَالذِّئْب مَعَ الغنم، ويلعب الغلمان بالحيات فَلا تَضُرهُمْ، فيمكث أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ يتوفى فَيصَلي عَليْهِ المُسلمُونَ" أخرجه أحمد وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو مخرج في الصحيحين مختصراً.

الوصف الخامس عشر، وهو وصف مهم جداً: أن عصره مستقبلي بعد سلام مع عدونا وملاحم متعددة نقوم بها نحن المسلمين وأعداؤنا ضد عدو آخر لنا، وقد اقتربت ارهاصات هذه الملاحم، وهي لم تحدث حتى الآن، ومن أوقع هذه الملاحم التي لم تقع حتى الآن ما أخرجه الإمام أبوداود في سننه والحديث صحيح عن ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ، وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ، وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ ، فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ".

وثبت عند أبي داود وغيره من حديث ذي مِخْمَرٍ بلفظ: "ستصالحون الروم صلحا أمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر القوم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف".

وقوله: " ِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ" وهي الأرضٍ الفسِيحة ذات نبَات منتشِر على مساحةٍ كبيرة، وفيها مرتفعات غير شاهِقة الارتِفاع.

وظاهر ما تقدم أنها حرب بيننا ومن معنا ممن سالمناهم من الكفار ضد عدو آخر، وهذه غير الملحمة الكبرى، بل هي ملحمة من مجموعة ملاحم لم تقع ويبقى بيننا وبين أهل الكفر سلام وعهود، وأما الكبرى التي تكون بيننا كمسلمين ضد عدونا فهي المذكورة في الأحاديث التالية وتكون في الغوطة.

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ ".

ويؤكد ذلك حديث آخر أن الملحمة الكبرى المشار إليها سابقاً "بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ " ستكون في الغوطة الشرقية بدمشق لما ثبت من حديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فُسطاطُ المسلِمين يوم المَلْحمَةِ الكُبرى بأرضٍ يُقال لها: الغُوطَة، فيها مَدينةٌ يُقال لها : دِمشق، خير منازلِ المسلِمين يومَئِذٍ" أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما.

وقد قال الإمام النووي في المنهاج: "وَ(الْأَعْمَاق وَدَابِق) مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ بِقُرْبِ حَلَب"اهـ.

قلت: وحلب قريب من دمشق، وفي تحديد الموقع ما بين حلب ودمشق خلاف، لكن الحديث المتقدم يخصص الغوطة، وهي قريبة من دمشق بنص الحديث المتقدم.

ولا يمنع من تكرار الملاحم حول حلب والغوطة، وهذا ظاهر من أدلة أخرى، والله أعلم، ثم الأحاديث المتقدمة تؤكد أنها ستكون ملاحم متعددة، ومنها الملحمة الكبرى وكلها قبل ظهور المهدي وقبل مبايعته، وكلها لم تتم، ومعنى ذلك أنه لا مهداوية في هذا العصر، فلا تصدقوا الأدعياء، فليس هذا العصر عصره.

ثم المهدي إذا ظهر سيفتح الله على يديه الأمصار ويحكم البلاد العربية كلها ويصلحه الله في ليلة، ويتعدى الفتح حتى يصل بلاد الغرب، ولا تكون للغرب قوة تستطيع أن تقاومه وتقاوم جيشه يومئذ، بخلاف قوة الغرب في عصرنا الحاضر وظهورهم على المسلمين والذي بلغ ذروته، فكيف يكون زماننا هو زمان المهدي وصحيح السنة والواقع يتصادمان تماماً مع هذه الدعاوى غير الممكنة؟!!! ولذا فإن بعضهم يقنع هواه وفكره غير مبالي بأدلة السنة الصحيحة والواقع الذي نعيشه، ومن العجب العجاب أن بعضهم يستدل بأحاديث وآثار لا تصح أسانيدها في هذا الباب إلا ندرة لا حجة فيها.

تنبيهان مهمان:

التنبيه الأول: لا يصح في السنة الصحيحة أنه يخسف بجيش جاء إلى مكة ليقاتل المهدي.

نعم ثبت حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العجب أن ناساً من أمتي يؤمّون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم، يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتّى، يبعثهم الله عز وجل على نيّاتهم".

وثبت في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يعوذ عائذ بالبيت، فيُبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم،، فقلت يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته".

لكن لا يصح أن هذا العائذ هو المهدي لعدم وروده في النص، فقد يكون المهدي وقد يكون غيره، ولذا لا يجوز شرعاً أن نبني مسائل الشرع على الاحتمالات، وقد قال الفقهاء: "ما قام به الاحتمال بطل به الاستدلال"، فأنت تحتمل شيئاً وغيرك يحتمل شيئاً آخر، فأيهما يُقدم احتمالك أم احتماله؟!! الجواب: لا ذا ولا ذاك، بل من أدعى شيئاً لزمه أن يأتينا بنص صحيح.

يقول المحدث العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/558): "يشير أحدها إلى أن الرجل الذي يأتي مكة هو المهدي لكن في سنده جهالة، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (1965). ولقد كان الجهل بضعفةً من أسباب ضلال جماعة (جهيمان) التي قامت بفتنة الحرم المكي، وادعوا زوراً أن المهدي بين ظهرانيهم، وطلبوا له البيعة، فقضى الله على فتنتهم ومهديهم، وكفى المؤمنين شرهم"اهـ

قلت: ويقصد بذلك حديث أم سلمة كما سيأتي في التنبيه الثاني وهو ضعيف، وليس فيه التصريح بالمهدي لكن جاء التصريح بأنه المهدي عند الطبراني واسناده مظلم بل أقرب للوضع من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف عَن أبي قبيل المغافري قَالَ حدَّثَنِي عَبْد الله بْن عَمْرو: أَن معَاذ بْن جبل أخبرهُ، وذكر سياقاً مرفوعاً غريباً وفيه "حَتَّى يُبَايع الْمهْدي بَين الرُّكْن وَالْمقَام فيبعث إِلَى السفياني فيقتله وَيقتل كثيرا وَتلك غنيمَة كلب".

التنبيه الثاني: لا يصح حديث أن بيعته تتم ما بين الركن والمقام.

نعم ثبت عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبايع لرجلٍ بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلّوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخرّبونه خراباً لا يعمر بعده أبداً، هم الذين يستخرجون كنزه" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك وغيرهم.

وليس في هذا الحديث أنه المهدي، ومثله حديث ثوبان وابن مسعود، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئا لا أحفظه، فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم، وقد تقدم معنا في الوصف الثاني عشر من هذا المقال.

وليس في الحديثين أي دلالة على أنه يبايع في ذلك المكان، فقد يبايع هو أو غيره، فلا ندندن في شئ لا دليل فيه كما يفعل اليوم أدعياء المهدية حتى صار الناس يرددون ما يسمعون دون أن يتأكدوا من صحة ذلك.

والأصل أنه يبايعه الناس أينما كان، وفي مواضع مختلفة من بلدان الله، وإني لأعجب من الحودلي وبعض الأدعياء الذين يقولون للناس سافروا وعيشوا بمكة كي تتم البيعة ما بين الركن والمقام، فعجباً لهؤلاء هل علموا الغيب وتيقنوا أننا في زمن المهدي وأنه هو من تعقد له البيعة في مكة دون أن يثبتوا ذلك بحديث صحيح؟!!، وحتى لو علم الناس بظهور المهدي بمكة قطعاً فلست مكلفاً أخي المسلم بالذهاب إلى ما بين الركن والمقام وتبحث عن المهدي لتبايعه لأن بيعته تتم ولو لم تره، ويكفي مبايعة من ولاه أميراً في بلدتك، فالمهدي خليفة كغيره من الخلفاء الراشدين المهديين الأربعة لكنه يحصل له من الصفات والأحوال ما يتفق بعضها مع صفات وأحوال الخلفاء الراشدين الأربعة، ويختص بالبعض الآخر كما أشار إلى ذلك علماء الاسلام وفقاً للأحاديث الصحيحة، ومنها أنه يعيش سبع سنوات ثم يموت ويخلفه غيره، وقد بلينا بهؤلاء الأدعياء وأتباعهم الرعاع الذين لا يعون أدلة الشرع، ومع ذلك ترون بعضهم يدندن ويهذي بردود على العلماء ويصحح بجهالة للعلماء، وخصوصاً أهل الاختصاص في الحديث النبي الشريف، وهذا من التطاول والحمق والسفه، ورحم الله من عرف قدره، وقد قالت العرب "الأحمق من جهل قدره وقدر غيره".

ومما ينبغي الاشارة إليه: أن قوله عليه الصلاة والسلام: "ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم" لا يفيد أنهم يدخلون مكة ويقاتلون فيها ويبايعون المهدي ما بين الركن والمقام، وإنما يظهرون في مكان ما، قد يكون مكة لكونهم وفدوا لها، وقد يكون غيرها، إلا أن قوله عليه الصلاة والسلام " فبايعوه ولو حبوا على الثلج" قد يُستفاد منه أنه يكون من بلاد الثلج وأن أصحاب الرايات كذلك، وهذا ما فهمه كثير من أهل العلم، وقد سبق أن ذكرت كلام ابن كثير عند " الوصف الثالث عشر"، وبلاد الثلج هي البلاد المشرقية وهي غير العراق، وإنما ما بعد العراق من المناطق الثلجية في بلاد العجم فخروجه من المشرق وهو من أصل عربي هاشمي كما تقدم، ولا يكون خروجه من اليمن ولا غيرها من البلدان التي ليست شرقاً للمدينة النبوية " طيبة".

وأما حديث أم سلمة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "يبايع لرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر، فيأتيه عصب العراق، وأبدال الشام، فيأتيه جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب فيهزمهم الله، قال: وكان يقال: إن الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب"، فهو حديث ضعيف، أخرجه الحاكم في المستدرك، وسكت عنه، وقال الذهبي في التلخيص: " " أبو العوام عمران ضعفه غير واحد، وكان خارجيا "اهـ

قلت: وأقوى روايات حديث أم سلمة ما أخرجه أحمد في مسنده بلفظ: "طائفة من أمتي يخسف بهم يبعثون إلى رجل، فيأتي مكة، فيمنعه الله منهم ويخسف بهم، مصرعهم واحد ومصادرهم شتى، إن منهم من يكره، فيجيء مكرها "، لكنه معل لأن في اسناده : علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ويتقوى بحديث عائشة عند أحمد وغيره بلفظ : "العجب، إن ناسا من أمتي يؤمون البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم " واسناده صحيح، وأصله في الصحيحين " متفق عليه"، لكن ليس هناك ما يفيد أنه المهدي، فقد يكون هو وقد يكون غيره.

أكتفي بهذا القدر، على أن نلتقي في لقاء قادم بإذن الله خلال أسبوعين، مع موضوعين جديدين مهمين من هذه السلسلة، الأول : مناقشة الحودلي وبيان جهله في التمييز بين صحيح السنة وضعيفها وخطورة منهجه المهدوي على الأمه"، والثاني: " بيان صفات المهدي التي لا يصح دليلها".

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام