الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    حقيقة مدعي المهدية ناصر اليماني    ||    عدد المشاهدات: 6018

زندقة ناصر القردعي في تفسير القرآن الكريم، أمثلة وردود من خلال بيانه الأول

الحلقة 11

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

هذا هو اللقاء الرابع الذي من خلاله نناقش ناصر القردعي فيما ذكره في بيانه الأول من الضلالات وكبائر الأمور، وبقي لنا لقاء خامس وسادس ثم نشرع بإذن الله في مناقشة البيان الثاني للقردعي على ضوء الكتاب والسنة.

يقول ناصر القردعي في بيانه الأول: في تفسير قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ"، ويقصد عُلماء المسلمين إذا جاءهم حديثٌ عن رسول الله، وذلك هو الأمن لمن أطاع الله ورسوله، وأما قوله: "أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ" وذلك من عند غير الله، وأما قوله: "أذاعوا به" فهم علماء المسلمين يختلفون فيما بينهم فطائفة تقول إنَّه حديثٌ مفترى مخالفٌ للحديث الفلاني، وأخرى تقول بل هذا هو الحديث الحقّ وما خالفه فهو باطلٌ وليس عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم"اهـ

نجد أن القردعي فسر الآية بما هو سائد بين المحدثين من خلاف حول بعض الأحاديث حسب زعمه، وهذا تفسير منه لا أصل له عند علماء التفسير ولم يقل به أحد سواه، وحاشا أن يقول به أحد من العلماء لأن قضية اختلاف المحدثين في بعض الأحاديث لا علاقة لها بالآية ولا تفسيرها، ولم تنزل في أهل الحديث ولا علماء الحديث، لأن عصر المحدثين الذين اختلفوا في تصحيح وتضعيف بعض الأحاديث متأخر عن عصر نزول الوحي، فهذا تقولٌ منه وادعاء وهلوسة عند هذا الرجل الدعي.

وقد حذر العلماء من تفسير القرآن وفقاً للأهواء والضلالات مستدلين بقول الله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".

فتفسيره من القول على الله بلا علم.

وقد ثبت في الحديث الحسن أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه أحمد في مسنده والنسائي في السنن الكبرى، والترمذي في جامعه.

وقد ساق الطبري في تفسيره بإسناده وكذا ساقها بعض أهل الحديث والآثار عن بعض السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل القرون المفضلة ما يفيد نهيهم وتحذيرهم من تفسير القرآن الكريم بلا علم، ومن ذلك: ما جاء عن أبي بكر الصديق أنه قال: " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".

وقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه: "لقد أدركت فقهاء المدينة، وأنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع"

وقال ابن أبي مليكة إن ابن عباس سئل عن آية- لو سئل عنها بعضكم لقال فيها-" فأبى إن يقول فيها ".

وقال مَسْروق الأجدع: "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله ".

وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: " إنا لا نقول في القرآن شيئًا ".

وقال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: "كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن، سكت كأن لم يسمع ".

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13/371) : " فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب" اهـ

فالعلماء من أهل القرون المفضلة وما بعدها كانوا يتحاشون تفسير الآيات إلا بعلم ومنفعة تستدعي وهم خير منا.

فما بالكم أيها الإخوة بهذا الزنديق ناصر القردعي الذي لم يطلب العلم يفسر القرآن على هواه ويدعي أن الله يوحي له بالتفسير بما يتعارض مع الكتاب والسنة، ويطعن في كلام الله وكلام رسوله على هواه ليضل الناس، وهو من أجهل خلق الله؟!! بل صار أتباعه كل واحد منهم يفسر القرآن على هواه بغير علم ويجادل ويخاصم ويجَّهل الصحابة والتابعين والعلماء ويطعن فيهم ويقول : لقد أعطاني ربي عقلاً أميز به كلام الله، فيا سبحان الله! ولماذا لم يقل الصحابة وأهل القرون المفضلة وسائر العلماء مثل اليماني وأتباعه، أليست عقولهم أوعى وأدرك وأنظف من عقولكم؟!! هكذا يفعل الشيطان بمن استحوذ عليهم.

وأما ما يتعلق بتفسير ما سبق من الآيات فقد قال شيخ الاسلام الشوكاني في تفسيره المسمى فتح القدير عند هذه الآية: " قوله: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) يقال: أذاع الشيء وأذاع به: إذا أفشاه وأظهره، وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئا من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم، أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم؛ أفشوه وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك"اهـ

فتأملوا كلام الدعي ناصر القردعي وما فسر به الآية، وتأملوا كلام شيخ الاسلام الشوكاني، وفرق بين عالم وشيطان يفسر القرآن على هواه.

ومما يؤكد تفسير الشوكاني ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع ".

ومثله قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية حيث قال: "إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها ، فيخبر بها ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة"اهـ

قال ناصر القردعي: "في تفسير قوله تعالى: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا"، بمعنى أن يردوه إلى محمدٍ رسول الله إن لم يزل موجوداً وإلى أولي الأمر منهم إذا لم يكن موجوداً ليحكم بينهم فيردوه إلى أولي الأمر منهم وهم أهل الذكر الذين يزيدهم الله بسطةً في العلم بالبيان الحقّ للقرآن الكريم لعَلِمَه الذين يستنبطونه منهم أي لعَلِم هذا الحديث هل هو مفترى عن رسوله الله فيستنبط الحكم من القرآن وهي الآية التي تأتي تخالف هذا الحديث ومن ثمّ يعلمون أنه مُفترى عن رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- نظراً لتخالف هذا الحديث مع آية أو عدة آيات في القرآن العظيم"اهـ

قلت  لا زال يدندن حول المحدثين والأحاديث التي تخالف القرآن حسب زعمه، حيث جعل هذه الآية حجة لمعرفة الأحاديث الصحيحة من غيرها، بالعودة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في حياته بأن يسأله الناس عن الحديث الصحيح من المكذوب وبالعودة للعلماء في غير حياة النبي عليه الصلاة والسلام لكنه قيد العلماء بقوله "أهل الذكر الذين يزيدهم الله بسطةً في العلم بالبيان الحقّ للقرآن الكريم" وإذا سألناه من هم أهل الذكر يا ناصر؟ قال لنا المهدي يعني نفسه كما صرح في أكثر من بيان ولأنه كفر العلماء وجهلهم بل كفر المسلمين كلهم كما سيأتي فلا مسلم عنده إلا من اتبعه وآمن بما جاء به من عند الله حسب زعمه.

وقد تقدم معنا في الحلقة رقم (7) تصريحه بأنه هو الذي أعطاه الله الفضل والرحمة وجعله فضلاً ورحمة لهذه الأمة ومرجعاً لها بدلاً من العلماء.

فقال في هذا البيان في تفسير قوله تعالى: "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا"، حيث فسرها بقوله: "يقصد المسلمين بأنّه لولا فضل الله عليهم ورحمته بالمهديّ المنتظَر لاتَّبعتم يا معشر المسلمين المسيح الدجال إلا قليلاً"اهـ

حيث فسر الفضل والرحمة في الآية بالمهدي، وأنه لولا المهدي "لاتبع المسلمون المسيح الدجال"، فأنكر الدجال، وقال: الدجال هو الشيطان نفسه.

وهذا تفسير غريب تلقاه من الشياطين وإلا كيف عرف أن الآية تقصد المهدي؟؟! وأن الدجال هو الشيطان، والوحي نزل على رسوله قبل أن يخلق الله ناصر القردعي بـ 1380 سنة!!!!!، ولم يقل رسول الله ولا صحابته ولا أحد من العلماء قبله بأن فضل الله ورحمته هي المهدي، ولم يقولوا: إن الدجال هو الشيطان، فهذا تقول على الله وتخرص بلا علم، حيث بيَّن مقصود الله على غير ما قصده سبحانه.

ومن جهة أخرى تقدم معنا في الحلقة رقم (10) أن تصحيح وتضعيف الأحاديث يخضع لقواعد علم الحديث، وهو فن له رجاله، وقد يختلف العلماء في بعض الأحاديث نظراً لاختلافهم في عدالة وضبط الرواة لكن هذا الاختلاف لا يعني أنهم لم يتفقوا في الجملة على أصول الأحاديث الصحيحة بينما ناصر اليماني نسف الأحاديث الأصول التي اتفق العلماء الربانيون على تصحيحها في الجملة ومن ذلك أحاديث متواترة كما أسلفنا في الحلقات السابقة، بينما اليماني أسقطها تماماً، فأي اختلاف يعنيه وهو يهدم الاسلام عروة عروة، ثم يتكلم عن قضية الاختلاف في الأحاديث، وهو قد مرق من الدين وتزندق وحارب الأصول المتفق عليها.

يقول الشوكاني عند قوله تعالى: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم" وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم، " لعلمه الذين يستنبطونه منهم" أي: يستخرجونه بتدبرهم وصحة عقولهم، والمعنى : أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يذيعها أو يكون أولو الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك ؛ لأنهم يعلمون ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يكتم، والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء  إذا استخرجته" اهـ

فتأمل الفرق بين التفسيرين لتعرف كيف يلعب هذا الدعي بكلام الله ويفسره على هواه.

فالآية تتكلم عن قضية الاشاعات وقت الأمن والخوف وما يجب أن يكون على المسلم نحوها، وهذا الدعي حول مقصد الآيات إلى شئ لم يسبق له لأجل يطعن في السنة وحملة السنة كما فعل ذلك الزنادقة وفلاسفة المتكلمين قبله.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام