ناصر القردعي يتقول على الله ويكذب على رسول الله
الحلقة 12
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
هذا هو اللقاء الخامس الذي من خلاله نناقش ما تبقى من كلام الدعي ناصر القردعي في بيانه الأول، وبقي لنا لقاء سادس حول بيانه الأول ثم نشرع في مناقشة البيان الثاني بإذن الله.
يقول ناصر: " ولو تدبرتم الآية حقَّ تدبرها لوجدتم أنه حقاً لا يخاطب الكفار بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}؛ بل إنّه يخاطب المسلمين المؤمنين بالقرآن العظيم الذين يقولون طاعة لله ولرسوله وليس الذين كفروا، فتدبروا الآية جيّداً كما أمركم الله: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ"، إلى أن قال ناصر: "وذلك لأن سُنَّة محمدٍ رسول الله لم يعِدْكم الله بحفظها من التحريف والتزييف؛ بل وعدكم بحفظ القرآن العظيم ليكون المرجع لسنة رسول الله فيما خالف من الأحاديث القرآن فاعلموا أنه حديثٌ مفترى ولم ينزل الله به من سلطان، وأمّا الأحاديث الحقّ فسوف تجدونها متشابهة مع ما أنزل الله في القرآن العظيم تصديقاً لحديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: [ما تشابه مع القرآن فهو مني] صدق محمد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم" اهـ
قلت: حاول ناصر القردعي من خلال قوله تعالى: "وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ" وكذلك قوله تعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًاً"، أن يضلل أتباعه ليغرس في أذهانهم أمرين مهمين :
الأول: أن قوله " بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ " في حق المؤمنين ولم تكن في حق الكافرين المنافقين لكي يطعن في الصحابة ويقول هم مؤمنون في نظركم لكن هم منافقون، بل صرح تصريحاً واضحاً وقال هم رواة الحديث حول النبي عليه الصلاة والسلام، كما أسلفنا في الحلقة رقم (11) حيث قال : " " هُناك طائفة من المُسلمين ظاهر الأمر من عُلماء اليهود من صحابة محمد رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- ظاهر الأمر- وهم يبطنون المكر ضدّ الله ورسوله اتخذوا أيمانهم جُنّة ليصدوا عن سبيل الله فيكونوا من رواة الحديث وأنزل الله سورةً باسمهم (المنافقون)"اهـ.
وكلامه هذا: نص صريح في أن سورة المنافقون نزلت في بعض رواة الحديث، ولا يوجد رواة في ذلك العهد سوى الصحابة الذي أجمع أهل الحديث وغيرهم على عدالتهم، وقد صرح بعض أتباعه الجهلة بأن الصحابة منهم منافقون وزنادقة وجهمية ومعتزلة ووضاعون، فعجباً لضلالهم وجهلهم بالتاريخ.
ومن المعلوم بإجماع المسلمين أنها لا توجد أحاديث في السنة الصحيحة جاءت من رواية منافق عاش على عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
ومما اتفق عليه المحققون من أهل الحديث أنه يشترط في الراوي العدالة والضبط، واتفقوا أن هاتين صفتان لا توجد في منافق، فكيف يقال بأن هناك رواة في العهد النبوي كانوا منافقين؟!
وأيضاً أن طبقة الوضاعين من أهل الزندقة والجدل لم تكن في العهد النبوي بالاتفاق، لأن أهل الزندقة والجدل ظهروا في أواخر عهد عثمان وبدأ لهم صيت بعد مقتله وذلك بعد 35هـ
ولذا أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ابن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم".
فهذا الدعي ناصر القردعي رجل عامي وجاهل، لا علم له بالتاريخ، ولا بالحديث النبوي، ويكذب كذباً صريحاً من غير استحياء لا من الله، ولا من الخلق بجعله ابتداء طبقة الوضاعين منذ حياة النبي عليه الصلاة والسلام.
فعجباً له: كيف يكون هناك وضاعون والوحي يتنزل؟! والرسول حي؟! أليس جبريل ورسول الله أغير على السنة من غيرهم؟!! فلماذا يسكتان عن الوضاعين؟!! أليس سكوتهما هدماً لأحكام الله أيها الدعي الجاهل؟!!!.
ثم: كيف يكذب منافقون باختراع أحاديث على النبي في حياته وينشرونها بين الصحابة ولا يتصدى لها الصحابة ولا يكون لهم موقف رغم أن مواقفهم شديدة على المنافقين في مواضع هي أدنى من ذلك بكثير كما هو منشور في السنة فما بالك بوحي فيه تشريع ويسكتون؟
وسؤال ثالث: كان جبريل يأتي بالوحي على رسولنا ويخبره عن قضايا كثيرة تتم في عهده، بل ذكر له أسماء المنافقين، فلماذا لم يخبره أن من المنافقين من قام باختراع أحاديث في حياته؟ اعطني يا دعي ولو حديثاً واحدأ؟ وسم لي هذا الراوي المنافق الذي اعتمد أهل الحديث حديثه، وقالوا إنه صحيح!!! لن تجد، وأتحداك.
والسؤال الرابع: كيف خفيت هذه الأحاديث المكذوبة على رسول الله وهو حي والوحي ينزل وخفيت على جبريل والصحابة، وعلمتها أنت دون غيرك؟!!!
أو قل إنك تفترض اشياء من خبر الكهان والشياطين، لا واقع لها!!! قاتلك الله أنى تُصرف!!!
الأمر الثاني الذي يريده الدجال ناصر: هو أن يلزم كل واحد من أتباعه الجهلة، - وكلهم عوام وجهلة - أن يتأملوا أي حديث نبوي بعقولهم فإذا وجدوه خلاف القرآن فهو مما بيته المنافقون وكذبوه على رسول الله، من غير أن يحدد أسماء الرواة المنافقين الذين يزعم أنهم اخترعوا أحاديث، فهو يضع قواعد لا صور ولا أمثلة لها لجهله وزندقته.
ثم هذا الزنديق يريد أن يكيَّف الأحاديث بعقله الضال ليطعن في الأحاديث الصحيحة رغم أنه لا يوجد حديث صحيح يخالف العقل السليم البتة.
ويصرح ناصر باستخدام العقل في معرفة صحيح السنة من سقيمها وكذلك عند عرضها على القرآن الكريم فيقول كما في البيان الأول: " وخذوا منها ما اطمأنّت إليها قلوبكم وتقبلها عقولكم"اهـ
فهل العقول تستطيع أن تميز الأحكام الشرعية بأدلتها أم أن العقول خاضعة للشرع؟، والشرع فوق العقل؟! فإذا كان الشرع فوق العقل فمعناه أن أدلة الشرع لا يمكن للعقل أن يميز صحيحها من سقيمها، ثم عقل من الذي سيميز الحديث أنه صحيح أو مكذوب بعد عرضه على القرآن، هل هو عقل ناصر الجاهل؟! أم عقول مئات الجهلة من أتباعه؟!! تخبط لا أصول له.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه درء تعارض العقل والنقل (1/ 124، 126): "لا يعلم حديث واحد يخالف العقل، أو السمع الصحيح، إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع، بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ"اهـ
ثم هل عقل ناصر وعقول أتباعه متحدة أم أنها مختلفة في الفهم والإدراك، فعلى أي عقل من عقولهم يكون تصحيح الأحاديث؟! وكذلك لو عرضت هذه العقول تلكم الأحاديث على كلام الله، فمن من هؤلاء الجهلة لديه علم بتفسير الآيات حتى يقول الحديث الفلاني مكذوب؟!! لأنه خالف قول الله كذا وكذا، إنه تخبط وجهل لا يقوم على أصول سليمة، بل لو فرضنا تحكيم العقل في مثل هذا المقام فلا بد من أصول تضبط كل هذه العقول المختلفة في الفهم والادراك، فهل كل عقلاني جاهل له الحق في الخوض في ذلك أم لا بد من شروط معينة؟! وما هي هذه الشروط؟ وما هي أدلتها؟!
والجواب: ليس لديهم أصول ولا ضوابط ولا أدلة، وإنما هو الهوى والجهل والزندقة لكونهم جهلة بأحكام الشرع إلا ما قاله لهم كاهنهم ناصر.
وقد سبقهم لهذا التخبط العقلانيون والزنادقة القدماء.
يقول العلامة المحقق عبد الرحمن المعلمي الذماري رحمه الله كما في كتابه الأنوار الكاشفة (ص6 “ إن أصحاب هذا الاتجاه من العقلانيين لم يتفقوا على قاعدة واحدة في هذه المسألة، ومن تأمل آراءهم ، واتجاهاتهم وجد تخبطاً واضطراباً عند متقدميهم ومتأخريهم من المتكلمين أو من المستشرقين أو من لف لفهم في ذلك، فأي قاعدة يرجع إليها في تصحيح الحديث أو تضعيفه ، أم أن عقل كل واحد منهم يجعله هو القاعدة في ذلك؟! انتهى كلامه رحمه الله.
دعونا الآن نقف على التفسير الصحيح للآيات التي ذكرها هذا الدعي.
أولاً تفسير قوله تعالى: "وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ"
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (1/691): وقوله: "ويقولون طاعة " يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة، "فإذا برزوا من عندك" أي: خرجوا وتواروا عنك، "بيت طائفة منهم غير الذي تقول" أي: استسروا ليلاً فيما بينهم بغير ما أظهروه، فقال تعالى: "والله يكتب ما يبيتون" أي: يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين، الذين هم موكلون بالعباد، يعلمون ما يفعلون، والمعنى في هذا التهديد ، أنه تعالى أخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم، وما يتفقون عليه ليلاً من مخالفة الرسول وعصيانه، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة، وسيجزيهم على ذلك، كما قال تعالى: "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك، وما أولئك بالمؤمنين اهـ
فهذا هو تفسير الآية حيث لم يذكر المفسرون ولا غيرهم من العلماء أن تبييت المنافقين كان كذبهم بعض الأحاديث على النبي عليه الصلاة والسلام ونشرها سراً بخلاف كلام هذا الجاهل الذي لا يحسن ما يقول، ومع ذلك يتعدى على الله ويتقول عليه بتفسير آياته بغير علم.
فقوله سبحانه "غير الذي تقول"، هو نفسه "ما لا يرضى من القول" فقوله عليه الصلاة والسلام لهم هو " أمره بطاعته والحذر من معصيته لأن الأمر قول والنهي قول" وقولهم الذي يقولونه بحضرته هو سمعنا وأطعنا وقد عبر عنه بقوله " طاعة" وأما قولهم الذي يبيتونه بمعنى يسرونه ليلاً فهو كل قول صدر منهم، لا يرضاه رسوله، وقد ذكر الله في كتابه مجموعة من هذه الأقوال: منها "لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ" ومنها: "يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا"، ومنها: "لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا" ونحوها من الأقوال وكذلك الشائعات، ولا يصح أنهم كانوا يكذبون أحاديث الأحكام وينشرونها ليلاً في حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذه من أكاذيب ناصر القردعي وبعض الجهلة حوله كما تقدم.
ثانياً تفسير قوله تعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًاً".
يقول ابن كثير في تفسيره (1/691): "يقول تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن، وناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضاد ولا تعارض; لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق; ولهذا قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ثم قال : "ولو كان من عند غير الله" أي: لو كان مفتعلاً مختلقا .ً، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم "لوجدوا فيه اختلافا كثيراً " أي : اضطراباً وتضاداً كثيراً، أي: وهذا سالم من الاختلاف، فهو من عند الله، كما قال تعالى مخبراً عن الراسخين في العلم حيث قالوا : " آمنا به كل من عند ربنا" أي: محكمه ومتشابهه حق، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه; ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين"اهـ
وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن قوله تعالى: " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا" بمعنى أفلا يتأملون بدليل قوله تعالى من سورة محمد: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" فالقلوب المقفلة هي المغلقة عن التدبر والقاسية عن ذكر الله، فالقرآن يفسر بعضه بعضاً، لا كما يقول هذا الدعي الذي يفسر القرآن على هواه، ويضرب الآيات بعضها ببعض من غير علم.
وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مهلا يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل بكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا".
فهذا الحديث يؤكد أن القرآن متناسق غير متناقض وهو تأكيد لقوله تعالى:"وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا" فكلام البشر هو الذي فيه الاختلاف أما كلام الله وكلام رسوله فلا، لأن كلامهما وحي منزل.
فليس معنى الآية تدبروا أحاديث النبي واعرضوها على القرآن لتعرفوا صحيحها من سقيمها كما يقول هذا الدعي، فكلامه لا أصل له في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولا عند المفسرين ولا العلماء، بل هو كلام كذب محض من كيس هذه الدجال.
وأما قول ناصر: " بل وعدكم بحفظ القرآن العظيم ليكون المرجع لسنة رسول الله فيما خالف من الأحاديث القرآن فاعلموا أنه حديثٌ مفترى ولم ينزل الله به من سلطان" فهذا كلام باطل وقد بسطنا فيه الرد في الحلقة السابقة رقم (10) فأغنانا عن التكرار.
وأما قوله": الأحاديث الحقّ فسوف تجدونها متشابهة مع ما أنزل الله في القرآن العظيم تصديقاً لحديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "ما تشابه مع القرآن فهو مني" صدق محمد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم" اهـ
والجواب على هذا الزنديق: لا شك أن الأحاديث الصحيحة تتطابق مع القرآن ولا تخالفه، ولذا قال الله تعالى عن رسوله وأمين وحيه: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ".
وقد اتفق العلماء على أن السنة النبوية مكملة للقرآن ومفسرة له، وهي بهذا المعنى المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وهي من حيث الاحتجاج والعمل بها مثل القرآن الكريم اتفاقاً.
ويؤكد ذلك النبي عليه الصلاة والسلام بقوله كما في الحديث الصحيح: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، يقول: لا ندري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه" أخرجه الإمام أحمد، والترمذي وابن ماجه.
قال حسان بن عطية: "كان جبريل -عليه السلام- ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسنة، كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها، كما يعلمه القرآن" أخرجه المروذي في السنة، واللالكائي في أصول السنة وغيرهما.
ورغم كل ذلك يزعم هذا الدجال أن الأحاديث الصحيحة قد تخالف القرآن وبالتالي فهي مكذوبة لأن عقله عرض بعض الأحاديث على القرآن فوجدها مختلفة، هكذا يقول، وليس معه عقل سليم لأنه لو كان عقله سليماً لما ادعى أنه المهدي وأنه أعلم من رسول الله ومن جبريل وأن الله أعطاه من العلم ما لم يعطه أحداً من العالمين وأن عنده علم الكتاب وأنه يتلقى التفسير من الله ونحو ذلك من أكاذيبه وترهاته التي لا يصدقها عاقل.
ثم يعمَّد هذا الدعي كلامه الباطل بحديث من أكاذيبه التي كذبها على رسول الله وهو قوله قاتله الله إن رسول الله قال: "ما تشابه مع القرآن فهو مني" وهذا كذب محض منه على رسول الله، ولا يوجد له أصل في مصادر الحديث، وهناك حديث مقارب له وهو ضعيف جداً حيث أخرج الطبراني في المعجم الكبير من حديث ثوبان مرفوعاً بلفظ : "أعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته".
وهذا ضعيف جداً، في إسناده: يزيد بن ربيعة ، وهو متروك، ومنكر الحديث .
وستأتي سلسلة الأحاديث التي كذبها ناصر القردعي على رسول الله عليه الصلاة والسلام مسلسلة في مواضعها من هذه الدراسة بإذن الله.
وقد بشَّر النبي عليه الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عليه بمقعد في نار جهنم فقال عليه الصلاة والسلام: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/56): "واعلم أن تعمد وضع الحديث حرام بإجماع المسلمين" اهـ
وقال المناوي في فيض القدير (2/476): "هذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر، قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر ، بل عده بعضهم من الكفر، وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض" اهـ
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.