الرد على الدعي ناصر القردعي المنكر لحكم الرجم وبيان جهله باللغة والشرع
مناقشة البيان الثاني – اللقاء الرابع
الحلقة (17)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
هذا هو اللقاء الرابع في مناقشة البيان الثاني للدعي ناصر القردعي.
وقبل أن أشرع في مسألة هذا اللقاء جاءتني رسالة من أحد الطلاب يقول: إنه بعثها له شخص كان من اتباع ناصر اليماني، ومفادها أن ناصر يقول بأن المعجزة والخارق في المعجم (اللغوي) بمعنى وأحد، فلماذا يقول البيضاني بأن المعجزة في حق النبي والخارق في غير النبي؟
والجواب: لو طلب ناصر القردعي العلم الشرعي لما سأل هذا السؤال اللغوي، لأن قضية انكار خروج المسيح الدجال قضية شرعية وليست لغوية.
فالمعجزة لغة شيء واصطلاحاً شيء آخر.
فمثلاً الصلاة لغة بمعنى الدعاء لكن في الاصطلاح الشرعي: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.
وكذلك قل في تعريف الأمور الأخرى كالطهارة والزكاة والصوم والحج والبيع والربا ونحوها، فلكل واحد من هذه الألفاظ معنى في اللغة، ومعنى في الاصطلاح الشرعي، ومثل ذلك المعجزة لها معنى في اللغة يختلف تماماً عن المعنى الشرعي الاصطلاحي.
فالمعجزة في اللغة مأخوذة من الاعجاز إذا أعجزت غيرك في شيء ما.
وفي الاصطلاح كما تقدم في الحلقة رقم (16): أن المعجزة أمر خارق للعادة يؤيد الله به الأنبياء والرسل لإثبات نبواتهم ورسالاتهم، مقرونة بالتحدي مع عدم المعارضة.
وفي هذا الباب من ناحية اصطلاحية لديك ثلاث مسميات وهي: المعجزة، والكرامة، والاستدراج الخارق " وتسمى خوارق كما سميناها في اللقاء السابق أو أحوال شيطانية".
وكل هذه الثلاث خوارق للعادة لكنها تفترق من ناحية اصطلاحية من حيث الوصف:
فالمعجزة كما تقدم لا تكون إلا على يد الرسل والأنبياء، والكرامة على يد الولي الصالح، والاستدراج الخارق على يد الفاجر كالساحر والدجال والعراف والكاهن.
فالنبي يتحدى قومه ومن قبلهم بالمعجزة ، لكن الولي الصالح لا يتحدى بالكرامة لأنها إكرام له من الله وعلامة على صدق إيمانه وإخلاصه، والفاجر كالساحر والكاهن والدجال يظهر خورقه لأجل يستدرج الناس ليضلهم بها ويغويهم، وقد يتحدى لكن تحديه معرض للهزيمة لأن ما لديه من الخارق لا يدوم بالغلبة بخلاف النبي فإنه لا يهزمه أحد من البشر إذا تحدى بالمعجزة، ولذا فإن سحرة موسى لما تحدوا موسى وأتوا بسحر عظيم استعظمه الناس ولم يُسبق له مثيل فهو خارق للعادة، لكن مع ذلك غُلبوا بمعجزة العصا، فالمعجزة ليست كأي خارق للعادة.
ولذا فالتفريق بين الثلاث " المعجزة والكرامة وخارق الفاجر" واضح جلي من ناحية شرعية.
فيجب على المسلم أن يعلم أن الساحر أو الدجال أو العراف أو الكاهن مسلوبو القدرة الدائمة، ومعرضون للهزيمة إن تحدوا لكونهم مجرد فتنة وابتلاء لمن صدقهم، وأن كذبهم ودجلهم سيظهر للأمة لا محالة لأن سنة الله عز وجل مطردة في فضح دعوى أولئك الدجاجلة ولو بعد حين، فلا يظن ناصر القردعى أن هذه السنة المطردة ستتخطاه، بل ستصله مهما طال الزمن إذا لم يتب، وسيكون أشد خصومه أتباعه عندما تظهر لهم الحقيقة وتزول عنهم الشبه التي زرعها ناصر القردعي بمغالطاته ولعبه بأحكام وأدلة الشرع المطهر.
والخلاصة أن المعجزة: أمر خارق للعادة يجريه الله على أيدي الأنبياء والمرسلين وهي تقترن برسالتهم كانشقاق القمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلب العصا إلى حية لموسى عليه السلام وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام.
وأما الكرامة: فهي أيضاً أمر خارق للعادة وإن لم يكن من المعجزات لافتقاد شروط المعجزة ويمكن تعريف الكرامة بأنها: أمر خارق للعادة تظهر على يد مؤمن مُكلف بشريعة النبي مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح الموافق للكتاب والسنة،
وأما الاستدراج الخارق: فهو أيضاً خارق للعادة يُظهره الله على يد الأدعياء من غير الأنبياء والأولياء كالمسيح الدجال الذي يقتل شخصاً ثم يُحييه، لكن بعد ذلك يأخذه الله أخذ عزيز مُقتدر ومثله الذين يفعلون السحر للتضليل وقلب الحقائق كي ينخدع الناس بهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح (6/ 419): "ولهذا أعظم الفتن فتنة الدجال الكذاب، لما اقترن بدعواه الإلهية بعض الخوارق، كان منها ما يدلّ على كذبه من وجوه، منها: دعواه الإلهية وهو أعور، والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كلّ مؤمن قارئ وغير قارئ، والله تعالى لا يراه أحد حتى يموت، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلامات الثلاث في الأحاديث الصحيحة، فأما تأييد الكذاب ونصره وإظهار دعوته دائماً، فهذا لم يقع قط"اهـ
وقال العلامة السعدي رحمه الله كما في التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة (ص107):"الفرق بين المعجزة والكرامة والأحوال الشيطانية الخارقة للعادة على يد السحرة والمشعوذين:
أن المعجزة هي ما يُجرِي الله على أيدي الرسل والأنبياء من خوارق العادات التي يتحدون بها العباد، ويخبرون بها عن الله لتصديق ما بعثهم به، ويؤيدهم بها سبحانه؛ كانشقاق القمر، ونزول القرآن، فإن القرآن هو أعظم معجزة الرسول على الإطلاق، وكحنين الجذع، ونبوع الماء من بين أصابعه، وغير ذلك من المعجزات الكثيرة.
وأما الكرامة فهي ما يجري الله على أيدي أوليائه المؤمنين من خوارق العادات، كالعلم، والقدرة، وغير ذلك، كالظلة التي وقعت على أسيد بن الحضير حين قراءته القرآن، وكإضاءة النور لعباد بن بشر وأسيد بن حضير حين انصرفا من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما طرف سوطه.
وشرط كونها كرامة أن يكون من جرت على يده هذه الكرامة مستقيمًا على الإيمان ومتابعة الشريعة، فإن كان خلاف ذلك فالجاري على يده من الخوارق يكون من الأحوال الشيطانية، ثم ليعلم أن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين لا يدل على نقص إيمانهم؛ لأن الكرامة إنما تقع لأسباب: منها: تقوية إيمان العبد وتثبيته؛ ولهذا لم ير كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم، ومنها: إقامة الحجة على العدو كما حصل لخالد لما أكل السم، وكان قد حاصر حصنا، فامتنعوا عليه حتى يأكله، فأكله، وفتح الحصن، ومثل ذلك ما جرى لأبي إدريس الخولاني لما ألقاه الأسود العنسي في النار فأنجاه الله من ذلك ؛ لحاجته إلى تلك الكرامة، وكقصة أم أيمن لما خرجت مهاجرة واشتد بها العطش سمعت حساً من فوقها ، فرفعت رأسها ، فإذا هي بدلو من ماء ، فشربت منها ثم رفعت.
وقد تكون الكرامة ابتلاء فيسعد بها قوم ويشقى بها آخرون، وقد يسعد بها صاحبها إن شكر، وقد يهلك إن أعجب ولم يستقم "اهـ
وأختم هذا التنبيه بقول المتنبي:
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيـــــــــمِ
ثانياً: أشرع في مناقشة ناصر في مسألة هذا اللقاء، وهي "انكاره لرجم الزاني أو الزانية المحصنين (المتزوجين)".
يقول ناصر: " ثالثاً: في شأن حد من الحدود الشرعية في رجم الزاني أو الزانية المتزوجين بأن الله لم يأمركم بذلك؛ بل حدهم مائة جلدة للزاني والزانية الأحرار وخمسين جلدة للعبد والأمَّة سواء كانوا مُتزوجين أم عازبين وأثبتنا ذلك من القرآن العظيم وفصلناه تفصيلاً لأولي الألباب منكم"اهـ.
وأقول وبالله التوفيق، الجواب على هذه المسألة من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن منكري حكم رجم الزاني أو الزانية (المحصنين) هم جهلة الخوارج والمعتزلة ورعاع القرآنيين العصريين، ومن تبعهم من زنادقة الرافضة ممن أنكروا السنة النبوية إلا ما وافق هواهم، ويعللون ذلك الانكار بعدة شبه:
الشبهة الأولى: أن حكم الرجم غير موجود في كتاب الله، فإذا قلنا لهم كانت آية الرجم مثبتة في القرآن ثم نسخت تلاوة وبقيت حكماً، قالوا لنا: إذن سقط حكمها طالماً لا تتلى كغيرها من الآيات، والجواب أنه لا يلزم من نسخ التلاوة نسخ الحكم طالما بقي الحكم معمولاً به.
قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (5/324-325): "ومعنى قول الله عز وجل: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، معناه الأبكار دون من قد أحصن، وأما المحصن فحده الرجم إلا عند الخوارج، ولا يعدهم العلماء خلافا لجهلهم، وخروجهم عن جماعة المسلمين، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين، فممن رجم: ماعز الأسلمي، والغامدية، والجهنية، والتي بعث إليها أنيسا، ورجم عمر بن الخطاب سخيلة بالمدينة، ورجم بالشام، وقصة الحبلى التي أراد رجمها فقال له معاذ بن جبل: ليس لك ذلك؛ للذي في بطنها، فإنه ليس لك عليه سبيل، وعرض مثل ذلك لعثمان بن عفان مع علي في المجنونة الحبلى، ورجم علي شراحة الهمدانية، ورجم أيضا في مسيره إلى صفين رجلاً أتاه مقراً بالزنا، وهذا كله مشهور عند العلماء"اهـ
وقال رحمه الله في المصدر السابق في موضع آخر: "وأما أهل البدع من الخوارج والمعتزلة فلا يرون الرجم على أحد من الزناة ثيبا كان أو غير ثيب، وإنما حد الزناة عندهم الجلد، الثيب وغير الثيب سواء عندهم، وقولهم في ذلك خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف سبيل المؤمنين، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء بعده، وعلماء المسلمين في أقطار الأرض متفقون على ذلك من أهل الرأي والحديث، وهم أهل الحق" اهـ
وقال البيهقي في السنن الكبرى (8/ 367) بعد ذكر الأحاديث الواردة في الرجم: "في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً" اهـ
ولذا ففهمهم محصور في أن الأحكام التي في القرآن إنما هو المتلو منها فقط، فإذا قلت قد ورد دليلها في صحيح السنة قالوا لك : نحن نريد دليلاً من القرآن، ومثل هؤلاء نقول لهم : أنتم تصلون الصلوات الخمس وتصومون وتزكون وتحجون، وليس في القرآن عدد ركعات كل صلاة ولا كل شروط الصلاة ولا أركانها ولا مستحباتها ولا كيفية الصيام ولا كل شروطه وأركانه وليس في القرآن كيفية الحج وهكذا قل في بقية أحكام العبادات والمعاملات حيث نجد ذلك كله في السنة وليس في القرآن، بل كثير من الأحكام المجمع عليها غير منصوص عليها في القرآن لكنه منصوص عليها في صحيح السنة.
فأما ناصر فأعلن الكفر بصلاة المسلمين، وقال: أكفر بأن عدد المغرب ثلاث ركعات والظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، بل لا أصلي كما يصلي جهلة المسلمين من علماء وعوام وإنما أصلي ركعتين لكل فرض من الفروض الخمسة ولا أعتقد بالجمعة في الاسلام ولا أصلي جمعة، وتابعه بعض المغرر بهم وقالوا ما قاله مهديهم الشيطاني ناصر القردعي فهو عندهم مصدر التلقي وهو في نظرهم أعلم بدين الله من الصحابة والتابعين وعلماء الاسلام، بل في نظرهم لا يفهم القرآن أحد مثل ناصر القردعي، فالحق عندهم ما قاله القردعي فكلامه مقدم على كلام رسول الله وصحابته والتابعين وعلماء الأمة، وهذا شر عظيم، أوقعهم فيه ابليس، فقد فتنوا بناصر كما فتن قوم موسى بالسامري رغم أن موسى بين أظهرهم، وغفلوا عن : أن المهدي رجل متبع ولا يبدل شرع الله ولا يغيره، لأن من غير شرع الله وبدله فقد كفر باتفاق العلماء، وناصر القردعي قد غير شرع الله وبدله وأتى بدين جديد من تلقاء نفسه غير دين الله وأنكر كثيراً من أحكامه فكيف يكون مهدياً؟!!
قال شيخ الاسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/267): "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء" اهـ
يقول بعض العلماء: "إن الحكمة من عدم وجود آية الرجم في كتاب الله يرجع لبيان تفضيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين لم يقبلوا العمل بهذا الحد مع وجوده في كتابهم صريحاً، فقبلت هذه الأمة هذا الحد الشديد مع عدم وجوده صريحا في كتاب الله، وإنما وجد في آية نُسِخَ لفظها، وبقيت الإشارة إليه في آية أخرى ليست صريحة".
الشبهة الثانية: قالوا آية سورة النور وهي قوله تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ " ذكرت حد الزاني الحر بأنه مائة جلدة وآية سورة النساء وهي قوله تعالى: "فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ" ذكرت حد الزاني غير الحر بأنه نصف حد الزاني الحر، ولم تذكر الآيتان التفريق بين متزوج وغيره، فلماذا نفرق والآيتان لم تفرق؟
والجواب: أن آية النور مستقلة بحكم الزاني والزانية الحرَّين غير المتزوجين بجلد مائة جلدة لكل واحد منهما، فلزم التسليم على ما ورد في الآية من غير اعتراض، وآية النساء مستقلة بحكم الزاني والزانية غير المتزوجين من العبيد بجلد خمسين جلدة لكل واحد منهما، ولذا قال الله عز وجل فيها: "فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ" والمحصنات هنا بمعنى الحرائر.
فلماذا نتطاول على الشرع الحكيم وننسب له ما لم يكن منه أو نعطل بعض أحكامه؟!! ولماذا نلحق بهاتين الآيتين حكم الزناة المتزوجين من غير دليل شرعي؟!! وقد استقل حكمهم بآية الرجم في كتاب الله، وثبت ذلك في السنة، ومن فعل السلف والخلف، وأجمع على ذلك أئمة الاسلام كما تقدم وكما سيأتي في هذا المقال مبسوطاً، ولم يخالف في ذلك سوى شواذ المبتدعة من جهلة الخوارج والمعتزلة والقرآنيين العصريين.
لكن لا شك أن من جعل دليله هواه وأنكر السنة واتبع أقوال الزنادقة والدجالين فلن يصيب الحق لأنه لم يعبد الله وفق ما شرعه سبحانه في الكتاب والسنة، بل عبد الله وفق ما تلقاه من شبه الزنادقة والدجالين.
ومن هنا أقول: ناصر القردعي عامي وليس بعالم ومدعي أنه المهدي وليس بهدي لأن كل صفات المهدية لا تتفق فيه، بل لو ظهر المهدي الحق لما اتبعناه في أي حكم يتصادم مع الكتاب والسنة وحاشا المهدي الحق من ذلك، لأنه مثلنا متبع، وليس مبدلاً ولا مبتدعاً ولا محرفاً للشريعة، ولا يثبت دليل في حق المهدي أنه عالم وأن الأمة ترجع له في الفتوى، فما بالكم بناصر القردعي الذي لا يظهر عليه أثر العلم والصلاح، هل هو أحق بالأخذ منه والاعراض عن الأخذ من صحابة رسول الله وأهل القرون المفضلة وعلماء الأمة؟؟!!! وهل فهم العامي ناصر القردعي مقدم على فهم أولئك الأعلام الربانيين من صحابة وعلماء؟ّ " ما لكم كيف تحكمون" أليس لكم عقول سليمة ناضجة تدلكم على التفريق بين الدجاجلة وعلماء الأمة؟!!!
ناصر القردعي خالف كل هؤلاء العلماء والأئمة على جهل من غير علم وليس له تاريخ في طلب العلم، فكيف يكون على حق؟!!!
قال ابن قدامة في كتاب المغني (9/39) في فصل وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلاً كان أو امرأة: "وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج " اهـ.
وقال رحمه الله في المصدر نفسه: "ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري (12/120): "وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور؛ لأن نزولها كان في قصة الإفك، واختُلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع " انتهى من "اهـ
هذا قول أئمة الدين وذاك قول الدعي ناصر القردعي الذي تبع فيه شواذ الخوارج والمعتزلة، فهل ترون ناصر القردعي خيراً ممن قال الله فيهم: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"؟!! وأهل الذكر هم العلماء، والقردعي ليس بعالم، فتفطنوا لذلك أصلحكم الله.
الشبهة الثالثة: قالوا إن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه لما سئل "هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم، قال: قلت بعد ما أنزلت سورة النور أم قبلها قال لا أدري"
قلت: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم، وفيه اثبات الرجم لكنه لما سئل عن الزمن أكان قبل نزول سورة النور أو بعدها قال: لا أدري، وقوله "لا أدري" إشارة إلى أنه لا يعلم الزمن، فأين النفي لحكم الرجم؟!!!! لا يوجد نفي، ثم إن ابن أبي أوفى من جملة الصحابة الذين أجمعوا على رجم الزاني المحصن.
وقد بيَّن علماء الاسلام أن عقوبة الزناة نزلت بالتدرج:
1-حيث ابتدأت العقوبة بالإيذاء والتوبيخ والتعنيف كما قال الله تعالى: " وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا".
2-ثم تطور الحكم إلى الحبس في البيوت، قال الله تعالى: "وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا".
3- ثم انتقلت العقوبة إلى جعل عقوبة الزاني البكر مائة جلدة، والرجم للثيب حتى يموت، واستقر الحكم على هذا بالأجماع، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" أخرجه مسلم.
الشبهة الرابعة: يقول بعضهم إن إقامة حد الرجم فيه تعذيب لروح إنسان والتعذيب ظلم لا يجوز.
والجواب: يجب على المسلم ألا يتعدى حدود الله ولا ينسب الظلم أو عدم الجواز في شئ قام به الدليل، بل يجب التسليم والخضوع للشرع المطهر، سواء كان دليله في الكتاب أو السنة أو فيهما معاً.
فعذاب الله في الآخرة أشد من إقامة حد الرجم في الدنيا، وخاصة أن العاصي يوم القيامة يلج النار ويحرق جسده بها لأزمان تختلف ما بين طويلة وقصيرة حتى وإن كان مسلماً، ألم يقل الله في كتابه الكريم في حق العصاة: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ".
وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، ونحوها من الآيات، أليس التحريق بالنار لأجساد العصاة في الآخرة أشد من عاصي أقيم عليه حد الرجم لساعات حتى فارق الدنيا؟!!
فحدود الله كالحرابة والرجم وقطع يد السارق كلها رحمة بهذه الأمة، وقد نزلت أحكامها لتكون حياة وأمناً لهم، حتى تسلم المجتمعات من الضياع والتشرذم والفساد الذي هو سبب المقت والعذاب في الدنيا والآخرة، ولذا فالعقوبة إذا تأملها المسلم وجدها في ظاهرها عقوبة وفي باطنها رحمة من الله بعباده؛ لأنها تمنع من تكرار المعصية، وتردع الآخرين من الوقوع فيها كي يسلم المجتمع من المعاصي والمفاسد.
ثم هذه الحدود كفارة للذنوب، فعقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة الذي هو أشد وأنكى.
الشبهة الخامسة: قالوا كيف تقولون إن آية الرجم نسخت تلاوة وبقيت حكماً، فلو قلنا بالنسخ لدل ذلك على تناقض القرآن، ثم أنكروا النسخ حيث فسروه بغير حقيقته الشرعية كما في فعل ناصر حينما خاض في قضية النسخ.
والجواب: أنهم شابهوا بقولهم هذا ما قاله كفار قريش.
قال الحافظ ابن حجر في كتابه العجاب في بيان الأسباب (1/ 348): "قال الواحدي، قال المفسرون: إن المشركين قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ثم يرجع عنه غدا، ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام ينقض بعضه بعضاً فأنزل الله تعالى: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَر"، وأنزل أيضا: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا" الآية.
قلت (القائل ابن حجر): وهذا أيضا تبع فيه الثعلبي فإنه أورده هكذا وتبعهما الزمخشري فلخصه، فذكر أنهم طعنوا في النسخ، وكذلك القرطبي وزاد أنهم أنكروا شأن القبلة وغيره المنسوخ، ووجدت في المنقول عن السلف ما أخرجه عبد بن حميد [عن قتادة] قال: كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقرأ الآية من السورة ثم ترفع فينسيها الله تعالى نبيه، فقال الله تعالى يقص على نبيه " مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا" الآية.
قلت (القائل ابن حجر): وقد أورد الثعلبي في آخر كلامه هنا حديثاً يستأنس به في سبب النزول وهو ما أخرجه أبو عبيد... أن رجلا كانت معه سورة فقام يقرؤها من الليل فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها، فأصبحوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: قمت البارحة - فذكر حاله- فقال الآخر: ما جئت إلا لذلك، فقال آخر: وأنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها نسخت البارحة" انتهى كلام ابن حجر، وهذا حديث مرسل صحيح.
قال العلامة علاء الدين المرداوي في كتابه التحبير شرح التحرير في أصول الفقه (6/ 3037): " الخامس (يعني من أقسام النسخ ): ما نسخ رسمه وَبَقِي حكمه، وَلَكِن لَا يعلم ناسخه، ففي الصحيحين من حديث أنس: أنه كان في القرآن: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب لابتغى أَن يكون لَهُ ثَان، وَلَا يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ "، رواه أحمد، وَقَالَ: كَانَ هَذَا قُرْآنًا فنسخ خطه.
ثم ذكر المرداوي ما جاء في صحيح البخاري فِي السّبْعين الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة وَنزل فيهم: " بلغُوا قَومنَا بِأَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا ". قَالَ أنس: فقرأنا فيهم قُرْآنًا، وَذكره ثمَّ رفع بعده"
الوجه الثاني رداً على منكري حكم رجم الزاني أو الزانية (المحصنين): أن رجم الزاني والزانية المحصنين ثابتٌ بالكتاب والسنة والاجماع.
فأما الاجماع فقد نقلناه آنفاً عن علماء الصحابة ومن بعدهم من علماء الاسلام في هذا المقال، وسنذكر أيضاً نقل النووي للإجماع قريباً إن شاء الله.
وأما أن الرجم ثابت في كتاب الله وسنة رسول الله فقد أشرنا إلى ذلك على سبيل الاجمال، والآن حان ذكر الأدلة مفصلة:
الدليل الأول: ما جاء الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ".
الدليل الثاني: أخرج مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
الدليل الثالث: أخرج مسلم أيضاً في صحيحه عن أبي إسحق الشيباني قال سألت عبد الله بن أبي أوفى هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم "، وقد تقدم بطوله.
الدليل الرابع: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية قد زنيا , فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود, فقال: ما تجدون فى التوراة على من زنى؟ قالوا نسود وجوههما ونحملهما, ونخالف بين وجوههما , ويطاف بهما , قال: فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين , فجاءوا بها , فقرءوها , حتى إذا مروا بآية الرجم , وضع الفتى الذى يقرأ , يده على آية الرجم, وقرأ ما بين يديها, وما وراءها , فقال له عبد الله بن سلام , وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليرفع يده , فرفعها , فإذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله فرجما".
الدليل الخامس: ما أخرجه البخاري عن جابر ـ رضي الله عنه ـ: "أن رجلاً من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات، فدعاه فقال: هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ قال نعم فأمر به أن يرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل".
وهذا الحديث المتقدم في قصة ماعز الأسلمي، وقد ثبت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم.
الدليل السادس: أخرج البخاري عن الشعبي حديث علي ـ رضي الله عنه ـ حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل السابع: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قال عليه الصلاة والسلام: "واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت".
الدليل الثامن: جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة".
وأدلة كثيرة أخرى يطول ذكرها.
وقد يقول قائل وما هو نص هذه الآية التي نسخت تلاوة وبقيت حكماً؟ والجواب: هي قوله تعالى: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ".
قال الإمام مالك في "الموطأ" (ص824): "قوله (الشيخ والشيخة) يعني الثيِّب والثَّيبة" اهـ
قلت: فالحكم مناط بالإحصان لا بشيخوخة السن اتفاقاً.
وقد جاء لفظ هذه الآية عن عدة من اصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بأسانيد صحيحة منهم على المشهور ما يلي:
الأول: عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة"، أخرجه النسائي في سننه الصغرى وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه، وهو حديث صحيح، وقد خرجه جماعة من الحفاظ في كتب الحديث غير المذكورين.
الثاني: عن كثير ابن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة " فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، - قال شعبة – فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم" أخرجه أحمد في مسنده والنسائي في السنن الكبرى، والدارمي في سننه والحاكم في مستدركه وصححه، وهو حديث صحيح.
وأما إجماع العلماء على حكم رجم المحصن فقد سبق نقله عن جماعة من أهل العلم كابن عبد البر وابن قدامة والحافظ ابن حجر وغيرهم من أئمة الاسلام، وقال النووي في شرح صحيح مسلم (11/192): " أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن، وأجمعوا على أنه إذا قامت البينة بزناه، وهو محصن يرجم" اهـ