الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5709

هل في الدين بدعة حسنة؟

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س4:ما صحة قول من يقول: إن في الدين بدعة حسنة وبدعة سيئة عملًا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده, من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم ([1])شيء" ([2])؟


ج4: من يقول بتقسيم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة فقد جانب الصواب، لأن الأصل أن البدع في الدين كلها سيئة ومضلة مصداقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ([3]).

ومن التأكيدات أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: "قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديّ([4]تَعْرِفُ منهم وتُنْكِر"([5]).

وأيضاً قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا"([6]).

ثم قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً.." إلى آخره له سبب ودافع حتى يقول مثل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام, وهذا الدافع يوضح لنا أن المقصود من الحديث من أحيا السنن وليس من اخترع وابتدع في الدين ما لم يأذن به الله .

فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي([7]النمار([8]أو العباء([9]متقلدي([10]السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر([11]وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة([12]فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: "يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ" إلى آخر الآية: "إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ً"([13]).

والآية التي في الحشر: "اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ "([14]).

ثم قال: "تَصَدَّقَ رجل من ديناره, من درهمه, من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره"، حتى قال: "ولو بشق ([15])تمرة".

قال فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت.

قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل([16]كأنه مُذْهَبَةٌ([17]فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"([18]).

فسبب الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام حسَّ بفاقة القوم وفقرهم فدعا إلى التصدق في زمن كثر فيه الفقر وقل فيه المال فتهلل وجهه لما الدين. الزكوات والصدقات قد تجمعت أمامه فرأى أن هؤلاء المتصدقين قد سنوا سنة حسنة بفعلهم هذا في وقت قل فيه المال فكأنهم أحيوا هذا الفعل في وقت حاجته فقال مقولته المشهورة الآنفة الذكر.

وأختم قولي بمثال جلي يدركه عامة الناس في أوضح صورة وأبلغ سياق في لزوم السنة والحذر من البدع وإن كانت البدعة في نظر البعض لا تضر في الدين.

وهذا يتضح تمام الاتضاح فيما أخرجه الشيخان من حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه - قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا أويت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: "اللهم أسلمت وجهي إليك([19]إليك، وفوضت أمري إليك([20])، و ألجأت ظهري إليك([21]رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة([22]واجعلهن آخر ما تتكلم به".

قال: فرددتها على النبي عليه الصلاة والسلام فلما بلغت "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت".

قلت: ورسولك قال: "لا ونبيك الذي أرسلت"([23]) فإنكار النبي عليه الصلاة والسلام اللفظ غير المسنون والذي تلفظ به البراء عن غير قصد الابتداع يدل على خطر ما هو أعظم من ذلك كإضافة الأحكام غير شرعية إلى الشرع وحمل الناس عليها بنية التعبد وليس لها أصل في الشريعة مع أن قول البراء ورسولك لا يعارض الواقع لأن نبينا رسول بل خاتم المرسلين ومع ذلك قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "لا".

وأما قول عمر "نعم البدعة هذه" فإنما كان ذلك منه مقابل إنكار بعضهم له لما جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح في المسجد، فهو يقول إذا كانت هذه السنة بدعة فهي نعم البدعة، وذلك لأن أمر وفعل عمر كان سنة على العهد النبوي فتركها الناس، والدليل على ذلك:

ما جاء في الصحيحين عن عائشة: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ".

وثبت عند الترمذي من حديث أبي ذر، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ - يعني في صلاة التراويح- حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ".

فهذان دليلان يؤكدان أن التراويح سنة في المسجد منذ العهد النبوي، وهذا مراد عمر، وبالله التوفيق.

 

([1])  سيئاتهم.

([2])  أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار (2/704 رقم 1017)] من حديث جرير بن عبد الله.

([3])  أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/592 رقم 867)] من حديث جابر بن عبد الله، بدون: "وكل ضلالة في النار"، وهي صحيحة عند عيره.

([4])  منهجي وسنتي.

([5])  أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3/1319 رقم 3411)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة (3/1475 رقم 1847)] كلاهما من حديث حذيفة بن اليمان, واللفظ لمسلم.

([6]سورة المائدة، الآية (3).

([7])  خرقوها وقوروا وسطها.

([8])  كل شملة مخططة من مآزر الأعراب أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض وهي من الصفات الغالبة أي جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف.

([9])  جمع عباءة.

([10])  التقلد جعل نجاد السيف (مِحْمَلاه اللذان طَرَفاهما في الابْزيَميْن) على المنكب.

([11])  انقبض وتغير.

([12])  الفقر.

([13])  سورة النساء، الآية (1).

([14])  سورة الحشر، الآية (18).

([15])  بنصف.

([16])  يستنير ويظهر عليه أمارات السرور.

([17])  مموهة بالذهب فهذا أبلغ في حسن الوجه وإشراقه أو هو تشبيه بالمذهبة من الجلود وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيه خطوطًا.

([18])  أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/592 رقم 867)] من حديث جابر بن عبد الله.

([19])  ذاتي وجوارحي وباطني.

([20])  شأني.

([21])  اعتمدت عليك.

([22])  الإسلام.

([23])  أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء (1/97 رقم 244)] من حديث البراء بن عازب.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام