هل القول بأن العبرة بحسن الخاتمة لا بكثرة الأعمال الصالحة سبب لترك العمل؟
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س9: أنا شاب قد تجاوزت ثلاثين سنة وقد كنت كثير الطيشان والذنوب فتبت إلى الله بواسطة أحد الدعاة والحمد لله أصلي المفروضات وأتنفل وآتي بأعمال صالحة كثيرة، وأنا نادمٌ جدًا على كل ما حصل مني من المعاصي، ولكن كثيرًا ما تقول لي نفسي : العبرة ليست بصلاتك وأعمالك الصالحة ولكن بحسن الخاتمة وأخاف من خاتمة السوء، فما هو الحل لذلك؟ وبارك الله فيكم وكثر الله من أمثالك.
ج9: سدد الله خطاك لما يحبه ويرضاه، والحمد لله أولًا وأخيرًا على نعمة الهداية والتوبة، وكفى بها نعمة، وأما ما يخطر في بالك بين الحين والآخر في أن العبرة بحسن الخاتمة لا بالأعمال الصالحة فأرجو ألا يكون ذلك محبطًا لك عن مواصلة السير في هذه الأعمال الصالحات، فهذا القول قد يكون وسوسة شيطانية لصدك عن هذا الخير الذي ذكرت مع أنه حق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة عن الشيطان الذي نصحه بتلاوة آية الكرسي قال: "صدقك وهو كذوب"([1]).
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة كما ذكر الطحاوي في عقيدته وغيره من أهل العلم أن العبرة بالخواتم لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" ([2]).
فهذا القول النبوي يدل على أن العبد لا يملك قلبه لكثرة تقلبه وقد كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"([3]), ولكن من صدق الله في توبته وعبادته فإن الله لا يضيعه بل يُحَسِّنُ خاتمته بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، ومن رأى في توبته وعبادته رياء ختم الله له بخاتمة سيئة إلا أن يعفو عنه أيضًا بفضله وكرمه سبحانه وتعالى .
أما الحل لدفع خاتمة السوء فإن ذلك لا يكون إلا بمشيئة الله إلا أن هناك أسبابًا لدفعها ومن أهمها:
الأول: البعد عن المعاصي بعد أن مَنَّ الله عليك بالتوبة فإنه يخشى أن تموت على معصية منها فتكون نهايتك سيئة وفي الحديث الصحيح: "من مات على شيء بعثه الله عليه"([4]).
الثاني: الحذر من سوء النية وهذا أمر خطير فبعضهم يتوب إلى الله فيرى معصية فينوي فعلها بحجة أنه سيتوب منها فيفعلها فيختم الله له بسوء الخاتمة إلا أن يشاء الله فهذا ما تاب التوبة الصادقة.
لأن التوبة الصادقة هي النصوح التي قال الله عنها: "تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا"([5]).
الثالث: مجالسة العلماء والصالحين لأن من جالس هذا الصنف وأخذ عنهم تطبع بطبعهم ونال من خيرهم وربط نفسه بأهل الخير فيحيى على ذلك ويموت عليه.
الرابع: طول الأمل حيث يظن البعض أن الله سيمد له في عمره وأنه سيتوب عندما يكبر وهذا خطأ فإن المؤمن لا يدري متى أجله.
قال تعالى: "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" ([6]), وفي صحيح البخاري يقول النبي عليه الصلاة والسلام لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ([7])", وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك"([8]) .
وعليه فيجب عليك أن تشكر الله على هذه التوبة وتحافظ عليه بما سبق ذكره مع المحافظة على الأذكار فإنها حصن المسلم والمحافظة على النوافل والطاعات والتزام السنة، ومصاحبة أهلها فإن كل ذلك يقربك من الله ويساعد على حسن الخاتمة؛ وبالله التوفيق.
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الوكالة, باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز(2/812 رقم 2187)] من حديث أبي هريرة.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المغازي, باب غزوة خيبر(4/1539 رقم 3966)], ومسلم في صحيحه [كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة(1/106 رقم 112)] كلاهما من حديث سهل بن سعد الساعدي.
([3]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد [كتاب الأذكار, باب دعوات النبي صلى الله عليه وسلم( 1/237 رقم 683)] من حديث انس.
([4]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند المكثرين من الصحابة, مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه(3/314 رقم 14413)] من حديث جابر.
([5]) سورة التحريم, الآية (8).
([6]) سورة لقمان, الآية (34).
([7]) مار على طريق للسفر.
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الرقاق, باب قول النبي صلى الله عليه وسلم( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )(5/2358 رقم 6053)] من حديث بن عمر.