من لم يأمن على دينه فلا يجوز له الإقامة في بلاد الكفار
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 24: روى النسائي من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعًا "لا يقبل الله من مشرك عملًا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين"([1]).
ولأبي داود من حديث جرير بن عبد الله مرفوعًا "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"([2])
فهل هذان الحديثان صحيحان، وكيف يمكن حملهما ؟
ج24: أما حديث: "لا يقبل الله من مشرك عملًا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين" فهو في المسند وعند النسائي وابن ماجة بإسناد حسن.
وأما حديث: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" ففيه ضعف لكن له طرق أخرى ينجبر بها ويرتقي إلى الحسن لغيره، وقد أخرجه الترمذي وأبو داود.
والحديثان محمولان على من لم يأمن على دينه الفتنة، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الحديثين يدلان على كراهية أن يسكن الرجل في بلاد الكفار لأنه لا يأمن على دينه، وقالوا: من أمن على دينه من الفتنة جاز له، والترك أفضل.
والحاصل: أن من أمن على نفسه الفتنة جاز له الإقامة والسفر إلى بلاد الكفار، فالعالم الذي يأمن على نفسه الفتنة لا بأس لو جلس هنالك ليعلم الناس الخير فقد أجاز ذلك السلف وغيرهم لما في ذلك من دفع المفاسد وجلب المصالح ونشر الدعوة، وهذا مشهور عن علمائنا الأجلاء في القديم والحديث؛ ومثله من سافر هرباً من الفقر والظلم والقهر إلى دولة كافر آمنة فلا بأس فقد حث النبي عليه الصلاة والسلام كما في البخاري وغيره صحابته في الهجرة إلى الحبشة هروباً من الظلم والقهر وكانت يومها دولة نصرانية آمنة وعادلة، ومثل ذلك لو ذهب طالب ليدرس تخصصاً يحتاجه أهل الاسلام، ومثله التاجر والمهندس والصانع ونحوهم من المسلمين ممن أمن على نفسه الفتنة، وبالله التوفيق.
([1]) أخرجه النسائي في سننه [كتاب الزكاة, من سأل بوجه الله عز وجل(5/82 رقم 2568)], وابن ماجة في سننه [كتاب الحدود, باب المرتد عن دينه( 2/848 رقم 2536)], وأحمد في مسنده [أول مسند الكوفيين, حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه(5/4رقم 20049)] كلهم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
([2]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب الجهاد, باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود(4/155 رقم 1604)] من حديث جرير بن عبد الله.