حكم ذهاب المرأة لصالون الكوافير وحكم عملها فيه، وتأجير المحلات لهذا الغرض
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س34: حفظك الله، ما حكم ذهاب المرأة لصالون الكوافير وحكم عملها فيه، واستئجار المحلات لهذا الغرض؟
ج34: للمرأة أن تزين نفسها أو تستعين بأخرى ولو مقابل أجرة على قول الجمهور بحيث تطلبها لمنزلها كي تزينها في حدود ما أجازه الشرع، فالتزيين نوع من اظهار الجمال، وخاصة إذا كان للزوج، فإن الأصل فيه الجواز ما لم يرافقه محذور شرعي.
قال الله تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"([1]).
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال".
وفي الصحيحين تقول عائشة رضي الله عنها : "تزوجني النبي _صلى الله عليه وسلم_ لست سنين ، فقدمنا المدينة ، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج ، فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة ([2])، فأتتني أم رومان ([3])، وإني لفي أرجوحة ، ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج ([4])حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ضحى ، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين".
وأما حكم ذهاب المرأة لصوالين التجميل أو العمل فيها فلا ينبغي التشجيع عليه، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن خروج المرأة لمثل هذه الصوالين يسبب لها فتنة لكون خروجها يغلب عليه عدم الحاجة، ولكون هذه المواقع لا تسلم من المحاذير الشرعية، وقد أخرج الترمذي في جامعه بإسناد صحيح من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها ([5])الشيطان".
وصدق الله إذ يقول: "وَقَرْنَ ([6])فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ ([7])تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ([8]).
ثانياً: يغلب على هذه المحلات متابعة الموضات الأجنبية في قص الشعر بطريقة غير شرعية، وعمل المكياج المبالغ فيه، والعبث بجسد المرأة وتغيير شكلها، وعمل أنواع الكوافير والمساحيق بحيث تعرض المزينة كتيباً "وهو المسمى بالكاتلوج" وفيه صور لممثلات أجنبيات أو مغنيات أو عارضات أزياء ونحوهن لأجل تختار الزبونة الشكل الذي تهواه للمكياج والتزيين المراد عمله لتشابه به شكل واحدة من تلكم الفاسقات اللواتي في الصور، وهذا من التقليد المحرم، ومثله أيضاً عمل صبغات شعر متعدد الألوان في آن واحد للتشبه بالكافرات أو الفاسقات، واستعمال الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة.
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ([9])من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ([10])حتى لو سلكوا جحر ضَبٍّ ([11])لسلكتموه ([12])" قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: "فمن".
وجاء في سنن أبي داود بإسناد حسن من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ثالثاً: أن عامة موظفات التجميل يقمن بالنمص وحلق الحاجب والوشم للجسم والتفليج للأسنان، وكل هذه الأمور من المحرمات، بل منه ما يصل إلى تغيير خلق الله، وهذا أشد حرمة، ومثل هذه الموظفة لا ينبغي التأجير لها، أو الاتيان إليها، لكونها تباشر المحرمات، ولكون من جاء لها شجعها على بقاء عمل هذه المحرمات، وقد أخرج الشيخان عن علقمة بن قيس النخعي تلميذ ابن مسعود قال: لعن عبد الله الواشمات ([13])والمتنمصات ([14])والمتفلجات ([15])للحسن المغيرات خلق الله، فقالت: أم يعقوب ما هذا؟ قال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله، وفي كتاب الله، قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" ([16]).
رابعاً: أن عاملات هذه المحلات يقمن بوصل الشعر كي يظهر أنه طويل أو بوصله بالباروكة "الشعر المستعار"، وهذا منهي عنه، ففي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتَمَرَّقَ ([17])شعرها أفَأَصِلُهُ؟ فقال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة".
وعند مسلم عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: "زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئًا".
وقوله: شيئاً – يدل على أن الوصل حرام سواء كان بشعر حقيقي أو اصطناعي.
وبعضهن يقمن بحشو شعر الرأس بخرق، أو قطن، أو أي مادة أخرى لكي يظهر وكأنه كث كثير، وهذا أيضاً لا يجوز لما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسمنة البخت ([18]) المائلة، لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
أما إذا تساقط شعر المرأة بسبب مرض وأرادت عملية زراعية لزراعته فلا بأس لأن هذا من التطبب، ومثلها الرجل بسبب صلع أو غيره.
خامساً: أن كثيراً ممن يذهبن إلى هذه الصوالين يسمحن لعاملاتها بوضع العطور لهن في ثيابهن وأجسادهن، وهذا محرم، وهي في حكم الزانية، فقد ثبت عند أبي داود والترمذي وغيرهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس كذا وكذا" يعني زانية.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".
سادساً: مما يؤسف له أن أغلب هذه الصوالين تجهز العروس بالملابس الضيقة والتي تظهر مفاتن المرأة، وهذا موروث من الغرب "أعداء الله"، فاحتاطوا لدينكم فإنكم في زمن الفتنة التي عظمت بها البلوى، والعياذ بالله.
سابعاً: أنه ثبت في العلم الحديث أن مواد التجميل وخاصة مواد المكياج والمساحيق تحتوي على مواد كيميائية ضارَّة بالبدن.
ثامناً: أن المزينة في الصالون قد تطلب من الزبونة أن تخلع بعض ثيابها التي تُظهر زينتها وعورتها، بحجة أن تزيل لها الشعر من مناطق جسدها، ومن ذلك بعض مواطن عورتها، وهذا لا يحل، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله".
ويشتد حرمة إذا كان المزين للمرأة رجلاً والعياذ بالله.
تاسعاً: لا تخلو كثير من هذه المحلات من وجود عاملات سيئات الخلق يصورن بعض عورات النساء من غير أن يعلمن أو يعرضن بعض ما حرم الله على بعض النساء مثل صداقة محرمة مع رجال أو نساء، أو قد تكون العاملة مروجة لدعاة وأمور مشبوهة، وقد تم القاء القبض على بعضهن بمثل هذه التهم.
عاشراً: أن الحضور لمثل هذه الصوالين يسبب هدراً للمال المبالغ في دفعه، مع ضياع ساعات كثيرة حتى تنتهي المزينة من شغلها للزوجة أو القريبة، ومثل هذا يُعد من الاسراف، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الحسن الذي أخرجه الترمذي وغيره: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه".
حادي عشر: إذا علمت المحاذير والمخالفات الشرعية السابقة أو لمست بعضها لدى من أراد الاستئجار فإنه لا يجوز لك أن تؤجر شيئاً من محلاتك للتجميل النسائي، لأن التأجير من التعاون على الاثم والعدوان.
قال الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان".
والحاصل: أن للمرأة أن تتجمل وتشتري أدوات التجميل والمكياج والمساحيق مما لا ضرر فيه على جسدها، وتعمل ذلك بمنزلها أو تطلب من بعض أخواتها أو صديقاتها أو بعض النسوة المحافظات ولو مقابل أجرة لتزنها وتجملها بما لا يخالف الشرع وفق ما سبق بيانه، وبالله التوفيق.
([1]) سورة الأعراف: 32.
([2]) جميمة: تصعير جُمَّة، وهي الشعر الذي طال، واحتاج إلى تمشيط وإصلاح ونحوهما.
([3]) هي أم عائشة.
([4]) أي: أُبْهَر، وتقصد تصاعد النفَس وعلوه وتداركه من الجري والتعب.
([5]) زينها في نظر الرجال، وقيل: نظر إليها ليغويها ويغوى بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء وبسط الكف فوق الحاجب.
([6]) استقررن وليكن عليكن الوقار.
([7]) تظهرن ما يفتن الآخرين.
([8]) سورة الأحزاب: 33.
([9]) طريقة من كان قبلكم يعني في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه وقريء بضم السين ورجح بعضهم الفتح لأنه هو الذي يستعمل فيه الذراع والشبر.
([10]) شبرا متلبسًا بشبر وذراعًا متلبسًا بذراع وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا الكفر.
([11]) دويبة تشبه الورن(يشبه التمساح) تأكله الأعراب والأنثى ضبة.
([12]) لدخلتموه.
([13]) الواشمة: هى التى تشم يديها، وذلك أن تغرر ظهر كفها أو غيره من جسدها بإبرة حتى تؤثر فيها، ثم تحشوه كحلاً أو نحوه، وتجعله كالنقش فى جسدها تتزين بذلك.
([14]) النامصة: التي تنتف شعرة فأكثر من حاجبها، ويدخل في ذلك حلق الحاجب من باب أولى.
([15]) المتفلجة: هى المفرقة بين أسنانها المتلاصقة بالنحت لتبعد بعضها من بعض.
([16]) سورة الحشر, الآية (7).
([17]) مَرَقَ شَعْرهُ وتَمَرَّقَ وامَّرَقَ إذا انْتَثَر وتَساقَط وانتتف وتقطع، أو غَيْرَه في المرض.
([18]) أسنمة البخت: يعني يكبرن شعرهن ويعظمنه بلف أو خرقة أو عصابة أو نحوها.