الديمقراطية وتركيا (١)
( ضمن موضوع دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية)
الحلقة (8)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الجمهورية التركية الحديثة مصنفة في العصر الحديث في مجموعة الدول العشرين الاقتصادية الرئيسة في العالم.
وهي جزء من الإمبراطورية العثمانية التي فككها رعاة الديمقراطية وحولوا نظامها الإسلامي إلى نظام علماني ديمقراطي تعددي، وسلموها بانتخابات غير نزيهة لمصطفى كمال أتاتورك الذي انتخب رئيساً لجمهورية تركيا عام 1923م والذي بدوره ألغى الخلافة الإسلامية التركية وحكم النظام الإسلامي، وأعلن علمانية الدولة، ومحاربة الدين، وألغى الحجاب، ومنع تعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات ونشر الرذيلة والاختلاط ونحوها مما يتعارض مع الدين إرضاء للغرب وأمريكا حامية الديمقراطية والسلام والمساواة والعدل المزيف، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى، وبإلغاء الخلافة تم تقسيم جزء كبير من أراضيها بين دول أوربا وأسيا الصغرى، مع تنازلها عن أملاكها في ثلاث قارات في العالم، بموجب توقيع اتفاقية ” لوزان” بسويسرا عام 1923 بين تركيا والدول المنتصرة ممثلة ببريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب، وتألفت هذه الاتفاقية من 143 مادة، وموادها تدل على أن ديمقراطية الغرب مزيفة وجائرة ولا سلام فيها ولا عدالة ولا مساواة.
وسمت أمريكا ودول الغرب هذه الاتفاقية زوراً وبهتاناً باتفاقية “سلام” ليضحكوا على المسلمين الذين لا ثقافة لهم، وهذا بنحو السلام المزعوم بالشرق الأوسط والذي بموجبه أهدوا اليهود دولة فلسطين، وقسموا الدول العربية إلى دويلات متناحرة، وزرعوا في كل دويلة مجموعة أحزاب تتناحر فيما بينها على كرسي الحكم، وقاموا بدعم هذه الأحزاب لنبقى منشغلين بالخلافات بيننا، بل وأدخلوا في بلداننا مجموعة من المنظمات بصورة مساعدات مقابل تنازلات تمسّ عقيدتنا وديننا ووطننا وشعوبنا، وهكذا هم الأعداء.
ومن أهم ما جاء في “اتفاقية لوزان”: إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، ونفي السلطان وأسرته خارج تركيا، ومصادرة جميع أموال الخلافة والسلطان، ومنع تركيا من التنقيب عن البترول على أراضيها، ولها استيراده من خارج تركيا، واعتبار مضيق البوسفور ممراً مائياً دولياً، ومنع تركيا من تحصيل الرسوم من السفن المارة في خليج البوسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ومن ثم إلى البحر المتوسط، وهو ممر ذو أهمية لا تقل أهميته عن قناة السويس في مصر، وإعلان علمانية الدولة، وتكون مدة الاتفاقية مائة عام، تنتهي عام 2023م.
هكذا حقد أرباب الديمقراطية يا أبناء الإسلام، وهذا هو السلام والعدل والحرية والمساواة في النظام الديمقراطي.
وهل اكتفت أمريكا ودول الغرب بما في الاتفاقية؟
الجواب: لا، بل زرعت في إقليم تركيا التعددية الحزبية كي يتناحر الأتراك على السلطة ويتقاتلوا، ودعمت عامة الأحزاب وقسمت الأدوار بينها كدول عدائية ديمقراطية داعمة، لتوهم كل حزب أنها معه مقابل أن يكون لها عميلاً، ودعمت بقوة حزب الشعب الجمهوري إثر اتفاقية لوزان، وساعدت على تزوير نجاح أول رئيس منتخب لا يحبه الأتراك ولا يرغبون به وهو العلماني مصطفى كمال أتاتورك عام 1923م، ثم ضغطت على الأحزاب أن تعلن ولاءها للمنهج العلماني مقابل الدعم، فأعلنت كل الأحزاب ولاءها للديمقراطية العلمانية ذات الحريات التي لا تعترف بالإسلام، فاشتهرت هناك أحزاب تركية علمانية تمثل خطراً على إقليم تركيا، ومن أشهرها حزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي و حزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم وحزب اليسار الديمقراطي، وحزب تركيا المستقل وغيرها من الأحزاب، وعامتها مدعومة من أرباب الديمقراطية “أمريكا ودول الغرب” لزعزعة الأمن والاستقرار.
ولم يكتف الديمقراطيون الغربيون بما تقدم في ظل تركيا الحديثة المصغرة بل اشتروا ذمم بعض القيادات الموالية لهم في الجيش والأحزاب السياسية لزعزعة أمن واستقرار تركيا، وذلك لعمل الانقلابات على رؤساء دول تركيا حتى على الرؤساء الموالين لهم، لأنه لا أمانة لأعداء الله، ولا ذمة، ولأن الغرض كله ينحصر في الإضرار بالإسلام وأهله وبلدانه، لا فرق بين تركي أو عربي أو عجمي، فالكل سواسية ولا بد من الإضرار بهم بشتى الوسائل طالما هم مسلمون، حتى لو كانوا علمانيين أو اشتراكيين أو عملاء للغرب، فلا كرامة لهم ما دام أنهم ينتسبون للإسلام، وقد رأيتم بأم أعينكم موقف أمريكا والغربيين من ثورات الربيع العربي في أيامها وبعد انتهائها حيث كانوا طرف نقيض بين الأنظمة والخارجين عليها، ثم انقلبوا ضد الثورات مع الأنظمة رغم أنهم هم من صدَّر الثورات إلى البلاد العربية.
لقد دعم الغربيون بقوة مجموعة من الانقلابات العسكرية في تركيا الحديثة، ومن أشهرها:
1.الانقلاب العسكري عام 1960م.
2.الانقلاب العسكري عام 1971م.
3.الانقلاب العسكري عام 1980م.
4.الانقلاب العسكري عام 1993م.
5.الانقلاب العسكري عام 1997م.
6. محاولة الانقلاب العسكري عام 2016م.
وأيضاً أسس وأدخل الغربيون وأمريكا في تركيا المنظمات والجمعيات المشبوهة حتى أوصلت تركيا إلى هرم الرذيلة، وصارت أفلام الرذيلة على بعض القنوات الأرضية التركية وخاصة بعد منتصف الليل قبل أن يتوصل العالم إلى نظام القنوات الفضائية عبر الدشوش.
وأيضاً دعم حماة السلام المزعوم الديمقراطيون الأمريكيون والغربيون مجموعة من الجماعات التركية الإرهابية لخلخلة أمن واستقرار تركيا بالتفجيرات في الأسواق ومراكز الدولة وهيئاتها، ومن أشهر هذه الجماعات الإرهابية :
1.حزب العمال الكردستاني PKK
2.صقور كردستان الحرة TAK
3.جبهة التحرير الشعبي DHKP
وأما دعم تنظيم الدولة الإسلامية الخارجية (داعش) ضد تركيا فالتهمة موجهة لأمريكا ودول الغرب وإيران، والإنكار قائم.
لقد شعر الأتراك بعد اتفاقية “لوزان” عام 1923م بعظم المؤامرة، وليس لهم قدرة بمنعها أو توقيفها لأنها مفروضة بقوة السلاح بعد تفكيك الخلافة، لذا لم يكن أمام الضباط والآباء والأبناء الأتراك الغيورين على دينهم ووطنهم وشعبهم وأرضهم سوى الانخراط في وظائف الدولة الحديثة، والمشاركة في المنافسات السياسية بطرق حكيمة رغم ضراوة الأعداء لكل مسلم شريف، على أمل أن يعيدوا لتركيا تاريخها التليد، وقد نتج عن هذا الانخراط التاريخي والمنافسات السياسية والوظيفية في الدولة من غير ثورات ولا انقلابات وصول شخصيات- عندها غيره على دينها وشعبها ووطنها – إلى هرم السلطة.
وقد كان الدور الأكبر في ذلك للدكتور نجم الدين أربكان الذي سعى في تثقيف بعض القيادات المنخرطة في وظائف الدولة تثقيفاً إسلامياً سياسياً لا يسلم من نقد، لكنه في الجملة أفضل الموجود، حيث أسس حزب السلامة الوطني عام 1972م وهو حزب سياسي أقرب ما يكون لمنهج الإخوان المسلمين – إن لم يكن نجم الدين منهم – إلا أن نجم الدين كان حكيماً ذكياً يتعامل مع العلمانية بحذر بين المد والجزر، وكان يحث من حوله في الحزب على أن يكون توجههم إسلامياً باعتبار أن تركيا دولة إسلامية، وكان رحمه الله يحلم بإعادة الخلافة العثمانية وتطبيق الشريعة الاسلامية في تركيا بعيداً عن العلمانية، وكان العداء قوياً ضده وضد حزبه وتلامذته حتى تم إحلال حزبه بقرار قضائي علماني، وفي عام 1980م قدم مشروع قانون إلى مجلس النواب يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل مع القيام بمظاهرة شعبية كبيرة بالتحالف مع بعض الأحزاب اليسارية، وعلى إثر ذلك تم اعتقاله، وبعد خروجه من السجن أسس حزب الرفاه عام 1983م، وقد خاض حزبه انتخابات انتهت بفوزه بأغلبية الأصوات، فتولى رئاسة وزراء تركيا من الفترة بين 1996م و1997م، وكان من أول أعماله الانفتاح على العالم الإسلامي، فبدأ ولايته بزيارة إلى كل من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية وهي : إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.
كما دعا لمؤتمر عالمي يضم قيادات العمل الإسلامي، وباتت تركيا تتدخل بثقلها لحل مشكلات داخلية في دول إسلامية كما حدث حينما أرسل وفوداً لحل خلافات المجاهدين في أفغانستان، لكن نجم الدين أربكان حرص رغم ذلك على عدم استفزاز الجيش، وحاول تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلماني، فوقع على الاتفاقيات المتعلقة بإسرائيل بعد تأخير لمدة 10 أيام واضطر للتوقيع عليها بعد ضغوط عسكرية شديدة وصلت للتهديد بالانقلاب العسكري، لكن حاصره الجيش من جهة أخرى حيث قدموا إلى أربكان مجموعة طلبات بغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسياً كان أم تعليمياً أم متعلقا بالعبادات، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري، ثم تم حظر حزبه المسمى حزب الرفاه عام 1998م، وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات، فلجأ إلى تأسيس حزب جديد باسم حزب الفضيلة عام 1998م بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، فحصل انشقاق في حزب الفضيلة حيث اختلف مجموعة من تلامذة نجم الدين أربكان منهم عبد الله كول ورجب طيب أردوغان وغيرهما مع معلمهم نجم الدين، ومن ثم سعوا لتأسيس حزب العدالة والتنمية، وفي 22 يونيو عام 2001م تم حظر حزب الفضيلة وبعده في أقل من شهرين تمت الموافقة على قيام حزب العدالة والتنمية وذلك في 14 أغسطس عام 2001م، لكن نجم الدين لم ينضم له نظراً لشدة الخلاف مع تلامذته المنشقين، بل سعى لتأسيس حزب موازٍ له، حيث أسس حزب السعادة عام 2003م ، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في العام نفسه بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم عليه بالسجن سنتين، وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما، فبدأ يعتزل العمل السياسي نظراً لكبر سنه وكثرة الضغوط والاتهامات والتضييق عليه من العلمانيين مستخدمين القضاء والصحافة والاعلام وشق الصف والتخويف العسكري حتى كثرت التهم الجائرة، ولما وصل تلميذه عبد الله كول لرئاسة تركيا أصدر قراراً رئاسياً بالعفو عنه عام 2008م، فاستمر معتزلاً الحقل السياسي حتى توفي يوم الأحد بتاريخ 27 فبراير 2011م عن عمر ناهز 84 عاماً.
وقد شيع جنازته ملايين الأتراك نظراً لدوره الكبير في إعادة تركيا إلى حضيرتها الاسلامية بعيداً عن العلمانية، وذلك بمشاركة الرئيس عبد الله كول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي قطع زيارة رسمية لأوربا لحضور الجنازة.
ويعتبر نجم الدين اربكان معلم الاسلاميين السياسيين في تركيا وخاض في حياته الكثير من المعارك مع المؤسسة العسكرية والأحزاب التركية والمعاقل العلمانية فتمكن من انجاز الكثير من النجاحات التي قادت أخيراً إلى تمكن تلامذته من إنشاء حزب العدالة والتنمية ووصولهم إلى سدة الحكم في تركيا.
ورغم خلافه مع تلامذته الذين أسسوا حزب العدالة لكنه دعاهم إلى وحدة الصف ضد العلمانية وكافة التيارات المضادة للدين الاسلامي مهما اختلفت الرؤى.
لذا فوصول حزب العدالة لسدة الحكم كان بعد كفاح طويل عاشه معلمهم نجم الدين اربكان ورباهم عليه، ولما مات حضر كل تلامذته جنازته وعلى رأسهم الرئيس عبد الله كول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورجائي طوقان وأحمد داود اوغلو – وبن علي يلدرم وغيرهم من كبار تلامذته الذين يعدون من أركان الدولة في العصر الحديث، كما حضر جنازته المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين : محمد مهدي عاكف، ورئيس حزب النهضة في تونس : الشيخ راشد الغنوشي، وممثلون عن حركة حماس، وغيرهم من قيادات الإخوان المسلمين.
وقد كان لتلامذة نجم الدين آربكان دور كبير في تقليص العلمانية في تركيا وفقاً لمنهج وخطط معلمهم نجم الدين حيث يُعد الدكتور عبد الله غول الرئيس التركي المنتخب في 28 أغسطس 2007م صاحب فضل عظيم لتركيا، وذلك لكونه شَرَعَ في القضاء على العلمانية والفساد والرذيلة بطرق متدرجة منذ ولي الرئاسة وقرَّب حوله مجموعة من الغيورين على دينهم وشعبهم ووطنهم ممن هم أعداء للعلمانية الشمطاء، وكان من تلكم الشخصيات المهمة والذكية تلامذة نجم الدين أربكان كـ: رجب طيب أردوغان ” الرئيس الحالي “، والبروفسور أحمد داود اوغلو ” رئيس الوزراء السابق”، وبن علي يلدرم ” رئيس الوزراء الحالي حتى كتابة هذه الأحرف 16 رمضان لعام 1438هـ، الموافق لـ11 يوليو عام 2017م، وشخصيات قيادية أخرى في الجيش والهيئات والوزارات.
وبهذه الشخصيات بدأت تركيا منذ عام 2007م تتقدم نحو الأفضل من الناحية الدينية، وبدأ أثر التحسن الديني على مستوى قوانين وأنظمة ووزارات وهيئات ومرافق الدولة التركية.
وقد زرت تركيا خلال رئاسة الدكتور عبد الله غول مرتين، وكان التغير ببطء ثم بدأ يتدرج نحو الأفضل.
وفي عام 2014م تولى الرئاسة رجب طيب أردوغان خلفاً للدكتور عبد الله غول، فبدأت العلمانية تضعف أكثر حيث كان الرئيس طيب رجب أردوغان مواجهاً لها بقوة، تارة بالدبلوماسية، وتارة بالوجه السياسي، وتارة بالوجه الإسلامي حتى ظهرت معالم وقوة الشريعة الإسلامية في جمهورية تركيا رغم وجود بقايا الفساد الأخلاقي والفكري والعقائدي حتى الآن، ورغم وجود أخطاء ارتكبها عبد الله غول وطيب رجب أردوغان أثناء رئاستهما ليسكتوا بها الغرب وفلول العلمانية، إلا أن صورة تركيا اليوم غير صورة تركيا التي كانت قبل عام 2007م.
فإذا كنا نقول إن الديمقراطية هي نظام العدالة والمساواة والأمن والاستقرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية كما يزعمه الغرب وبعض المخدوعين من أبناء جلدتنا فمالنا نرى قادة الديمقراطية الأمريكان والغرب فككوا الخلافة العثمانية وقسموا أراضيها على أهل أوربا وغيرها من البلدان المجاورة بعد الحرب العالمية الأولى؟
ولماذا نجد تدخلات أمريكا والغرب والصهيونية العالمية في نظام تركيا منذ تفككها حتى هذه الساعة؟
ولماذا يا دعاة الديمقراطية تم توقيع اتفاقية ” لوزان” بسويسرا عام 1923 بين تركيا والدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ممثلة ببريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب؟؟
ألم تتألف هذه الاتفاقية من 143 مادة، وكل موادها تدل على أن ديمقراطية الغرب مزيفة وجائرة ولا سلام فيها ولا عدالة ولا مساواة؟
ولماذا سمت أمريكا ودول الغرب هذه الاتفاقية زوراً وبهتاناً باتفاقية ” سلام “؟؟!! إلا ليضحكوا على المسلمين الذين لا ثقافة لهم، وخصوصاً سخفاء الإعلام المزيف والمسير.
ولماذا تدعم أمريكا ودول الغرب فلول الجيش العملاء وأحزاب المعارضة التركية والمنظمات الإرهابية؟ إلا لأجل خلخلة الأمن والاستقرار بتركيا، فأين الأمن والاستقرار المزعوم في الديمقراطية؟
إن لعبة الديمقراطية الغربية وخاصة في بلدان المسلمين تؤكد أن أمريكا والغرب ارتضتها لنا كي نتقاتل فيما بيننا ونتحزب من خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتعددية الحزبية ولكي ننسى أمور ديننا وأخلاقنا ووحدتنا.
لو كان حماة الديمقراطية من أمريكان وغرب صادقين فيما يدعونه من مساواة وعدل وسلام وأمن لرأينا ذلك واضحاً جلياً بتركيا وغيرها بعيداً عن التدخلات المتكررة.
إن الأمريكان والغرب مستمرون في تدخلاتهم حتى في ظل سلطة ديمقراطية منتخبة فرضوها على الشعوب بالقوة، أتدرون لماذا؟ لأن عداوة اليهود والنصارى والملاحدة للمسلمين دينية محضة منذ العهد النبوي حتى اليوم، والتاريخ وما فيه من أحداث حتى هذه الساعة أكبر شاهد على ذلك.
وقبل أن أنهي هذا المقال أقول: يؤسفني أن أجد من المسلمين اليوم شخصيات مسلمة – ولا أقول من العوام والسياسيين المسلمين فحسب – بل ومن الدعاة المغرر بهم وطلاب العلم من يتمنى ويرجو سقوط نظام طيب رجب أردوغان !!!! وقد رأينا فرح بعضهم يوم محاولة الانقلاب عليه عام 2016م.
فأقول: سبحان الله ما لكم كيف تحكمون؟ أليس من المنهج الشرعي القويم عدم الكلام المفضي للشر وخصوصاً فيما يتعلق بحكام المسلمين دفعاً للفتن وإثارتها؟!! فمن الذي شرَّع لكم أن تخرجوا عن هذه القاعدة؟ هل أجازها لكم علماء أم أجازتها لكم جهات اخترقت صفوفكم باسم الدين؟ أم أنه الهوى والجهل؟
هل تفضلون أن تعود تركيا إلى ما قبل 2007م دولة علمانية محضة بكل أشكالها لتحارب الاسلام والمسلمين وتنشر الإباحية والرذيلة وتحارب الحجاب وشعائر الدين وتتحكم بصلاتكم وعباداتكم وتفرض عليكم أنظمة ومؤسسات الصهاينة في بلدانكم ؟!!، أليس المسلم المصلي الغيور على دينه ولو عنده قصور خير من علماني لا يعترف بدين الله؟؟!!
يا إخواني: ليس من الإنصاف أن أقف ضد حاكم مسلم – وصل للرئاسة – بحجة أنه أخطأ متناسياً ما قدمه ويقدمه للإسلام والمسلمين وخصوصاً أنه في وجه مجموعة كبيرة من الأعداء في الداخل والخارج، بل أتشرف به ولا أتشرف بعلماني يحارب الدين ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، وليحكمنا مسلم مقصر في أمور دينه ولا علماني أو ليبرالي لا يريد لي ولا للإسلام والمسلمين خيراً.
ولنتأمل في قوله تعالى: ” غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ”.
السؤال المطروح لكم: لماذا ذكر الله في الآيات السابقة أن المسلمين فرحوا بنصر الروم على الفرس المجوس؟ والروم كفار والفرس كفار.
فالجواب: لأن الروم يدينون بدين النصرانية وهم أقرب إلى الحق من خصومهم الفرس المجوس عبدة النار، ولأن الروم أرحم لنا من الفرس المجوس.
فمن باب أولى المسلم المقصر الذي يصلي الصلوات الخمس ويظهر شعائر الدين وإن تخلله نقص، فهو أرحم وخير لنا من علماني ديمقراطي لا يصلي أو يصلي وهو عدو لله ولدينه وللمسلمين.
ثم الرئيس طيب رجب أردوغان على الأقل أنه غيَّر مجرى تركيا نحو الأفضل، نعم وقعت منه أخطاء، وبعضها كبيرة، ولكن عندي ميزان شرعي أمرني ربي أن أَوزن به الأعمال وأقارن فقال: “وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم” بمعنى ميزان العدل.
ووهب لي جل ثناؤه عقلاً أميز به وفق الشريعة بين مفسد وغيره.
فلا تهبوا عقولكم لغيركم ليعبث بها ويسيرها وفق مخطط جائر من حيث لا تشعرون سواء من الأحزاب أو العملاء أو الشخصيات التي لا تفرق بين أبي حنيفة وأبي نواس.
وكونوا عدولاً مراقبين الله جلَّ وعلا وإلا عاقبكم الله بسوء أعمالكم سواء في الدنيا أو الآخرة، أو فيهما معاً، فالتحزب إنما يكون للحق لا لأفعال الخلق التي تخالف الحق.
وأنا أعلم أن بعض هؤلاء الذين يتكلمون لا سابقة لهم في التاريخ السياسي ولا التاريخ العام للبلدان ولا التاريخ الإسلامي فضلا عن التوجه الخطأ، ولذا ولدوا على مائدة خالية من الاهتمام بقراءة التاريخ وفقه تفسير الكتاب والسنة، ومن لم يقرأ التاريخ تلاعبت به الأحداث وهذا هو واقع الكثير من المسلمين اليوم.
قال المناوي رحمه الله كما في كتاب التوقيف على مهمات التعاريف ص64: ” الإنصاف والعدل توأمان نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة”اهـ
للكلام بقية حول الديمقراطية وتركيا أستأنفه من خلال الجزء الثاني بإذن الله في حلقة قادمة.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم مصادر المقال :
1.العثمانيون في التاريخ والحضارة للدكتور «محمد حرب».
2.تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة للدكتور «محمد سهيل طقوش».
3.تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار للبروفيسور «خليل إينالجيك».
4.الدولة العثمانية تاريخ وحضارة لمجموعة من المؤلفين.
5.صحف عربية وأجنبية مختلفة.
6.موقع المركز الثقافي التركي.
7.نجم الدين أربكان .. صانع أسس تركيا الحضارية لعبد الباقي خليفة.
8.مسودة كتاب إلى أين يتجه المسلمون للدكتور صادق بن محمد البيضاني.