حكم من سب الصحابة واعتقد بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بالخلافة بعده
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س44: ما حكم من سب الصحابة؟ وما حكم من اعتقد أن علي بن أبي طالب هو وصي الرسول عليه الصلاة والسلام بالخلافة بعده؟
ج44: سب الصحابة من الكبائر العظام كما ثبت ذلك عن سلفنا الصالح " الصحابة رضي الله عنهم", فقد ثبت عن المغيرة بن مقسم ([1])رحمه الله أنه قال: "كان يقال شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر"([2]).
والحاصل أن في المسألة تفصيلًا:
فإن استحل ذلك أو جرح في عدالتهم أو شك في إيمانهم أو أبغضهم فقد كفر وخرج عن دائرة الدين فمثله مكذب لنصوص الكتاب والسنة الواردة في الثناء عليهم وفي ذكر نصرتهم لرسول الله ودينه الحنيف.
ومن ذلك قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ "([3]).
قال الشاطبي في الموافقات في الجزء الرابع: ".. ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة"([4]).
فهذا الصنف مكذب لنصوص الكتاب والسنة فلا إيمان له وإن زعم أنه مسلم إلا أن يكون على جهل فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة.
ويدخل في ذلك كل من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه باتفاق العلماء.
أما من سبهم سبا ولم يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل من وصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم أو عدم زهد ونحوه.
فقد ذكر البهوتي ([5])رحمه الله في الكشاف هذه المسألة وقال: إن هذا يستحق التأديب والتعزير ولا يكفر ([6]).
وأما من لعن وقبح مطلقًا فهذا محل الخلاف أعني هل يكفر أو يفسق توقف أحمد في كفره وقتله، وقال: يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عن ذلك وهذا المشهور من مذهب مالك، وقيل يكفر إن استحله.
وقد جاء في بعض أقوال الإمام مالك القول بالتكفير مطلقًا والصحيح التفصيل.
ومن كان سبه وبغضه على جهل وتقليد فيقال له: هذا كفر ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة كما تقدم، فإن عاند الحق البين بعد وقوفه عليه فحكمه على ما سبق تفصيله.
وأما من زعم أن عليًا وصي الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه لا حق لأبي بكر في الخلافة بعد رسوله وكان هذا الزعم عن بغض وكراهية لأبي بكر فهذا فسق عظيم, وإذا كان على جهالة أو تقليد لزم إقامة الحجة عليه, وقد أجمع علماء السلف والخلف أن الخلافة بعد رسول الله لأبي بكر وأنه أحق بها, وإجماع السلف حجة كما فصلته في مقالات " قواعد في التشريع".
ويعتبر عبد الله بن سبأ - وهو رأس الزنادقة على الاطلاق - أول من وضع لأهل البيت مبدأ الرفض، ووضع لمن صدقه من شيعة العجم آنذاك بعض الأسس الهشة التي لا صلة لها بالإسلام منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على خلافة علي بن أبي طالب بعده، وأنه معصوم ومظلوم، ولم يقل ذلك حباً في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإنما غرض هذا الزنديق ومن شايعه من الزنادقة هدم الإسلام، ويُعد هذا الزنديق من أوائل من كذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول من أظهر الطعن والشتم في الصحابة حيث طعن في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعائشة بنت أبي بكر وغيرهم من الصحابة، وقد أظهر سمومه وشبهه في صفوف المسلمين، وشاركه في ذلك جماعة من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ممن أظهر الاسلام نفاقاً وكذباً.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام يوم غدير خم ([7]): "من كنت مولاه فعلي مولاه"([8]).
فحديث صحيح عند أحمد وغيره - وقد حققته في كتابي أحكام التهنئة ورديت على من ضعفه- وهو يدل على فضل علي رضي الله عنه.
ولكن لا يعني أنه أفضل من أبي بكر بل أبو بكر أفضل باعتراف علي نفسه كما صح عنه في كتاب السنة لابن أبي عاصم وعبد الله بن أحمد قال علي رضي الله عنه: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي لكم الثالث لفعلت"([9]).
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم ([10]).
ثم النبي عليه الصلاة والسلام لم يوص بالخلافة لأحد من الصحابة وإنما أجمع الصحابة ومنهم علي بن أبي طالب وأهل البيت على مبايعة أبي بكر، فلا وصي في الخلافة أصلًا أصلح الله الأمة؛ وبالله التوفيق.
([1]) المغيرة بن مقسم الضبي، مولاهم، أبو هشام الكوفي الأعمى الفقيه كثير الحديث رحمه الله.
([2]) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (3/932), [عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، تفسير القرآن، تحقيق : أسعد محمد الطيب، المكتبة العصرية, صيدا].
([3]) سورة التوبة, الآية (100).
([4]) إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي(الشاطبي), الموافقات في أصول الفقه، المالكي، تحقيق : عبد الله دراز، دار المعرفة, بيروت (4/79).
([5]) منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى, شيخ الحنابلة بمصر في عصره, ولد سنة 1000 هـ, نسبته إلى (بهوت) في غربية مصر, له كتب، منها (الروض المربع شرح زاد المستقنع المختصر من المقنع), (كشاف القناع عن متن الاقناع للحجاوى), وتوفي سنة 1051 هـ [خير الدين الزركلي الجزء الاول دار العلم للملايين, بيروت, الطبعة الخامسة (مايو), 1980 م (7/307)].
([6]) منصور بن يونس بن إدريس البهوتي, كشاف القناع عن متن الإقناع, تحقيق هلال مصيلحي مصطفى هلال, دار الفكر, بيروت, 1402 هـ (6/172).
([7]) على بعد ثلاثة أميال من الجحفة بها غدير ماء، تصب فيه عين وبين الغدير والعين مسجد للنبي {صلى الله عليه وسلم هنالك, قيل وادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحُمى.
([8]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند العشرة المبشرين بالجنة, مسند على بن أبى طالب(1/84 رقم 641)] من حديث علي بن أبي طالب.
([9]) أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة [سئل عمن قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر(2/581 رقم 1370)] من حديث علي بن أبي طالب موقوفًا, بلفظ "خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبوبكر وخيرها بعد أبي بكر عمر ولو شئت لسميت الثالث".
([10]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب فضائل الصحابة , باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه(12/462 رقم 3697)] عن ابن عمر.