الخميس 6 ربيع الأول 1445 هـ || الموافق 21 شتنبر 2023 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات شرعية موجزة حول شبهات التكفيريين    ||    عدد المشاهدات: 6730

شبهة الفكر الخارجي حول حديث : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب([1])
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (3)
 بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

لقد استدل أصحاب هذا الفكر بحديث الباب باعتبار أن حكام المسلمين لم يستجيبوا الأمر النبوي بإخراج المشركين ” اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر من جزيرة العرب ” وجعلوا عدم العمل بهذا الحديث ذريعة لتكفير الحكام والخروج عليهم.
والجواب عن ذلك: أنَّ ترك العمل بالحديث معصية على فرض أنه يفيد وجوب إخراج الكافرين من جزيرة العرب باعتبار من يقول بهذا القول من أهل العلم.
فإذا علمت ذلك فأعلم أنه جرى بين أهل العلم نزاع كبير حول هذا الحديث :
قال المروذي ” سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن قول النبي عليه الصلاة والسلام: ” أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ” قال : هم الذين قاتلوا النبي عليه الصلاة والسلام ، ليست لهم ذمة، ليس هم مثل اليهود والنصارى، أي يخرجون من مكة والمدينة دون الشام يريد أن اليهود والنصارى يخرجون من مكة والمدينة”([2])اهـ
 وقال الشوكاني: ” وظاهر الحديث أنه يجب إخراج المشركين من كل مكان داخل في جزيرة العرب، وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذي يُمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة، قال: وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب“ ([3])اهـ.
 ” قال مالك والشافعي وغيرهما: إلا أن الشافعي والهادوية خصوا ذلك بالحجاز، قال الشافعي : وإن سأَل من يعطي الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن له ذلك ، والمراد بالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها …. قال الشافعي: ولا أعلم أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة ، وليس اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن”([4])
” وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال : إن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”أخرجوا اليهود من الحجاز“ ([5])
 فأما إخراج أهل نجران منه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد ولا يمنعون أيضاً من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ونحوهما لأن عمر لم يمنعهم من ذلك”([6]).
قلت: الأدلة الثابتة في هذا الباب متكاثرة منها حديث الباب ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ليهود المدينة ” اعلموا أنما الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله”([7]) ، وحديث ابن عمر قال ” أجلى رسول الله يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبدالله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهودي كان بالمدينة”([8]) ، وحديث عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول ” لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً “([9])، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : آخر ما عهد رسول الله ” لا يُترك بجزيرة العرب دينان “([10])، وحديث أبي عبيدة بن الجراح قال ” آخر ما تكلم به رسول الله يقول: أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب”([11]).
 قال الأصمعي: جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولاً، ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضاً، وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر فارس والحبشة، وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم([12]).
 قلت: وبعد النظر في مجموع هذه الأحاديث يتبين أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب وما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أخرج من كان في الحجاز لا ينافي عدم إخراجهم من كل الجزيرة لوجود ما يدل على ذلك كالحديث السابق ” لا يُترك بجزيرة العرب دينان” وفي لفظ ” لا يترك دينان ” ، وكحديث ” أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب “.
 قال الصنعاني ” لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الأمر بإخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الإسلام من جزيرة العرب والحجاز بعض جزيرة العرب، وورد في حديث أبي عبيدة الأمر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب، والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم كما قرر في الأصول : أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام وهذا نظيره ، وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء ، وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد في إخراجهم من الحجاز لأنه دخل إخراجهم من الحجاز تحت الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ، وكيف وقد كان آخر كلامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ” كما قال ابن عباس : أوصى عند موته”([13]).. وأما قول الشافعي : إنه لا يعلم أحداً أجلاهم من اليمن ، فليس ترك إجلائهم بدليل؛ فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة، وقد ترك أبو بكر رضي الله عنه إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردّة لم يكن ذلك دليلاً على أنهم لا يُجلون؛ بل أجلاهم عمر رضي الله عنه ، وأما القول بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ : ” خذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً “([14]) فهذا كان قبل أمره صلى الله  عليه وعلى آله وسلم بإخراجهم؛ فإنه كان عند وفاته كما عرفت، فالحق وجوب إجلائهم من اليمن لوضوح دليله، وكذا القول بأن تقريرهم في اليمن قد صار إجماعاً سكوتياً لا ينهض على دفع الأحاديث؛ فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من الآحاد أو من خليفة أو غيره من فعل محظور أو ترك واجب لا يدل على جواز ما وقع ولا على جواز ما ترك؛ فإنه إن كان الواقع فعلاً أو تركاً لمنكر وسكتوا لم يدل سكوتهم على أنه ليس بمنكر، لما علم من أن مراتب الإنكار ثلاثة: باليد أو اللسان أو القلب وانتفاء الإنكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب، وحينئذٍ فلا يدل سكوته على تقريره لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعاً سكوتياً، إذ لا يثبت أنه قد أجمع الساكت إلا إذا علم رضاه بالواقع ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب([15])اهـ
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
 فأجاب فضيلته بقوله: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب” وفي صحيح مسلم أنه قال: “لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً” ، لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة، وحيث قلنا : جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم ، ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم، وفي المسلمين – ولله الحمد – خير وكفاية([16]).
وبنحو ذلك أفتت اللجنة الدائمة تحت الفتوى رقم (196533)، وعلى رأسها العلامة ابن باز رحمه الله حيث جاء في جواب الفتوى: ” الواجب عليكم إنهاء عقد هذا العامل الكافر، وإبداله بعامل مسلم يوثق به، لما في التعاقد مع المسلم من التآزر والتكافل، وإعانته على أمور دينه ودنياه، مما يكون سببًا في تقوية المسلمين ضد أعدائهم، ولأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يستقدم لها الكفار.
 أما التعاقد مع الكافر من وثنيين ومجوس ويهود ونصارى وغيرهم، وإبقاؤهم بين المسلمين – فإن ضرره كبير، وخطره جسيم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن والشرور ما لا تحمد عقباه، حيث يسهل عليهم نشر معتقداتهم وعاداتهم بين المسلمين، والتأثير فيهم، كما أن في التعاقد معهم إعانة لهم على باطلهم، وتقوية اقتصادهم، وتنفيذ مخططاتهم ضد المسلمين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى عند موته بإخراج الكفار من جزيرة العرب، فقد أخرج البخاري في صحيحه ، من حديث ابن عباس ، وجاء فيه: ( وأوصى عند موته بثلاث، قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.. الحديث) ، ولذلك أجلى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود من المدينة، ومنعهم من سكناها، فأجلاهم إلى خيبر، فلما فتح ما بقي من خيبر همَّ بإجلاء من بقي ممن صالحهم للعمل في خيبر، ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض، فأبقاهم للضرورة، فلما قويت شوكة المسلمين وزالت الضرورة، أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته من جزيرة العرب كلها.
وعقد استقدام العامل الكافر لا يجوز الاستمرار فيه، ولا يجب الوفاء به حتى انتهاء مدة عقده، فلا يدخل في عموم قول الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ” ([17]) ، كما يظنه  بعض من قال لك ذلك، وإنما المراد بها وجوب الوفاء بالعقود التي يجب الوفاء بها، سواء كانت بين الله وبين عباده، كالعقود التي عقدها الله على عباده، وألزمهم بها من أحكام دينه، أو كانت بين العباد بعضهم على بعض مما يجب الوفاء به، وهو ما وافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خالفهما فلا يجب الوفاء به، ولا يحل الالتزام به”([18]).
 والحاصل: أنه لا يجوز دخول الكافرين جزيرة العرب ، إلا لمصلحةٍ فيها نفع للمسلمين بحيث تكون إقامتهم بقدر الحاجة التي تفي بالمقصود، ويمنعون مطلقاً من دخول الحجاز ” مكة والمدينة “لتأكيد النبي عليه الصلاة والسلام بإجلاء اليهود منها.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/371).
[3] نيل الأوطار للشوكاني (8/143).
[4] سبل السلام للصنعاني (2/ 490).
[5] أخرجه أحمد في مسنده، والحديث صحيح.
[6] المغني لابن قدامة (10/603).
[7] متفق عليه.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1766).
[9] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1767).
[10] أخرجه أحمد في مسنده رقم (26395).
[11] أخرجه أحمد في مسنده رقم (1691).
[12] نيل الأوطار للشوكاني (8/143).
[13] هو حديث الباب ، واللفظ للبخاري.
[14] أخرجه أبو داود في سننه رقم (3038) والحديث صحيح.
[15] سبل السلام للصنعاني (1/200).
[16] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ( 3/400).
[17] سورة المائدة، آية رقم (1).
[18] فتاوى اللجنة الدائمة (14/388 وما بعدها).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام