هل تجوز المشاهدة أو الاستماع إلى الأخبار إذا كانت المذيعة امرأة؟
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س48: هل يجوز لي أن استمع الأخبار عبر الإذاعة والتلفزيون إذا كانت المذيعة امرأة؟
ج48: هذه من فتن العصر التي عمت بها البلوى وذلك بظهور النساء على شاشات التلفاز وكعملهن في الاذاعة كمذيعات ومقدمات برامج، وللأسف تطور الأمر حتى غزى بعض القنوات التي سمت نفسها بالإسلامية والتي أحرى بها أن تكون مثالاً يُحتذى به لا أن تنافس القنوات المفسدة في بعض شرها، فهذه بلوى مخيفة، فإذا شجع عليها من يدعي الديانة والمحافظة فقد سقطت عدالته وظهرت خوارم مروءته ولو كانت لحيته تملأ صدره، وإن كان هذا الصنف لا لحية له في الواقع أو معه لحية على هيئة طاقة كما هي سنة الأعاجم.
فلا يجوز للمرأة أن تعمل مذيعة أو مقدمة برامج في الاذاعة والتلفزيون لأنها تفتن من يراها ومن يسمعها، وأشد ذلك حرمة إذا كانت مكشوفة الوجه أو متبرجة وسافرة، فهذه الوظائف والمواقع من خصوصيات الرجال فلا يحل الخلط المنافي للشرع, فإن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل: "فَلَا تَخْضَعْنَ ([1])بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ([2]) وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" ([3])، وقوله "معروفاً" هو الذي لا بد منه مما عرفه الشرع بمعنى أجازه بحيث لا تكون عرضة أمام الرجال كما هو الحال في الاذاعة والتلفاز، وأغلب المذيعات اليوم ومقدمات البرامج ومنها البرامج الدينية والاخبارية يغلب عليهن الخضوع بالقول الذي يعني ترقيق الكلام, بأساليب جذابة مؤنقة ويصورها الرجال، بل ويحدثونها وكأنها من محارمهم، وربما ضحكوا معها ومازحوها ببعض الكلمات التي لا ينبغي، وأيضاً يرشدها مخرج البرنامج كيف تبدأ وكيف تتهيئ ويراقب صورها وكلامها وحركاتها أثناء التصوير، وإذا لديه ملاحظات هو ومدير التصوير والمصورون أثناء وقبل وبعد البرنامج فإنهم يحدثونها بذلك في موقع اختلاط غير لائق، وقد سبق الحديث عن حكم الاختلاط مفصلاً في الفتوى رقم (17)، وربما تصادقت مع أحد الموظفين فإني علمت بواحدة كانت متدينة وانتهى أمرها بصداقة رجل ظاهره التدين لكن تدينه وتدينها عصري ينافي المنهج القويم، فاتقوا الله يا أصحاب القنوات الاسلامية ممن يخلط بين شريعة الهدى وشريعة الشيطان والهوى، فإنكم غداً موقوفون بين يدي الله.
فهذا الخلط ممن يدعي الصلاح هو الأمر الذي بسببه تقع الطامات التي لا تحمد, ولذا قال تعالى: "فيطمع الذي في قلبه مرض" أي دغل ثم قال : "وقلن قولا معروفا" وقد تقدم بيانه : أي قولًا حسنًا جميلًا معروفًا في الخير لا فتنة فيه, ويكون عند الحاجة إذا سألها الأجنبي حاجة من وراء حجاب فيكون الجواب بكلمات تفي بالمقصود حتى اشترط بعض الفقهاء أن تظهر المرأة عند جوابها الخشونة في الحديث دفعًا لمفسدة متوقعة, وهذا فيما إذا كان الحديث من غير رؤيا, أما بالرؤيا والمشاهدة سواء عبر التلفزيون أو غيره من الوسائل كالمقروءة إذا كانت صورتها مرفقة في الصحيفة أو المجلة أو مواقع النت والتواصل الاجتماعي فهذا أشد حرمة، لكونه داخلًا في مثل قوله تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ([4])مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى ([5])لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" ([6]).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فالعينان زناهما النظر ([7]) والأذنان زناهما الاستماع ([8]) واللسان زناه الكلام ([9]) واليد زناها البطش ([10]) والرجل زناها الخطا ([11]) "([12]).
ولا يظهر من أن هناك ضرورة من سماع أو مشاهدة الأخبار أو البرامج من مذيعة لإمكان سماعها من وسائل كثيرة، فيها المذيعون رجال, وكذلك المرأة إذا شاهدت البرنامج وفيه رجال فإنه لا يحل لها أن تصوب نظرها في مقدم البرنامج ولو كان عالماً يلقي محاضرة على الشاشة التلفزيونية، وإنما تسمع ما فيه فائدة لها دون تصويب نظرها للمتكلم عملاً بقوله تعالى: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ"([13])
فيا للأسف كيف تراجع كثير من الخلق عن دينهم وصاروا يحكمون الهوى والشيطان دون أن يرجعوا إلى علمائهم ويسألوهم الفتوى، وأشد بلية من ذلك أن يصل الغزو إلى أوساط بعض الاسلاميين الذين صاروا يفتون أنفسهم دون الرجوع إلى العلماء الربانيين أو قد يرجعون لدعاة أو شباب عُرفوا بالجهل أو بالتفريط في قضايا ومسائل الدين، ومن هنا دخل الشيطان على بني إسرائيل من خلال ضعفاء النفوس ممن يبيعون الفتوى لأجل الدنيا على حساب الدين حتى حرفوا دين الله فاستحقوا اللعنة والعذاب مع من تابعهم، فنعوذ بالله من أن يحذو بعض المتدينين من أمة محمد خطوات من سبقهم من بني إسرائيل " اليهود والنصارى" فإن التهاون في الدين خطوة خطوة سبيل لنقض الاسلام عروة عروة مع مرور الزمن؛ وبالله التوفيق.
ولتمام الفائدة انظر الفتاوى السابقة رقم (17)، ورقم (47).
([1]) لا تلن بالقول للرجال ولا ترققن الكلام.
([2]) فجور وشهوة وقيل نفاق.
([3]) سورة البقرة, الآية (195).
([4]) ينقصوا من النظر بترك ما حرم النظر إليه.
([5]) أطهر.
([6]) سورة النور, الآية (30).
([7]) على قصد الشهوة فيما لا يحل له وهو حظهما ولذتهما أو إطلاق للمسبب على السبب.
([8]) ككلام الزانية أو الواسطة أو صوت الأجنبية بشرط الشهوة ونحوه.
([9]) التكلم على وجه الحرمة كالكلام مع الأجنبية بالمواعدة على الزنا أو مع من يتوصل به إليها على وجه الحرام ويدخل فيه إنشاء الشعر وإنشاده في الفاسقات ونحوهن.
([10]) الأخذ واللمس, ويدخل فيها الكتابة إليها ورمي الحصاة إليها ونحوهما.
([11]) بضم المعجمة, جمع خطوة, وهي ما بين القدمين, يعني زناهما نقل الخطى, أي المشي أو الركوب إلى ما فيه الزنا ونحوه من الفواحش والمحرمات.
([12]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب القدر, باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره(4 / 2046) رقم 2657 ] من حديث أبي هريرة .
([13]) سورة النور, الآية (31).