حكم القراءة خلف الإمام
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س51: هل قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة خلف الإمام وجزاك الله خيرا؟
ج51: هذه المسألة من المسائل التي أطال فيها الفقهاء النفس ولأهميتها أفردوا فيها التآليف المتعددة، ومن ذلك جزء البخاري في قراءة الفاتحة, وقد اختلف فيها أهل العلم على عدة أقوال كما سيأتي.
وسبب هذا الاختلاف يعود لكثرة الأدلة التي ظاهرها التعارض والتي إذا جمع العالم بينها ظهر له حكم المسألة واضحًا جليًا لا غبار عليه.
ولذا فإن النظر إلى هذه المسألة ينبغي أن يكون من عدة جهات:
الجهة الأولى: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة للإمام أو المنفرد سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية.
وهنا نقول : قراءة الفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها لحديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ([1]), وفي رواية أخرى: "إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم", قال قلنا: يا رسول الله إي والله, قال: "فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " ([2])، وهذا لفظ الترمذي، وقد سمعت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني يقول هذا اللفظ فيه وهم، والأمر كما قال، والصواب رواية أحمد بلفظ: "فلا تفعلُوا إلا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدكمْ بِفاتحَةِ الْكِتَاب" وهذه الرواية فيها دلالة على أن الانسان بالخيار بين الفعل والترك، طالما الإنسان يصلي خلف إمامه جهراً أو سراً.
وفي رواية أخرى ثابتة في الجملة عند الدارقطني: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب"([3]) .
وعند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " ([4])، أي ناقصة.
الجهة الثانية: حكم قراءة الفاتحة للمؤتم في الصلاة الجهرية.
وهنا نقول: إنها منسوخة فلا ينبغي للمؤتم أن يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية.
ودليل النسخ ما أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفا ".
فقال رجل: نعم يا رسول الله.
قال: "إني أقول مالي أنازع القرآن".
قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ([5]).
فهذا خاص بالمؤتم في الصلاة الجهرية وعليه فيتنزل حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد "([6]).
وكذا حديث جابر– رضي الله عنه - وفيه نظر- مرفوعًا: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" ([7])، ونحوها من الأدلة.
أما قراءة الفاتحة في الصلاة للمؤتم في الصلاة السرية فخلاف طويل بين أهل العلم، والصحيح أنها مترددة بين الاستحباب والجواز أو الترك، والجواز أصح والله أعلم للآية السابقة ولحديث جابر السابق أيضاً وإن كان في النفس من ثبوته شئ، لكن يقوي ذلك ما تقدم من لفظ أحمد في المسند: "فلا تفعلُوا إلا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدكمْ بِفاتحَةِ الْكِتَاب" ومما يؤكد ما رجحناه أن من أدرك الركوع فقد ادرك الركعة مع أن من أدركه لا يقرأ بفاتحة الكتاب عملاً بحديث: "إذا جئتم والإمام راكع فاركعوا وإن كان ساجدا فاسجدوا ولا تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع" أخرجه البيهقي وغيره، وهو مرسل صحيح عن رجل من التابعين، والحديث في الجملة حسن لغيره، وقد ثبتت فتاوى بعض الصحابة بأسانيد صحيحة في أن من أدرك الركوع فقد ادرك الركعة، هذا جوابنا ملخصاً، وبالله التوفيق.
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الآذان, باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت(2/275 رقم 756)], ومسلم في صحيحه [كتاب الصلاة, باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها(3/90 رقم 900)] كلاهما من حديث عبادة بن الصامت.
([2]) أخرجه الترمذي في سننه [كتاب الصلاة, باب ما جاء في القراءة خلف الإمام(2/46 رقم 312)] من حديث عبادة بن الصامت.
([3]) أخرجه الدارقطني في سننه [كتاب الصلاة, باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام(3/357 رقم 1238)] من حديث عبادة بن الصامت.
([4]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الصلاة, باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها(3/97 رقم 907)] من حديث أبي هريرة.
([5]) أخرجه الترمذي في سننه [كتاب الصلاة, باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة(2/46 رقم 312)] من حديث عبادة بن الصامت.
([6]) أخرجه النسائي في سننه [كتاب افتتاح الصلاة, تأويل قول الله جل ثناؤه { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }(1/320 رقم 993 )].
([7]) أخرجه البيقي في سننه الكبري [كتاب الصلاة, باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق.(2/160 رقم 3012)] من حديث جابر.