متى يبدع المسلم أو يكفر؟
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س55: هل كل من وقع في البدعة مبتدع؟ وكل من وقع في الكفر كافر؟
ج55: كل من وقع في البدعة كان على خطر عظيم لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "كل بدعة ضلالة"([1]).
ولكن لا يلزم أن من وقع فيها صار مبتدعًا وكذا لا يقع الكفر على من وقع فيه ابتداء لكن يقال إن وقع الرجل في البدعة فلا يعد مبتدعًا حتى ينظر إن كان متأولًا أو جاهلاً أو قاصداً البدعة ونحو ذلك.
فإن كان متأولًا فإنه يُبين له الحق ويلزمه شرعًا أن يرجع.
وقد صح عند أحمد والترمذي عن أبي واقد الليثي– رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ([2]) يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم"([3]).
ففي هذا الحديث ظن القوم أن هذا الطلب لا يوقعهم في محظور وكادوا يفعلونه وهو أمر عظيم ظنًا من أنفسهم أنه خير لولا حجة الله قائمة بقول رسول الله لهم: "سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم".
فلم يبدعهم النبي عليه الصلاة والسلام بسبب طلبهم لهذا الأمر وإنما أنكر عليهم بإقامة الحجة الشرعية لعلمه أنهم لا يعلمون الحكم الشرعي.
وهذا الذي يلزم في حق من عرفت سنيته وسريرته الحسنة بخلاف من عرف بالابتداع والضلال ممن أصولهم مبتدعة.
وكذا يتنزل هذا القول في حق من وقع في الكفر ولم يقصد كأن يكره عليه أو وقع منه سهوًا أو خطًا.
ومثاله في حق المكره قوله تعالى: "مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ"([4]).
وقد أخرج ابن جرير الطبري وغيره أنها نزلت في عمار بن ياسر حين أرغمه المشركون أن يسجد أو يقبل صنمًا من أصنامهم، فبرأ الله من وقع في ذلك مكرهًا وهو مطمئن بالإيمان الذي تمكن في قلبه.
وكذا من وقع في الكفر خطًا أو سهوًا من غير قصد فيعذر حتى تقام عليه الحجة لأن الله عز وجل يقول: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ([5])فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" ([6]).
فإذا عذر الشرع من وقع متأولًا في البدعة أو الكفر فيلزم المسلمين أن يخضعوا لشرع الله و يلتمسوا الأعذار حتى يقيموا الحجة على المخطئ فإن أصر على بدعته وضلاله بعد قيام الحجة ضللناه على قدر ضلاله.
فإن ابتدع أصلًا ونسبه إلى الدين أو خرج عن أصل من أصول أهل السنة بدعناه, وإن كفر بما لا عذر له شرعًا كفرناه.
ولكن الأحقية في هذا الباب أعني التبديع أو التكفير خاصة بالعلماء ليس غير والناس تبع لعلمائهم, وهكذا ينبغي أن تكون الأمور منضبطة بضوابط الدين الحنيف.
قال علامة الجنوب الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: "لا يجوز لطالب العلــم المبتـــدئ أن يُبَدِّع أو يُكَفِّر إلا بعد أن يتأهل لذلك، وعليــه إسناد الأمر لكبار أهـل العلـــم خاصـة، لأن الله تعالى يقــول: "وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ"([7]) ([8])اهـ
وقد ألفت رسالتين في هذا الباب لأهميته وطبعتا عدة طبعات، الأولى بعنوان: "ضوابط التبديع"، والثانية بعنوان: "ضوابط التكفير"، وقد ذكرت فيهما شروط من له الأحقية بالتبديع والتكفير وأسباب ذلك وموانعه، وبالله التوفيق.
([1]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند الشاميين, حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم(4/126 رقم 17184)] من حديث العرباض بن سارية.
([2]) جمع نوط وهو مصدر ناطة أي علقة, وهي شجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم ويعكفون حولها.
([3]) أخرجه الترمذي في سننه [كتاب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم(4/475 رقم 2180)] من حديث أبي واقد الليثي.
([4]) سورة النحل, الآية (106).
([5]) إثم.
([6]) سورة الأحزاب, الآية (5).
([7]) سورة النساء, الآية (83).
([8]) فتوى للشيخ أحمد النجمي نقلاً من كتاب الفتاوى الجلية (2/32).