الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 7543

هل من منهج الاسلام وفعل السلف تتبع زلات وأخطاء الآخرين؟

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س58: هل من منهج السلف تتبع الزلات ؟


ج58: منهج السلف رد الزلات وإنكارها متى ما كانت ظاهرة, وليس من منهجهم تتبع العثرات والزلات بل هذا من منهج المبتدعة.

وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أعرضوا عن الناس, ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة ([1])في الناس أفسدتهم, أو كدت تفسدهم"([2]).

وصح عند أبي داود وغيره عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم، فقال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله تعالى بها" ([3]).

فلا يجوز فتح هذا الباب على مصراعيه، ولكن إذا عرفت عند رجل أخطاء يصل ضررها إلى الشرع أو حملته ونحو ذلك فلا بأس من تتبع عثرات الشخص لو كنت عالماً بل قد تجب في حق العالم الإمام إن كانت الأهلية متوفرة عنده دون غيره حتى يحذر الناس من هذه الأخطاء ولذا تتبع الرازي التاريخ الكبير للبخاري ورد عليه في مواضع أخطأ فيها, وتتبع الدارقطني الصحيحين وألف الإلزامات والتتبع, كما تتبع الدارقطني خطأ عمر البصري في ما انتقاه على أبي بكر الشافعي وعمل في ذلك رسالة, وهكذا الشيخ عبد الحق بن عبد الله الأنصاري تتبع أغلاط ابن حزم في الاستدلال والنظر ورد عليه بكتاب سماه الرد على المحلى، ويحذر من الخطأ لا من الشخص، أما إذا عرف الشخص بضلاله وبدعته وبأصوله البدعية فيلزم التحذير من الشخص وضلاله حتى لا ينخدع به العوام ويضلهم عن المنهج الحق.

ومما يؤسف له أن هناك من يتفرغ لتصيُّد وجمع أخطاء ومثالب الدعاة ممن ليست أصولهم بدعية لينشرها بين الناس بنية التحذير منهم وإسقاطهم لأجل حظ النفس أو الهوى، وهذا لا شك أنه من الذنوب التي يضيفها هؤلاء المتصيدون إلى رصيدهم، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وفي الحديث الحسن: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ([4]).

قال الشيخ بكر أبو زيد: «وأما البحث عن الهفوات وتصيدها فذنوب مضافة أخرى، والرسوخ في الإنصاف بحاجة إلى قدر كبير من خلق رفيع ودين متين» ([5]).

والحاصل في هذه المسألة أنه لا يجوز للعوام والصغار وطلاب العلم وغيرهم تصيد أخطاء المشايخ والعلماء لأجل النيل منهم والطعن فيهم وتحذير الناس منهم وإسقاطهم وتبديعهم، وفي حالة وقوع العالم في البدعة فإنه يلزم من علم من العلماء نصيحته وإقامة الحجة عليه وإزالة الشبهة عنه ولا يحكم على العالم بشيء يطعن في عدالته إلا عالم توفرت فيه شروط الجرح والتعديل وهي:

الأول: أن يكون الرجل ثقة في نفسه غير مجروح العدالة فإن كان مجروحًا فلا يعتد به.

الثاني: أن يكون عالمًا تقيًا ورعًا فلا يجرح لهوى أو حسد أو غرض دنيوي.

الثالث: أن يكون عارفًا بأسباب ودواعي التجريح.

الرابع: ألا يعرف بالتعصب المذهبي.

فإذا اتفقت هذه الشروط في الشخص حُقَّ له أن يكون مجرحًا لأن مثله سوف يتصف بالعدل والأمانة, فيلزم طلاب العلم ألا يخوضوا في مسالك كهذه وأن يتركوا ذلك لأهل الشأن والبصيرة فهم أعرف بحال ومصلحة الأمة وأن ينكبوا على طلب العلم على أيدي علمائهم، فإن أوقاتًا عديدة تضيع على شباب الإسلام في الخوض فيما لا يعنيهم وفيما لم يُكلفوا به شرعًا.

فكم من الشباب مّنْ لا يحافظ على السنن ومستحبات الأعمال والأقوال بل ويفرط في كثير من الواجبات ويتنزه عن الفتيا في أحكام الطهارات والمشروبات ولا ينزه لسانه وقلمه عن الكلام في أعراض الأمة سواء بحق أو باطل، وهذا منزلق خطير لا يحمد شرعًا, إذ إن الأمة تحتاج من أبنائها أن يكونوا قدوة لأجيالهم المستقبلية وأن يبحثوا عما يصلح الأبناء لا من يتسبب في خرابهم وضياعهم"([6]).

ولذا نقول: لا يُفتح هذا الباب على مصراعيه لأنه لا يقدر النقد بضوابطه الشرعية سوى العلماء فيترك باب النقد العلمي لأهله ممن لديهم أهلية الآلة وعلومها، ولديهم صفات الرحمة والورع والخشية من الله من أن يقع في الظلم وأعراض المخطئ بغير وجه شرعي؛ وبالله التوفيق.

 

([1])  التهمة.

([2])  أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (14/287) من حديث معاوية بن أبي سفيان.

([3])  أخرجه أبوداود في سننه [كتاب الأدب, باب في النهي عن التجسس(14/179 رقم 4890)] من حديث معاوية بن أبي سفيان.

([4])  أخرجه ابن ماجة في سننه [ كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة ( ٢/ ١٣١٥ حديث رقم ٣٩٧٦ )].

والحديث حسن لغيره.

([5])  بكر أبو زيد، تصنيف الناس بين الظن واليقين ( ص ٧٨).

([6])  جزء فتوى للدكتور صادق البيضاني مسجلة بصوته ومفرغة على موقعه الالكتروني.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام