حكم تأخير الصلاة عن وقتها لظروف العمل العسكري وغيره
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س64: نحن شباب نشتغل في القوات المسلحة التابعة لبلدنا, وفي أثناء التدريبات العسكرية نضطر بعدم الخروج من ساحة القتال التدريبية لظروف العمل لدينا, فنضطر إلى تأخير صلاة الظهر والعصر إلى المغرب, وأحيانا يخيروننا أن نصلي في الوقت حسب وضعيتنا، فما حكم الشرع في صلاتنا هذه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
ج64: لا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بأي حال من الأحوال لقوله تعالى: "إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا"([1]).
وإذا كان الجند في حال قتال مع العدو فيلزمهم الصلاة أيضًا على وقتها ولم يعذر الشرع أحدًا عن تأخير الصلاة متعمدًا ولكنه رخص للمقاتلة أن يصلوا على أي هيئة كانت إذا كانوا يخشون صولة العدو ولصلاة الخوف عدة هيئات منها ما جاء في الصحيحين عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالًا قيامًا على أقدامهم أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها"
قال مالك قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا ورد في السنة وله حكم الرفع.
وصح عند البيهقي مرفوعًا بلفظ: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس"([2]).
فلا عذر لأحد في أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها بأي حال من الأحوال بخلاف النائم والناسي كما لا يخفى للأدلة المتكاثرة والتي منها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس وغيره مرفوعًا: "من نام عن صلاة أو سها عنها فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك", وقرأ قوله تعالى: "وأقم الصلاة لذكري"([3]).
لكن قد يقول السائل إن قائد الجيش يلزم الجند بعدم ترك أماكنهم لتدريبهم كيفية ملاقاة العدو والثبات في مثل ذلك.
فجوابه أنه لو كان جائزًا لأجازه الشرع ولكن لا يصح في مثل هذا المقام الدليل فالخطأ ليس من الجندي بل من قائده وبإمكان قائد الجيش أن يعمل هذه التدريبات في غير أوقات الصلاة، ويستخدم طرقًا أخرى لا تنافي الشرع وأن يستشير أهل العلم في مثل ذلك قبل إعطاء الأوامر، فإن الشرع أمانة ويلزم الخضوع له, وعلى الجندي إذا أرغم على ذلك أن يصلي في مكانه قبل أن يخرج وقت الصلاة ولو بالإشارة مستقبلًا القبلة أو غير مستقبل القبلة حسب الاستطاعة فإذا منع من الوضوء والتيمم معًا فيلزمه الصلاة بغير وضوء لقوله تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"([4]) ، كما يجب على حكام المسلمين ونوابهم من قادة ومدراء أن يتقوا الله في أوقات الصلاة، وألا يَشُقوا على أحد أو يضيقوا عليه في أي عبادة وخصوصاً الصلاة وإلا كان نصيبهم من الوزر عظيما، وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به".
فالأمر خطير يا ولاة الأمر ويا أيها القادة والمدراء في الادارات، فما جوابكم عندما يسألكم ربكم يوم القيامة كيف فرطتم في رعيتكم الذين استرعاك عليهم مدنيين وعسكريين؟
وفي الحديث المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"([5]).
وما جوابكم جميعاً عندما ينادي الله يوم القيامة ويقول: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ"([6]).
أصلح الله حكام المسلمين، ووفقهم إلى ما يحبه ويرضاه، وبالله التوفيق.
([1]) سورة النساء, الآية (103).
([2]) أخرجه البيهقي في سننه [كتاب صلاة الخوف, باب كيفية صلاة شدة الخوف(2/453 رقم 6234)] من حديث ابن عمر.
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب مواقيت الصلاة, باب من نسي الصلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة (1/215 رقم 572)], ومسلم في صحيحه [كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها(1/477 رقم 684)] كلاهما من حديث أنس بن مالك.
([4]) سورة التغابن, الآية (16).
([5]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس, باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه(2/848 رقم 2278)], ومسلم في صحيحه [كتاب الإمارة, باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم(2/1459 رقم 1829)] كلاهما من حديث ابن عمر.
([6]) سورة الصافات, الآية (24).