حكم صلاة الفرض داخل البيت
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س71: هل الصلاة المفروضة في البيت تجوز أو لا تجوز؟
وهل الصلاة في البيت لأسباب تجوز؟
ج71: أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" ([1]).
فهذا دليل على أن النافلة من سنن وتطوع تُصلى في البيت من باب الأفضلية، وأما الفرض ففي المساجد، ولم تبنَ المساجد إلا للصلوات والذكر والعلم ووعظ الناس ومناقشة قضايا الأمة وفق الكتاب والسنة.
فإذا وجد سبب مانع من تأدية الصلاة المفروضة في المسجد فلا بأس من صلاتها في المنزل ومن ذلك المرض المقعد أو النوم عنها من غير عمد أو نسيان وقتها ونحوها من الأسباب التي فيها عذر مقنع شرعاً، وقد شدد الشرع المنزل في هذه المسألة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ما رخص للأعمى أن يصلي في بيته ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد.فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يرخص له فيصلي في بيته, فرخص له.فلما ولى دعاه.فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة "؟فقال: نعم.قال: "فأجب"([2]).
ولهذا لو نام الشخص أو نسي أو تأخر من غير عمد حتى انتهت صلاة الجماعة في مساجد بلدته جاز له أن يصليها في بيته ويفضل أن تكون جماعة لما أخرجه عبد الرزاق والطبراني: أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا, فرجع بهما إلى البيت, فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم صلى بهما ([3]).
وهذا أثر صحيح وفيه دلالة أيضًا على عدم سنية تكرار الجماعة في المسجد الذي فيه الإمام الراتب ولذا قال الشافعي في الأم: إنه ليس من فعل السلف ([4]).
ووافقه على هذا القول وهو عدم جواز الجماعة الثانية في المسجد مالك وأبو حنيفة وجماعة.
وأما حديث أبى سعيد مرفوعاً: "من يتصدق على ذا فيصلى معه" فهو حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود، لكن هذا في حق من صلى مع الإمام في الجماعة الأولى ثم تنفل مؤتماً أو إماماً بمن لم يدرك الجماعة، ويؤكد ذلك مرسل الحسن البصري وهو مرسل صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره "أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: ألا رجل يقوم إلى هذا فيصلى معه , فقام أبو بكر فصلى معه، وقد كان صلى تلك الصلاة".
وقد صح مرسلاً أيضاً أبى عثمان وهو النهدى مرسلاً، فالحديث حسن لغيره.
والحاصل أنه لا ينبغي للشخص أن يصلي الفريضة في بيته مع إمكان الصلاة في المسجد؛ وسيأتي بيان حكم الجماعة مفصلاً بأدلته في موضع آخر من هذه السلسلة بإذن الله، وقد بسطت ذلك في كتابي "المنتقى"، طبعة دار اللؤلؤة، وبالله التوفيق.
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الجماعة والإمامة, باب صلاة الليل(1/256 رقم 698)], ومسلم في صحيحه [كتاب صلاة المسافرين وقصرها, باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد(1/539 رقم 781)] كلاهما من حديث زيد بن ثابت.
([2]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب المساجد, باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء(4/294 رقم 1518)] من حديث أبي هريرة.
([3]) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه [كتاب الصلاة, باب الرجل يؤم الرجلين والمرأة(2/409 رقم 3883)] من طريق عبد الرزاق عن معمر عن حماد عن إبراهيم.
([4]) محمد بن ادريس الشافعي, الأم, دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الاولى, 1400 ه - 1980 م, الطبعة الثانية, 1403 ه - 1983 م, ص(180).