حقوق المرأة في الإسلام(3)
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (38)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني.
حقوق المرأة الواردة في نصوص الكتاب والسنة كثيرة، وسأكتفي في هذا اللقاء بذكر الحقوق العشرة المشهورة في كتب الفقه وفقاً لأدلتها، وتتلخص في التالي :
أولاً: أن الإسلام كرمها وشرفها بالمنزلة العالية، قال تعالى: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ"، وقال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
ثانياً : أنه جعل برها من طاعته بصفتها أم البنين، فقال سبحانه: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، وقال تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا"، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك".
ثالثاً: جعل لها حق اختيار الزوج ورفضه، وكذا المطالبة بالطلاق وخلعه عند التقصير وعدم الكفاءة، ففي صحيح البخاري يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تُنكح البِكرُ حتى تُستأذن، ولا الثَّيِّب حتى تُستأمر، فقيل: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال : إذا سكَتتْ"، وفي صحيح البخاري أيضاً: جاءت الخنساء بنت خذام، فأخبرت الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أباها زوَّجها وهي ثيِّب، فَكرهتُ ذلك، فردَّ نكاحها".
وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاءتِ امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله، ما أنقمُ على ثابت في دِين ولا خُلق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فتردِّين عليه حديقتَه؟ فقالت: نعم، فردَّت عليه حديقتَه، وأمره ففارقها".
رابعاً : منح الإسلام المرأة الحق في التعليم وفق ضوابط شرعية تصونها وتحفظ عفتها وشرفها سواء في المساجد أو المدارس أو الجامعات أو غيرها، ففي صحيح البخاري قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أيُّما رجل كانت عندَه وليدة، فعلَّمها فأحسن تعليمَها، وأدَّبها فأحسن تأديبَها - فله أجـران".
خامساً: أغلق الإسلام أبواب الفتنة عنها حتى لا تصاب بالأذى ففرض الحجاب تشريفاً وتكريما لها، ومنع النظر إليها دفعاً لأي بلوى لا تُحمد عقباها، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ"، وقال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى"، وقال تعالى: "ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ"، وثبت من حديث عائشة –رضي الله عنها- الذي في الصحيحين أنها قالت: "لقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه الناس من المؤمنات متلفعات([1]) بمروطهن ([2])، ثم ينقلبن إلى بيوتهن ما يعرفن من شدة الغلس".
وجاء –أيضًا- عنها –رضي الله عنها- كما صح ذلك عند أبي داود وغيره قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلَتْ إحدانا جلبابَها من رأسِها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
وثبت عن أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنهما- قالت: "كنا نُغطِّي وجوهنا من الرجال ، وكنَّا نمتشط قبل ذلك " ، أخرجه ابن خزيمة وغيره.
سادساً: جعل الإسلام من حقوق المرأة منع الدخول عليها إلا للمحارم حفاظاً على عفتها وشرفها من دنس الآدميين وشهواتهم التي قد تكون سبباً في انتهاك الحرمات، ففي الصحيحين يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إيَّاكم والدُّخولَ على النِّساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيتَ الحمو؟ قال: الحمو الموت".
ومن باب أولى عدم الجلوس معها من غير محرمها، وعدم مصافحتها، وعدم سفرها إلا بمحرم صيانة لها وتعظيماً لأمر شأنها، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، وفي لفظ آخر في الصحيح: "فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: " اذهب فحج مع امرأتك"، وثبت عند النسائي وابن ماجه وغيرهما قوله عليه الصلاة والسلام : " إنِّي لاَ أصافح النِّساء".
سابعاً : أن الإسلام جعل من حقوق المرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه ما يكفيها ويكفي بنيها إذا قصر في النفقة، ففي الحديث المتفق عليه قالت هند أم معاوية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سرًّا؟، قال: خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف".
ثامناً: من حقها على الزوج الاحسان لها والعدل معها، فقد أمر الشرع بحسن عشرة النساء وأوصى بهن خيراً، حيث قال الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وقال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما ثبت عنه عند الترمذي وغيره : "خَيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي"، وثبت عنده أيضاً أنه قال: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خِيارُكم لنسائهم"، وثبت عند النسائي في المجتبى أنه قال: "مَن كان له امرأتانِ يَميلُ لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أَحدُ شِقَّيه مائل".
تاسعاً: جعل الإسلام من حقها تغيير المنكر، ففي صحيح البخاري: "أن امرأة قالت في إمامهم الذي كانت تنكشف بعض عَورته لقصر ثوبه : ألا تغطون عنَّا اسْتَ قارئكم"، واسم هذا الإمام يومها " الصحابي عمرو بن سلمة رضي الله عنه، وكان طفلاً وعمره ست أو سبع سنوات يصلي بالناس إماماً" كما في البخاري
عاشراً: جعل الإسلام من حقوق المرأة الفاضلة أن تُستشار وفق ضوابط الشرع من غير اختلاط بالرجال وما إلى ذلك مما تعم به البلوى، ففي صحيح البخاري: أن أم سلمة رضي الله عنها أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم حين امتنع أصحابه من أن ينحروا هديهم " أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلم أحداً منهم كلمة حتى ينحر بدنه ويحلق، ففعل صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا".
قال العلماء: في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ باستشارة أم سلمة في ما أشارت به عليه.
وأما حديث: "شاوروهن وخالفوهن" فهذا حديث موضوع لا يصح كما في كتاب كشف الخفاء للعجلوني (2|4)، وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة، والشوكاني في الفوائد، ومثله حديث علي: "من أطاع امرأته كبه الله عز وجل في النار على وجهه"، ومثله حديث: "من أطع النساء فقد هلك "، فهذه الأحاديث ما بين موضوع ولا أصل له.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
حرر يوم الأحد بتاريخ 1 رجب لعام1429هـ، الموافق لـ 18 مارس لعام 2018م.
_____________
[1] أي: متجللات متلففات.
[2] أي: بأكسيتهن؛ واحدها مِرط بكسر الميم.