أحكام تتعلق بالرؤى والأحلام
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س93: قال تعالى: "لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" ([1]), قال بعض المفسرين: يعني الرؤيا الصالحة يراها الإنسان أو تُرى له في الدنيا، وفي الآخرة رؤية الله تعالى.
هل هذا التفسير صحيح؟ وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يؤمن بالرؤية الصالحة لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر"، هل هذا الحديث صحيح؟ وهل أن الشخص الكافر والكاذب لا تصدق رؤيتهم ولا تتحقق؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يعرف الرؤيا من الحلم من حديث النفس؟ وكيف نعرف الرؤيا التي لها تأثير على حياتنا وننتظر ظهورها في مستقبلنا؟
ج93: قوله تعالى: "لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
جاء في تفسيرها ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وغيرهم والحديث حسن عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: "لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا" قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له"([2]), كما جاء الحديث أيضًا عن أبي الدرداء وغيره، فما ذكره السائل من التفسير صحيح لا غبار عليه.
وأما رؤية الله يوم القيامة في الجنة فثابتة متواترة ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن جرير بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون ([3])في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ: "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"([4]) ([5])، وقد بسطت مسألة رؤية الله يوم القيامة بأدلتها في كتابي "شرح منظومة ابن تيمية في العقيدة" وقد طبع الكتاب عدة طبعات.
وأما قولك: "من لم يؤمن بالرؤية الصالحة لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر"؛ فهذا ليس بحديث.
وكون الشخص الكافر أو الكاذب لا تصدق رؤيته ولا تتحقق فمردود لا يلتفت إليه، والحق أن رؤية الكافر والكاذب تتحقق وتصدق حسب مقاماتها، وقد ذكر بعض أهل العلم في الرؤيا أن الناس في الرؤيا على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: درجة الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، والأدلة في هذا القسم كثيرة، ليس هذا المقام مقام بسطها.
الدرجة الثانية: درجة الصالحين والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.
الدرجة الثالثة: درجة من عداهم فيقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهذه الدرجة على ثلاثة أقسام:
الأول: مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم.
الثاني: فسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق.
الثالث: كفار كاليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر، ودجالون كأدعياء النبوة والمهدية، ويندر في رؤياهم الصدق جداً.
كذا هذه الأقسام في الفتح للحافظ ابن حجر مع زيادة إيضاح مني، ولأهل العلم نحوه.
ولكن لما جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا أنه قال في الرؤيا: "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا"([6]).
حمله البعض على أن رؤيا الكاذب لا تصدق فمن باب أولى الكافر وهذا تفسير مردود، فقد رأى فرعون مصر في زمن يوسف عليه السلام الرؤيا المشهورة ومع ذلك فسرها يوسف للملك وجاء ذكرها في قوله تعالى: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ([7]) وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ ([8]) أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ([9]) إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ([10]) , قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ([11]) وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ([12]) الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ, وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ([13]) أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ([14]) فَأَرْسِلُونِ, يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ, قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ([15]) فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ ([16]) فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ, ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ ([17]) يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ([18]), ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ([19]) النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ([20])"([21]).
وكذا رؤيا فرعون مصر في زمن موسى أنه سيولد رجل يرث سلطانه ويهلك فرعون ومن معه فولد موسى عليه السلام.
وكذا قصة رؤيا الفتيين اللذين سجنا مع يوسف عليه السلام وهما على غير الاستقامة وقد بوب البخاري رحمه الله في ذلك بابًا بعنوان: "رؤيا أهل السجون والفساد والشرك".
وقد اتفق المفسرون على أن رؤية الكافر والفاسق قد تقع إلا أن ذلك نادر الوقوع.
وأما الفارق بين الحلم والرؤيا فكما قال عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري من حديث أبي قتادة مرفوعًا: "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره"([22]).
ويوضح النبي عليه الصلاة والسلام أقسام الرؤى والأحلام بما لا يحتاج إلى مزيد إيضاح فيقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم، فليصل ولا يحدث بها الناس"([23]).
فقسمها إلى ثلاثة أقسام:
الرؤيا الأولى: رؤيا يجد الرجل فيه الاطمئنان والبشرى والرضا بها.
الرؤيا الثانية: رؤيا ظاهرها عدم الاطمئنان لما اشتملت عليه من الحزن وكلتا هاتين الرؤيتين تفسر.
الرؤيا الثالثة: التي لا تفسر فحديث المرء في اليقظة يفكر فيه ويأمله ويتخيله فيقع ذلك الخيال له في المنام.
لكن ينبغي للمسلم أن يكتم ما ظاهره الخوف والحزن لما سبق بيانه في الحديث.
وأما كيفية معرفة أن الرؤيا لها تأثير على حياتنا المستقبلية فلا يمكن معرفة ذلك إلا بعد الوقوع أو أن يخبرك بذلك مفسر معتبر من أهل العلم عند عرضك عليه رؤياك فلا تعرض رؤياك على الأدعياء الذين لا يفقهون هذا العلم.
وقد أخرج أحمد في مسنده والأربعة إلا النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا على رِجْل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت"([24])، والحديث حسن لغيره.
ومعنى: "على رجل طائر" أنها معلقة كالطائر في الهواء حتى إذا تم تفسيرها وقعت.
لكن هل من عبرها تقع حتى وإن لم يكن مفسراً؟
الجواب: قال بعضهم إنما المقصود بوقوعها إذا فسرها المفسر المتقن العالم بتعبير الرؤيا بدليل قوله تعالى: "إن كنتم للرؤيا تعبرون" بشرط أن تكون رؤيا تفسر لا حديث نفس ولا أضغاث أحلام "أحلام شيطانية"، أما تفسير الجاهل فلا يقع لكونه ليس من أهل التعبير.
وقيل: قد تقع من مفسر جاهل يفسرها فيصيب، وقد يفسرها بشر فتقع من باب الابتلاء لك على ما فسرت به، والقول الأول أظهر، وبالله التوفيق
([1]) سورة يونس, الآية (64).
([2]) أخرجه الترمذي في سننه [كتاب الرؤيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, باب قوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} (4/534 رقم 2275)] من حديث عبادة بن الصامت.
([3]) بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم, قيل: وهو الأكثر أي لا يظلم بعضكم ببعض بالتكذيب والإنكار، وفي نسخة بفتح التاء وتشديد الميم من التضام بمعنى التزاحم، وفي أخرى بالضم والتشديد من المضامة وهي المزاحمة وهو حينئذ يحتمل كونه للفاعل والمفعول، وحاصل معنى الكل لا تشكون في رؤيته.
([4]) سورة ق الآية (39).
([5]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب مواقيت الصلاة, باب فضل صلاة العصر(1/203 رقم 529)] من حديث جرير بن عبد الله.
([6]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الرؤيا(4/1773 رقم 2263)] من حديث أبي هريرة.
([7]) هزلى.
([8]) يعني العرافين والسحرة, والكهنة وأشراف القوم وأهل الرأي فيهم لكونهم كانوا يعتمدون على هؤلاء في زمانهم من غير تفريق لجهلهم.
([9]) بيّنوا تفسيرها.
([10]) تفسرون.
([11]) جمع ضغث الأحلام جمع حلم بضمة وبضمتين, أباطيل الأحلام وتخاليطها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان.
([12]) بتفسير.
([13]) تذكر بعد حين.
([14]) أخبركم بتفسيره.
([15]) دائماً أو مواظبين حريصين.
([16]) فاتركوه.
([17]) مجدبات صعاب على الناس.
([18]) تدّخرون, وتحرزون.
([19]) يمطر أو ترفع عنهم المكاره .
([20]) يعصرون العنب, والزيتون ونحوها مما يقبل العصر والخلط.
([21]) سورة يوسف, الآية [43 : 49].
([22]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب التعبير, باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة(6/2563 رقم 6585)] من حديث أبي قتادة.
([23]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب التعبير, باب القيد في المنام(6/2574 رقم 6614)], ومسلم في صحيحه [كتاب الرؤيا(4/1773 رقم 2263)] كلاهما من حديث أبي هريرة.
([24]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب الأدب, باب [ ما جاء ] في الرؤيا(2/723 رقم 5020)] من حديث أبي رزين.