عيد الأم وتاريخ نشأة هذه البدعة وأسبابها
ضمن سلسلة المواسم المبتدعة
الحلقة (5)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
كانت بداية فكرة عيد الأم وتكريمها بأمريكا، حيث بدأ بعض الأمريكيين يحتفلون بهذه المناسبة عام1870م في المدارس والأندية وبعض المنازل وأماكن تجمعات الناس، لكنه لم يكن رسمياً، وقد كان أول احتفال رسمي بهذه المناسبة على مستوى الدولة بأمريكا في شهر مايو عام 1911م، وسبب هذا الاحتفال أن الأمريكان شعروا أن أولادهم إذا بلغوا 18 سنة انفصلوا عن آبائهم وأمهاتهم وقطعوهم بسبب القوانين الوضعية العلمانية الجائرة التي تعطي هذا السن الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء، ومن ذلك أن يستقل ويبعد عن والديه، وهذه المؤامرة اليهودية الماسونية العلمانية لم تكن إلا لتفكيك المجتمعات وشعوب العالم وإفسادها، وقد نجحوا بقوة القانون وهيبة الدولة التي يسطيرون على مؤسساتها وهيئاتها.
وقد ذكرت في كتابي (أحكام التهنئة في الإسلام) أن بعض المؤرخين زعم أن عيد الأم بدأ عند الإغريق في احتفالات عيدالربيع، وكانت هذه الاحتفالات مهداة إلى الإله الأم (ريا) زوجة (كرونس) الإله الأب، ورديت هذا القول، وقلت: و"الصحيح ما ذكره جمهور المؤرخين أن المرأة الأمريكية " آنا جارفس المولودة عام 1864، والمتوفاة عام 1948م صاحبة فكرة ومشروع جعل يوم عيد الأم إجازة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لم تتزوج قط وكانت شديدة الارتباط بوالدتها، وكانت ابنةً للدير وتدرس في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة النظامية (أندور) في مدينة جرافتون غرب فرجينيا، وبعد موت والدتها بسنتين بدأت حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونغرس لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد، وكان لديها شعور أن الأطفال ومن بلغ سن ال 18 من عمره لا يقدرون ما تفعله الأمهات خلال حياتهم، وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم من إحساس الأطفال والأبناء بالأمهات والآباء وتقوي الروابط العائلية المفقودة.
وقد قامت الكنيسة بتكريمها، وكان القرنفل من ورود والدتها المفضلة وخصوصاً الأبيض فهو يعبر عن الطيبة والنقاء والتحمل الذي يتميز به حب الأم، ومع مرور الوقت أصبح القرنفل الأحمر إشارة إلى أن الأم على قيد الحياة، والأبيض أن الأم رحلت عن الحياة, وأول إعلان رسمي عن عيد الأم في الولايات المتحدة كان غرب فرجينيا في ولاية أوكلاهوما عام 1910م، ومع عام 1911م احتفلت الولايات المتحدة كلها بهذا اليوم.
وقد دخلت هذه البدعة إلى البلاد العربية من خلال مقال كتبه الصحفي القومي المصري الراحل علي أمين – مؤسس جريدة أخبار اليوم مع أخيه مصطفى أمين -حيث طرح علي أمين في مقاله اليومي فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق، وبعد انتشار هذا المقال لاقى رواجاً وتشجيعاً من فرنسا والدول الغربية، وطالبوا الأنظمة العربية باعتماده بالدولة، فتقرر بمصر أن يكون يوم 21 مارس عيدًا للأم، ثم انتشر في البلاد العربية الأخرى وغيرها من البلاد الإسلامية، وسبب انتشاره يعود لعدة أسباب منها : تشجيع الغربيين حكام المسلمين لإقامته لأجل تعويد المسلمين على ما يسنه الغرب من التغريب والتشبه بهم، ومنها ابعاد المسلمين من حصر الأعياد بما هو في شريعة الإسلام، ومنها تثقيف المسلمين بثقافة العدو وابعادهم عن شريعة الإسلام وحضارته المحفوظة بالكتاب والسنة، ولذا تحتفل به كثير من الدول العربية والإسلامية على مستوى الدولة ومؤسساتها الرسمية، وخصوصاً في المدارس والمعاهد والجامعات ونحوها.
إن هذا العيد المسمى "عيد الأم" عيد ديني انطلق من راهبة درست بالكنيسة كما تقدم بسبب عقوق الأولاد لأمهاتهم نظراً للثورة العلمانية على الكنيسة ومحاربة أهل الدين في دول الكفر، فهو ديني من أعياد النصارى المبتدعة، ولسنا معاشر المسلمين في حاجة لمتابعتهم لعدة أسباب :
السبب الأول: أن ديننا الإسلامي نهانا عن التشبه بهم في أعيادهم الدينية والمبتدعة.
قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: «لتتبعن سنة من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه»: قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: «فمن؟».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبّه بقوم فهو منهم" أخرجه أبو داود وغيره، والحديث حسن.
السبب الثاني: أن الغرب إنما دعوا لعيد الأم لأجل أن قوانينهم الوضعية علمانية تفصل الأولاد عن الأم إذا بلغوا 18 سنة، وتعطيهم الحرية في قطع أمهاتهم فلا يذكرون الأم إلا يوم عيدها، وهذا هو يوم برها وصلتها من كل عام من خلال هدية ورود أو زهور لا تسمن ولا تغني من جوع، وبقية السنة لا يعرفون أمهاتهم، وأما ديننا الإسلامي فقد أمر بصلة الأم في كل حين وجعل في الصلة ثواباً وفي القطيعة عقاباً، فلا حاجة لنا بالاحتفال بهذه البدعة لأن الله أعزنا بالإسلام وأحكامه الربانية ونهانا عن التشبه بأعيادهم، فمن ابتغى العزة بغيره أذله الله.
قال الله تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا".
وقال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: "سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بِرُّ الوالدينِ، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك"، وزاد في مسلم: "ثم أدناك أدناك".
وثبت عند أبي داود وغيره عن أبي سعيدٍ الخدري: "أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمَن، فقال: هل لك أحدٌ باليمن؟، قال: أبواي، قال: أذِنا لك؟، قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذِنا لك فجاهد، وإلا فبَرَّهما".
فالله الله في أمهاتكم، بروا بهن كما أمركم الشرع الحكيم، وإياكم أن تتابعوا أعداء الله وتصدقوهم فإنهم أهل قطيعة وضلال وكفر وبدع، واجعلوا عيدها في كل يوم وفي كل لحظة من لحظات حياتها من خلال برها وصلتها والسعي في رضاها، فإن رضاها من رضا الله، وكونوا خير خلف لخير سلف، فإن من أطاع الله ورسوله أفلح وفاز، ومن عصى الله ورسوله وتابع أعداء الله خسر وخاب.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
حرر يوم الأحد بتاريخ 1 رجب لعام1429هـ، الموافق لـ 18 مارس لعام 2018م.