السبت 17 شعبان 1446 هـ || الموافق 15 فبراير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    المواسم المبتدعة    ||    عدد المشاهدات: 7844

بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وبيان أن الصلاة الألفية لا أصل لها في الاسلام

(ضمن سلسلة المواسم المبتدعة)
الحلقة (10)

بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني.


ليلة النصف من شعبان ليلة من سائر الليالي التي لم يصح عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن خصها بقيام ، أو صيام ، أو مزيد عبادة ، ولم يصح عنه ولا عن صحابته الكرام أن أقاموا في مثل هذه الليلة احتفالاً بذكرى هذه المناسبة، وقد تزعمت الصوفية هذه البدعة، حتى أظهروا فيها الفسوق والعصيان ، ودنسوها بالشركيات ، والبدع ، والضلال والمنكرات ، كاختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات ، وإشعال المواقد والنيران في البيوت والمساجد ، والصلاة إليها كما يفعل المجوس، وقراءة بعض القصائد الشركية، والاستغاثة بالرسول والموتى، وطلب المدد والغوث منهم، وتوزيع الحلوى على الأطفال والنساء بنحو ما يفعله النصارى، ونحوها من المنكرات، حتى أظهروا للناس أن هذه الليلة مهما ظهر فيها من المنكرات فإنها ليلة مباركة يكفرها القيام ، وقراءة الموالد ، وكثرة الذكر ، فخلطوا وشطحوا، وكذبوا في دعواهم، دون بينات شرعية صحيحة ، لأنهم خلاف الشرع القويم.

التعريف:

هو احتفال بعض الناس بليلة النصف من شعبان من كل عام، وتخصيص ليلها بقيام، ويومها بصيام، بحجة أنها ليلة مباركة، يُغفر فيها للمؤمنين ما لا يغفره في غيرها من الليالي.

تاريخ هذه البدعة:

مرت هذه البدعة بمرحلتين:

الأولى: مرحلة إحياء ليلها بقيام ، ونهارها بصيام ، حيث كان بعض التابعين " من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، و غيرهم يعظمونها، و يجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل : إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم، وافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك، وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة "([1]).

وهذا يدل على أن إحياء ليلة النصف من شعبان بقيام، ونهارها بصيام، أول ما أحدث في زمن التابعين في نهاية القرن الأول الهجري على يدي بعض العباد آنذاك ، ولم يُعرف ذلك الوقت ما يعرف اليوم بالصلاة الألفية، واجتماع الناس على إمام واحد في المسجد، وإشعال المواقد والنيران، ونحوها مما سيأتي بيانه في المرحلة الثانية ، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المرحلة: " وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي، فيها لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة ، وكذلك الصلاة الألفية " ([2])اهـ.

قلت : وليس بصحيح من أن خالد بن معدان، ومكحولاً، ولقمان بن عامر، وغيرهم اعتمدوا على آثار إسرائيلية فحسب ، بل واعتمدوا على أحاديث وآثار كثيرة، لكنها لا تسلم من مقال كما سيأتي إيضاح ذلك كله.

المرحلة الثانية: الزيادة على المرحلة الأولى بإحياء ليلتها بالصلاة الألفية في المساجد بـ "كثرة الوقيد في جميع مساجد البلاد التي تصلى فيها" ([3]) مع ما يصحب ذلك من البدع والمنكرات ، وسميت بالصلاة الألفية " لأنه يُقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة، لأنها مائة ركعة، في كل ركعة يُقرأ الفاتحة مرة، وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات ، وهي صلاة طويلة مستثقلة "([4]) ، " وأولُ ما حَدَثَ ذلك في زمنِ البرامكة"([5]) في نهاية القرن الثاني الهجري، وقد انتهى ملك البرامكة عام "187هـ"([6]) ، على يدي الرشيد بقتل جعفر بن يحي بن خالد البرمكي، ودمر ديارهم، واندرست آثارهم، وذهب صغارهم وكبارهم"([7]).

وعن هذه المرحلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يقول : إن مثل هذا من البدع الحسنة .. مثل الاجتماع على صلاة معينة أول رجب ، أو أول ليلة جمعة فيه ، وليلة النصف من شعبان فأنكر ذلك علماء المسلمين"([8]) اهـ.

قال أبو شامة: عن الصلاة الألفية " وأول ما حدثت عندنا في سنة (448 هـ) ثمان وأربعين وأربعمائة للهجرة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس، يُعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث، ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة، ثم جاء في العام القابل، فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد ، وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا" ([9]) اهـ.

ما يحدث في الاحتفال بليلة النصف من شعبان من البدع والمنكرات والمخالفات:

المحتفلون بهذه البدعة يُظهرون كثيراً من البدع، والمنكرات، والمخالفات ، وهي تختلف من مجتمع لآخر ، فلا يطرد هذا ، لا في كل البلاد ، ولا في كل الليالي ، ومن هذه المنكرات ما يلي:

1ـ اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات.

2ـ إشعال المواقد والنيران في البيوت والمساجد، والصلاة إليها كما يفعل المجوس.

3ـ حصول بعض الفجور من شرب الخمور، والذهاب إلى السينما وأماكن الفسق وخاصة اتباع صوفية ابن الفارض والحلاج والنابلسي وهم منتشرون في الديار الشامية.

4ـ الأغاني باستعمال المعازف كالموسيقى والعود والطبول ونحوها مما هو من علامات الفساق.

5ـ قراءة بعض القصائد الشركية.

6ـ الاستغاثة بالرسول والموتى، وطلب المدد والغوث منهم.

7ـ زيارة المقابر " وأخذ التراب تبركاً ، وإفاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها ، وإلقاء الخرق على الشجر.

8ـ تخصيص ذلك اليوم بالصيام، وكثرة الصلاة على الرسول- عليه الصلاة والسلام- ، مع قيام الليلة بنية أنها ليلة شريفة ومباركة.

9ـ توزيع الحلوى على الأطفال والنساء بنحو ما يفعله النصارى.

ونحوها من المخالفات التي لا يسع المقام بسطها.

حجج القائلين بهذه البدعة:

استدل القائلون بهذه البدعة بأدلة كثيرة، وإليكم بيانها بإيجاز:

أولاً: ما جاء عن عائشة رضي الله عنها :

(1) قالت عائشة: " قام رسول الله- عليه الصلاة والسلام- من الليل يصلي ، فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبِضَ ، فلما رأيت ذلك قمت حتى حرَّكْتُ إبهامه فتحرك ، فرجعت فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته ، قال: " يا عائشة ، أو يا حميراء، أظننتِ أن النبي قد خاسَ([10]) بك ؟! " قلت : لا والله يا نبي الله ، ولكني ظننت أنك قُبِضْتَ لطول سجودك فقال: " أتدرين أي ليلة هذه؟ " قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: "هذه ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم" أخرجه البيهقي ([11]).

هذا الحديث من طريق العلاء بن الحارث، عن عائشة مرفوعاً ، والعلاء لم يدرك عائشة، فهو حديث منقطع ، ولذا قال البيهقي بعد تخريجه هذا الحديث : هذا مرسل جيد ، ويحتمل أن يكون العلاء بن الحارث أخذه من مكحول، والله أعلم. اهـ

قلت: لم يثبت أن العلاء أخذه بواسطة مكحول ، فعلة الانقطاع "الإرسال" لا زالت قائمة ، فلا يصح رفعه.

(2) وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام فرفع عنه ثوبيه ، ثم لم يستتم أن قام فلبسهما ، فأخذتني غيرة شديدة ، ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي ، فخرجت أتبعه فأدركته بالبقيع ـ بقيع الغرقد ـ يستغفر للمؤمنين، والمؤمنات، والشهداء ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، أنت في حاجة ربك، وأنا في حاجة الدنيا ، فانصرفت فدخلت في حجرتي ، ولي نَفَسٌ عال ، ولحقني النبي- عليه الصلاة والسلام - فقال : ما هذا النَّفَسُ يا عائشة ؟ فقلت : بأبي أنت وأمي ، أتيتني فوضعت عنك ثوبيك ، ثم لن تستتم أن قمت فلبستهما ، فأخذتني غيرة شديدة ، ظننت أنك تأتي بعض صويحباتي حتى رأيتك بالبقيع تصنع ما تصنع، قال يا عائشة : " أكنت تخافين أن يحيف ([12]) الله عليك ورسوله ؟ بل أتاني جبريل -عليه السلام-، فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب([13])، لا ينظر الله فيها إلى مشرك، ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل، ولا إلى عاق لوالديه، ولا إلى مدمن خمر.

قالت: ثم وضع عنه ثوبيه ، فقال لي : يا عائشة أتأذنين لي في القيام هذه الليلة ؟ فقلت : نعم بأبي وأمي ، فقام فسجد ليلاً طويلاً حتى ظننت أنه قد قبض ، فقمت ألتمسه ووضعت يدي على باطن قدميه، فتحرك وسمعته، يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك جل وجهك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما أصبح ذكرتهن له، فقال : يا عائشة ، تعلمتيهن ؟ فقلت : نعم ، فقال : تَعلَّمِيهِنْ وعَلِّمِيهنْ ، فإن جبريل عليه السلام عَلَّمنيهن ، وأمرني أن أرددهن في السجود" أخرجه البيهقي وضعفه ([14]).

وهذا حديث ضعيف جداً، جاء من طريق سلّام - بتشديد اللام- بن سليم الطويل المدائني، عن وهيب المكي، عن أبي رُهم، عن أبي سعيد الخدري، عن عائشة مرفوعاً ، وسلام الطويل : متروك كما في تقريب التهذيب (ص261).

وقد أخرجه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، والبيهقي ([15]) مختصراً كلهم من طريق الحجاج بن أرطاه، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة بنحوه، وإسناده : ضعيف جداً ، فحجاج ضعيف، ولم يسمع من يحيى، ويحيى ثقة لكنه مدلس، ولم يسمع من عروة، وقد ضعّف هذا الحديث البخاري كما في سنن الترمذي (3/ 116)، وذكر البيهقي أن "المحفوظ من حديث الحجاج بن أرطأة، عن يحيى بن أبي كثير مرسلٌ" ثم ساقه([16]) مرسلاً من رواية يحيى عن عائشة.

كما رُوي منقطعاً من طريق إبراهيم بن عمر الأنباري، أنه سمع الوضين بن عطاء يقول: قال رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، وذكر نحوه ، أخرجه إسحاق بن راهويه ([17]) وإسناده : منقطع كما ترى.

(3) وعن عائشة أيضاً قالت: "كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي ، وكان رسول الله- عليه الصلاة والسلام - عندي ، فلما كان في جوف الليل فقدته ، فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة ، فَتَلَفَّعْتُ ([18]) بمرطي ([19])، فطلبته في حُجَرِ نسائه ، فلم أجده ، فانصرفت إلى حجرتي ، فإذا أنا به كالثوب الساقط ، وهو يقول في سجوده : " سجد لك خيالي، وسوادي ، وآمن بك فؤادي ، فهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، يا عظيمُ يُرجى لكل عظيم، يا عظيم اغفر الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، ثم رفع رأسه، ثم عاد ساجداً، فقال: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ بك منك، أنت كما أثنيت على نفسك، أقول كما قال أخي داود: أُعَفِّرُ وجهي في التراب لسيدي، وحُقَّ له أن يسجد ، ثم رفع رأسه، فقال : اللهم ارزقني قلباً تقيا من الشر ، نقياً لا جافياً ، ولا شقياً ، ثم انصرف ، فدخل معي في الخميلة ([20])، ولي نَفَسٌ عال ، فقال : ما هذا النفس يا حميراء ؟ فأخبرته فطفق يمسح بيديه على ركبتي ، ويقول : ويح هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة ، هذه ليلة النصف من شعبان ، ينزل الله فيها إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده إلا المشرك والمشاحن " أخرجه البيهقي وضعفه ([21]).

هذا الحديث ضعيف، جاء من طريق ابن أبي كريمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعاً، وفي إسناده: سليمان بن أبي كريمة شامي، ضعّفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، كما في لسان الميزان لابن حجر (3/ 102).

(4) وعنها - رضي الله عنها- مرفوعاً بلفظ: "يَسُحُّ الله - عزّ وجلّ - من الخير في أربع ليال سَحّاً : ليلة الأضحى، والفطر، وليلة النصف من شعبان، ينسخ فيها الآجال والأرزاق، ويكتب فيها الحج، وفي ليلة عرفة إلى الأذان" عزاه الهندي في كنز العمال (12/ 144 رقم 35215) للديلمي ، ولم أجد له أصلاً.

ثانياً: حديث أبي بكر الصديق عن النبي- عليه الصلاة والسلام - قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لكل شيء إلا لرجل مشرك، أو في قلبه شحناء" أخرجه البيهقي ([22]).

قلت: ومدار هذا الحديث على عبد الملك بن عبد الملك ، وقد قال البخاري: فيه نظر لعله العقيلي، ونقله ابن عدي، وقال: هو معروف بهذا الحديث، ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث، وهو حديث منكر، كذا في لسان الميزان لابن حجر (4/ 67) ، لكنه ينجبر بما قبله؛ لأن النكارة والضعف المطلق لا تمانع من انجبار الروايات، لكونها من خفيف الضعف كما حقق هذه القاعدة أهل الحديث، أمثال ابن حجر، وتلامذته كالسخاوي وغيره ، فالحديث حسن لغيره، أعني: جملة " ينزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل شيء إلا لرجل مشرك، أو في قلبه شحناء" وسيأتي ما هو أقوى منه من حديث معاذ ، أما بقية روايات عائشة السالفة بزياداتها، فكلها ساقطة لكون الضعف فيها شديداً.

ثالثاً: حديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله تعالى إلى خلقه ، فيغفر للمؤمنين ، ويملي للكافرين ، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه " أخرجه البيهقي والطبراني ([23]).

هذا الحديث ضعيف جداً، جاء من روايتين:

الأولى: حبيب بن لهيعة عن مكحول، عن أبي ثعلبة مرفوعاً ، وفي بعض الروايات بدون ذكر مكحول من الرواية.

الثانية: المهاجر بن حبيب ،عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعاً.

والحديث فيه علتان:

الأولى: مكحول لم يسمع من أبي ثعلبة.

الثانية: الحديث مضطرب، فتارة يروى حبيب بن لهيعة عن مكحول، وتارة يروى عن المهاجر بن حبيب عن مكحول، وتارة بإسقاطه، وهذا اضطراب ظاهر.

رابعاً: حديث معاذ بن جبل عن النبي- عليه الصلاة والسلام - قال: "يطلع الله في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" أخرجه ابن حبان ، والبيهقي ، وأبو نعيم ، والطبراني في الأوسط ، وفي مسند الشاميين ([24]).

وهذا حديث حسن ، وله طريقان :

الأول: من طريق عتبة بن حماد، عن الأوزاعي، وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ مرفوعاً ، ورجاله ثقات ما عدا عتبة فحسن الحديث.

الثاني: من طريق سليمان بن أحمد الواسطي، عن أبي خليد، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ به.

ورجاله ثقات سوى سليمان بن أحمد الدمشقي الجرشي الواسطي، ضعفه النسائي، وقال ابن أبي حاتم : كتب عنه أحمد ويحيى ثم تغير ، وأخذ في الشرب والمعازف فَتُرِك ، وكذبه يحيى كما في الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 14).

فهذه طريق ضعيفة ، والحديث حسن بالرواية السابقة ، ورُوي أيضاً مقطوعاً من قول كثير بن مرة الحضرمي كما في مصنف عبد الرزاق (4/ 316 رقم 7923) ، ومصنف ابن أبي شيبة (6/ 108 رقم 29859).

وروي الحديث مرسلاً من طريق خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، قال: قال: رسول الله- عليه الصلاة والسلام - وذكره لكن بلفظ: "إن ربكم يطلع ليلة النصف من شعبان إلى خلقه ، فيغفر لهم كلهم، إلا أن يكون مشركاً أو مصارماً ([25])، قالوا: وكان رسول الله – عليه الصلاة والسلام - يصوم شعبان، فيدخل رمضان ، وهو صائم تعظيماً لرمضان" أخرجه الحارث في مسنده ([26]).

وهذا غريب جداً، وقد صح عن النبي- عليه الصلاة والسلام - صيام أغلب شعبان كما في الصحيح، أما أنه يدخل رمضان، وهو صائم تعظيماً لرمضان، فهذا باطل، وخلاف الأصل، وهو معل بالإرسال.

وقد تَعْجَب أيها القارئ الكريم لبعض المحققين الذين جعلوا هذا الاختلاف من قبيل الاضطراب، وهذا بعيد جداً، لأنه يشترط للحديث المضطرب التساوي في القوة، والروايات كما هي ظاهرة مختلفة في القوة ، فأنى يكون له من قبيل المضطرب !!!.

كما جاء الحديث من قول مكحول ، أخرجه البيهقي([27]) من طريق محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، عن شجاع بن الوليد، عن زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، عن مكحول قال: "إن الله يطلع على أهل الأرض في النصف من شعبان ، فيغفر لهم إلا لرجلين إلا كافراً أو مشاحناً".

قلت: وبسبب هذه الرواية ونحوها قال بعض الحفاظ: "حديث فضل النصف من شعبان من قول مكحول ، وقد وهم من رفعه" وللدارقطني نحوه في العلل، وهذا الكلام احتمال لا مزيد عليه، حتى نقل ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 560): عن الدارقطني أنه قال: "وقد رُوي من حديث معاذ ومن حديث عائشة ، وقيل : إنه من قول مكحول ، والحديث غير ثابت".أهـ ، قلت : والصحيح ثبوته مرفوعاً كما تقدم.

خامساً : حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام - قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا مشرك، أو مشاحن" أخرجه ابن ماجه، والبيهقي ([28]) كلاهما من طريق الوليد، عن ابن لهيعة، عن الضحاك بن أيمن، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري.

وهذا حديث ضعيف جداً ، فيه ثلاث علل:

الأولى: الوليد بن مسلم مدلس تدليس تسوية ، ولم يصرح بالتحديث.

الثانية: عبد الله بن لهيعة ضعيف.

الثالثة: ابن عرزب لم يُدرك أبا موسى الأشعري.

سادساً: حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي – عليه الصلاة والسلام - قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان، فإذا منادٍ : هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائلٍ فأعطيه ؟ فلا يسأل أحد إلا أُعْطِي ، إلا زانية بفرجها أو مشرك" أخرجه البيهقي ([29]) من طريق جامع بن صبيح الرملي، عن مرحوم بن عبد العزيز، عن داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص مرفوعاً.

والحديث ضعيف جداً ، فيه ثلاث علل:

الأولى: هشام بن حسان في روايته عن الحسن وعطاء مقال ، لأنه قيل: كان يرسل عنهما كما في تقريب التهذيب (ص572).

الثانية: جامع بن صَبيح ، ذكره عبد الغني بن سعيد في المشتبه ، وقال : ضعيف كما في اللسان للحافظ (2/ 93).

الثالثة : الحسن بن أبي الحسن البصري لا يصح سماعه من عثمان بن أبي العاص.

سابعاً : ما جاء عن علي بن أبي طالب:

(1) قال علي –رضي الله عنه- : "رأيت رسول الله- عليه الصلاة والسلام - ليلة النصف من شعبان قام ، فصلى أربع عشرة ركعة ، ثم جلس بعد الفراغ ، فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة، وقل هو الله أحد أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس أربع عشرة مرة، وآية الكرسي مرة، و" لقد جاءكم رسول من أنفسكم " ، فلما فرغ من صلاته سألته عما رأيت من صنيعه ؟ قال: " من صنع مثل الذي رأيت كان له ثواب عشرين حجة مبرورة، وصيام عشرين سنة مقبولة، فإذا أصبح في ذلك اليوم صائماً كان له كصيام سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة " أخرجه البيهقي([30])، وقال رحمه الله: يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعاً، وهو منكر، وفي رواته مجهولون، وقال الهندي في كنز العمال (14/ 187): وأخرجه الجوزقاني في الأباطيل، وابن الجوزي في الموضوعات ، وقال : "موضوع ، وإسناده مظلم" اهـ ، وهذا يغنينا عن التعليق عليه.

(2) وعنه أيضاً : أن النبي – عليه الصلاة والسلام - قال "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها، وصوموا يومها ، فإن الله- تعالى- يقول : ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من سائل فأعطيه، ألا كذا حتى يطلع الفجر" أخرجه ابن ماجه، والبيهقي ([31]) من طريق ابن أبي سبرة، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعاً.

وهذا حديث موضوع ، في إسناده : ابن أبي سبرة، وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ، رموه بالوضع كما في تقريب التهذيب (ص623) ، وقال في الزوائد : قال فيه أحمد بن حنبل، وابن معين: يضع الحديث كذا في حاشية ابن ماجة (1/ 444).

ثامناً: حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - قال: "يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن ، وقاتل نفس" أخرجه أحمد ([32]) من طريق ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.

وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وقد ثبت من حديث معاذ كما تقدم، إلا أن زيادة "وقاتل نفس" منكرة ، لم أجدها إلا من رواية ابن لهيعة ، وقد خالف رواية الثقات في حديث معاذ ، لذا فابنُ عدي في الكامل (2/ 450( عد هذا الحديث من مناكير ابن لهيعة ، والذي يظهر أن النكارة في حديث عبد الله بن عمرو ليس غير ، لثبوت حديث معاذ ، والله أعلم.

تاسعاً: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله – عليه الصلاة والسلام - : " إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده، إلا لمشرك أو مشاحن ".

هذا الحديث ضعيف، أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 65) ، وعزاه للبزار ، وقال: وفيه هشام بن عبد الرحمن ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

ثم وجدت الحديث مسنداً في العلل المتناهية قال: أنا أبو قاسم الحريري، قال: أنا أبو طالب العشاري، قال: نا الدارقطني، قال: نا أبو بكر المطيري، قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق ، قال: نا عبد الله بن غالب قال: حدثنا هشام بن عبد الرحمن الكوفي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، وذكره ، ثم قال : وهذا لا يصح وفيه مجاهيل.

قلت: هشام هذا مجهول عين ، فقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (8/ 199) وقال : هشام بن عبد الرحمن الكوفي، عن الأعمش روى عنه عبد الله بن غالب العباداني.اهـ

عاشراً : حديث كردوس قال: قال: رسول الله – عليه الصلاة والسلام -: "من أحيا ليلتي العيد، وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب" أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية([33]) من طريق عيسى بن إبراهيم القرشي، عن سلمة بن سليمان الجزري، عن مروان بن سالم، عن ابن كردوس عن أبيه.

وهذا حديث باطل ، والمشهور من حديث أبي الدرداء دون زيادة "وليلة النصف من شعبان" ، في فضل ليلتي العيد، ولا يصح أيضاً من حديث أبي الدرداء، وقد أوضحناه في غير هذا الموضع.

وعلة حديث الباب: عيسى بن إبراهيم القرشي، وسلمة بن سليمان الجزري، ومروان بن سالم ثلاثتهم ضعيف كما في العلل المتناهية (2/ 562).

كما روي موقوفاً من كلام ابن عمر بن الخطاب بلفظ آخر ، قال ابن عمر: " خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء : ليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلتي العيدين"أخرجه عبدالرزاق، والبيهقي ([34]) من طريق البليماني، عن أبيه، عن ابن عمر موقوفاً.

والبيلماني هو محمد بن عبد الرحمن ، وهو وأبوه ضعيفان.

حادي عشر: حديث عوف بن مالك قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "يطلع الله تبارك وتعالى على خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لهم كلهم إلا لمشرك أو مشاحن"

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 65) وعزاه للبزار ، وفي إسناده : عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وابن لهيعة، وكلاهما ضعيف.

ثاني عشر: حديث أبي أمامة ذكره الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 80) وقال : ذكره صاحب مسند الفردوس من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي معشر، عن أبي أمامة مرفوعاً نحوه.

قلت: وأبو معشر ضعيف ، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو مشهور بكنته.

ثالث عشر: حديث ابن مسعود مرفوعاً بلفظ "لا يُحْجَبُ قول لا إله إلا الله عن الله ، إلا ما خرج من فم صاحب الشاربين ليلة النصف من شعبان" عزاه الهندي في كنز العمال (5/ 144 رقم 13251) للديلمي ، ولم أجد له أصلاً.

رابع عشر: حديث ابن عباس ، ويروى عن عائشة أيضاً بلفظ "إن الله – تعالى- يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة ، وذلك في ليلة النصف من شعبان ، فعند ذلك تحن إليها قلوب المؤمنين " عزاه الهندي في كنز العمال (12/ 96 رقم 34713) للديلمي ، ولم أجد له أصلاً.

خامس عشر: حديث راشد بن سعد مرسلاً بلفظ "في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة " عزاه الهندي في كنز العمال (12/ 140 رقم 35176) للدينوري في المجالسة ، والحديث معل بعلة الإرسال.

سادس عشر: حديث أنس بلفظ: " أربع ، لياليهن كأيامهن، وأيامهن كلياليهن، يبر الله فيهن القسم، ويعتق فيهن النسم، ويعطي فيهن الجزيل : ليلة القدر وصباحها، وليلة عرفة وصباحها، وليلة النصف من شعبان وصباحها، وليلة الجمعة وصباحها"، عزاه الهندي في كنز العمال (12/ 144 رقم 35214) للديلمي، ولم أجد له أصلاً.

سابع عشر: أثر عطاء بن يسار قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان نسخ الملك من يموت من شعبان إلى شعبان، وإن الرجل ليظلم ويتجر وينكح النسوان، وقد نسخ اسمه من الأحياء إلى الأموات ، ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل منها، ينزل الله إلى السماء الدنيا ، فيغفر لكل أحد إلا لمشرك، أو مشاحن، أو قاطع رحم" عزاه الهندي في كنز العمال (14/ 79 رقم 38291) لابن شاهين في الترغيب، ولم أقف على سنده، ولا يصح رفعه، بل هو أثر كما تقدم.

ثامن عشر: أثر عمر بن عبد العزيز أنه "كتب إلى عدي بن أرطاة عليك بأربع ليال في السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة: أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الفطر" عزاه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 80) للخطيب في غنية الملتمس ، ولم يحكم على سنده ، ولم أقف له على سند.

هذه هي جملة ما استدل به القائلون بتعظيم هذه الليلة بالصلاة، ونحوها مما سبق ذكره ، وخلاصة هذه الأحاديث ، أنه لم يثبت منها إلا " ما يدل على أن الله يطّلع على خَلْقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لعباده إلا ما استثناه الحديث ،وأيضاً أن حديث "ينزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان " حسن لغيره لما سبق من جملة الروايات، وهذا من حيث الجملة، وهي لا تفيد: جواز الاحتفال بهذه الليلة، أو تخصيصها بالقيام، أو الصلاة الألفية، أو إشعال المواقد في المساجد ، ونحوها من الترهات، والبدع، والمنكرات ، فكل ذلك لا أصل له، لما سبق بيانه من الكلام على الروايات السابقة.

رد هذه البدعة، والجواب على ما استدل به المبتدعة :

والجواب على المبتدعة من جهتين :

الجهة الأولى: أن بدعة الاحتفال، والصلاة الألفية، ونحوها من زيادة التعبد، والتعظيم في هذه الليلة لم يكن معهوداً عند رسول الله ولا عند صحابته، ولو كانت هذه الذكرى من الخير المشروع، لكانوا أسبق الناس إلى ذلك، فشيئ ما فعلوه، وما وسعهم فعله فكيف نفعله ؟ وهم قبلتنا ، وقدوتنا في الاتباع، " ومن كان بِهذه المثابة حقيقٌ أن يتُخذَ قدوة، وتُجعل سيرته قبلة([35]).

وفي الحديث "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد"([36]).

قال الإمام مالك " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة ، فقد زعم أن محمداً خان الرسالة ، لأن الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " فما لم يكن يومئذ ديناً ، فلا يكون اليوم ديناً} ([37]).

وعن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: "كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة" ([38]).

والجهة الثانية: أن الروايات السابقة لم يثبت منها إلا " ما يدل على أن الله يطّلع على خَلْقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لعباده إلا ما استثناه الحديث ، وأيضاً ثبوت حديث نزوله سبحانه كما يليق بجلاله ، وهي لا تفيد: جواز الاحتفال بهذه الليلة، أو تخصيصها بالقيام، أو الصلاة الألفية، أو إشعال المواقد في المساجد ، ونحوها من الترهات، والبدع، والمنكرات ، فكل ذلك لا أصل له.

أقوال العلماء في بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان :

وقد أنكر علماء الإسلام هذه البدعة ، وإليكم بعض أقوالهم :

(1) قال زيد بن أسلم: "ما أدركنا أحداً من مشيختنا، ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول ، ولا يرون لها فضلاً على سواها" ([39]) اهـ

(2) قيل لابن أبي مليكة : إن زياداً النميري يقول: "إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر" ، فقال: " لو سمعته وبيدي عصا لضربته" ، وكان زياد قاصاً ([40]) اهـ

(3) قال الإمام النووي: "الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، وليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب : "قوت القلوب"، و"إحياء علوم الدين"، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك ([41]) اهـ

(4) قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتاب أداء ما وجب : " وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة، وواحد مقطوع، وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة .. فينصرفون وقد غلبهم النوم، فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" ([42]) اهـ

(5) قال ابن باز- رحمه الله - : "ومن البدع التي أحدثها بعض الناس : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام ، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه ، ... وكل ما ورد في فضل تخصيصها بعبادة باطلٌ موضوعٌ ، فليس في تعمُّد القيام فيها بعبادة ما، على وجـه التعيين لها ، وتخصيصها بتلك العبادة إلا ابتداعاً في الدين ([43]) اهـ.

ونحوها من الأقوال التي لا يسع المقام ذكرها.

قلت: وقد اغتر بعض المقلدة بمثل الروايات السالفة في فضل ليلة النصف من شعبان ، فكلفوا الأمة بمثل هذه العبادات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ومن هؤلاء صاحب مراقي الفلاح, وحاشية ابن عابدين , وصاحب شرح المنهاج، والروض المربع، وإعانة الطالبين وغيرهم ممن تأثر بمنهج التصوف والتقليد، واستحسنوا ما لم يأذن به الله من البدع المضلة خلافاً لمذهب السلف.

وفي هذا القدر كفاية ، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

حرر يوم الجمعة بتاريخ 4/ 3/ 1428هـ، الموافق لـ 22/3/ 2007م.
___________
(1) لطائف المعارف لابن رجب (ص151).
([2]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/ 428).
([3]) الباعث على إنكار البدع لأبي شامة (ص 34).
(4) المصدر السابق (ص 34).
(5) المصدر السابق (ص 36).
(6) البداية والنهاية لابن كثير (10/ 189).
(7) المصدر السابق (10/ 189).
(8) مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/ 234).
([9]) الباعث على إنكار البدع لأبي شامة (ص35).
(10) قال الأزهري : قوله "قد خاس بك" يقال للرجل : إذا غدر بصاحبه فلم يؤته حقه قد خاس به [ انظر شعب الإيمان للبيهقي (3/ 383)].
([11]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 383 رقم 3835).
([12]) من الحَيْف بمعنى الجور أي : بأن يدخل الرسول في نوبتك على غيرك وذكر الله لتعظيم الرسول والدلالة على أن الرسول لا يمكن أن يفعل بدون إذن من الله تعالى، فلو كان منه جور لكان بإذن الله تعالى له فيه [ انظر حاشية السندي على النسائي (4/ 93)].
([13]) أي قبيلة بني كلب، وخصهم لأنهم أكثر غنماً من سائر العرب [انظر تحفة الأحوذي للمباركفوري (3/ 365)].
([14]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 383 رقم 3837).
([15]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 108)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 326 رقم850، وكذا 3/ 979 رقم1700)، وعبد بن حميد في مسنده (ص437 رقم 1509)، والترمذي في سننه (3/ 116 رقم 739)، وابن ماجه في سننه (1/ 444 رقم 1389)، وأحمد في مسنده (6/ 238 رقم 26060)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 379 رقم 3824).
([16]) شعب الإيمان (3/ 379 رقم 3825).
([17]) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (3/326 رقم 981) و (3/ 981 رقم 1702).
([18]) تغطيت.
([19]) هو الثوب ، أو الملحفة.
([20]) الخميلة بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم ، قال أهل اللغة: الخميلة والخميل بحذف الهاء هي القطيفة، وكل ثوب له خمل، من أي شئ كان، وقيل: هي الأسود من الثياب [ انظر شرح مسلم للنووي (3/ 206)].
([21]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 385 رقم 3838).
([22]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان [(3/ 380 وما بعدها رقم 3827، 3828، 3829).
([23]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان [(3/ 381 رقم 3832) ، والطبراني في المعجم الكبير(22/ 223 رقم 590) ، (22/ 224 رقم 593).
([24]) أخرجه ابن حبان في صحيحه (12/481 رقم 5665)، البيهقي في شعب الإيمان [(3/ 382 رقم 3833، وكذا 5/ 272 رقم 6628)، والطبراني في المعجم الأوسط (7/ 36 رقم 6776، وكذا في مسند الشاميين (1/ 128، 130 رقم 203، 205) ، وكذا (4/ 365 رقم 3570)، وأبو نعيم (5/ 191).
([25]) بمعنى مهاجر [ من الهجر والتدابر ].
([26]) أخرجه الحارث في مسنده (1/ 423 رقم 338).
(27) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 381 رقم 3830)
([28]) أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 445 رقم 1390)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 382 عند الحديث رقم 3833).
([29]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 383 رقم 3836).
(30) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 386 رقم 3841).
([31]) أخرجه ابن ماجه (1/ 444 رقم 1388) ، والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له (2/ 378 رقم 3822).
([32]) أخرجه أحمد في مسنده (2/ 176 رقم 6642 ).
(33) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 562).
([34]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( 4/ 317 رقم 7927) ، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 342 رقم 3713) .
(35) الموافقات للشاطبي (4/ 80).
(36) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الصلح، باب اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود(2/ 959 رقم 2550)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور(3/ 1343 رقم 1718)] من حديث عائشة.
([37]) الاعتصام للشاطبي (1/ 49).
([38]) الإبانة لابن بطة (1/339).
([39]) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص35).
([40]) مصنف عبد الرزاق (4/317).
([41]) المجموع شرح المهذب للنووي (4/ 61).
([42]) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص 36).
([43]) مجموع فتاوى ابن باز (2/882).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام